جوجل .. لا تكن شريرا (1- 2)

 

أحمد الرحبي

إنَّ استخدام المادة الأولية المتداولة في الإنترنت وهي البيانات الشخصية في سياق أنظمة التشغيل الذاتي، يؤدي إلى تحولات اقتصادية وهيكلية ترعب العديد من القطاعات الاقتصادية وهي المهمة التي أخذتها شركة جوجل على عاتقها حيث تصف مهمتها على النحو التالي: مهمة جوجل تقتضي تنظيم معلومات العالم وجعل إمكانية الوصول إليها ممكنة من جميع أنحائه وجعلها مفيدة للجميع كذلك، فلقد أضحى في مستطاع عملاق محرك البحث جوجل، بفضل هذا الاستخدام أن يصول ويجول في العديد من الميادين الاقتصادية والمجالات التجارية، محتكرة "جوجل" لنفسها فروعا اقتصادية بكاملها، وملزمة إياها وإيانا بالانصياع لقواعد تخدم مصالحها الخاصة، أولاً وأخيرا.

إن ما رأى النور، في كاليفورنيا كمشروع بحثي مثالي، سامي المقاصد، تغير بالكامل فيما بعد، فهذا المشروع سرعان ما فرض ثقافته على كل ربوع العالم، فبسبب إدمان كل أرجاء المعمورة، أو ملايين من البشر فيها، وفي كل ساعات النهار والليل بنحو متزامن، الخدمات المقدمة من قبل شركة جوجل - يستعينون بهذه الخدمات سواء استخدموا الهاتف المحمول العامل بنظام آندرويد أو آثروا مشاهدة أشرطة فيديو على موقع يوتيوب، وهي منتجات من تصميم وابتكار شركة جوجل - لم تعد شركة جوجل محرك بحث فقط، لقد تحولت في اليوم الراهن، إلى شركة عملاقة تضم بين جناحيها مئات من شركات، تتعاون فيما بينها، ويحمي بعضها البعض الآخر من المخاطر الآتية من المنافسين، إنها إمبراطورية، أسهمنا نحن جميعًا، في تأسيسها، حين زودناها، طواعية، بالكثير من البيانات، وانطلاقاً من هذا كله يتصرف كل مديرو وأصحاب هذه الشركات وفق نهج واحد: فسواء تعلق الأمر بجوجل أو فيسبوك، يكمن القاسم المشترك دائمًا، في الإشادة بحرية كاذبة يمن بها البوح بالبيانات الشخصية بأكبر قدر ممكن من الكرم، فحسب ما يؤكد خبير الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)جارون لانير ..أن السبب الذي يزيد بلا انقطاع من قيمة البيانات الشخصية يعود، من ناحية إلى أنَّ هذه البيانات تقدم المادة الأولية الضرورية لعمل أنظمة التشغيل الآلي (automate system)، ومن ناحية أخرى أن أنظمة التشغيل الآلي، قد أخذت تكتسب أهمية متزايدة في الحياة الاقتصادية، وأن من يبحث في الشبكة العنكبوتية يتحول، شاء أم أبى، إلى مورد للبيانات والمعلومات، وأن من يقتني بضاعة، يصبح هو نفسه بضاعة، فالمتعاملون في وادي السليكون وفي وول ستريت، باتوا يتداولون بعملة، سداها شرائح بيانات ولحمتها حزم معلومات نزودهم بها، نحن مستخدمو الشبكة العنكبوتية بلا انقطاع، بالإضافة إلى أن الإنترنت ألغى حدود الدول، وجعل العالم لا تحده آفاق، ليس لما فيه خير البشرية فحسب، بل الوبال عليها أيضًا.

ولتعظيم قيمة الشركة في السوق، تنتهك جوجل القواعد الرئيسة المنظمة لمجتمعات البشر، من قبيل احترام الشؤون الشخصية أو عدم التعدي على خصوصية البيانات، فعلى وقع الربحية التي تتجاوز معدلاتها العشرين بالمائة بكثير، والتي باتت شركة جوجل بفضلها، إحدى كبرى شركات العالم من حيث تحقيق الأرباح، تخلت جوجل عن شعارها الذي دأبت على ترديده في الأيام الخوالي: لا تكن شريرا، الذي يعكس الرومانسية العائدة إلى زمن البدايات، ولقد أمكن لعملاق محرك البحث جوجل، بسبب الشراهة للربحية، أن تخلف وراءها كوكا كولا ومايكروسوفت وآي بي أم، وهو الأمر نفسه، الذي أدى إلى هبوط تصنيف شركة كشركة البترول العملاقة إكسون موبيل إلى المرتبة الحادية والأربعين، وهو ما يؤكد أن زمن المعلومات أضحى بمثابة البترول الذي يحرك عجلة العصر الجديد عصر المعلوماتية، الذي تبرع فيه شركة جوجل أيما براعة. ومن ضمن الشركات الكثيرة التي اشترتها جوجل والتي بلغت خلال الفترة الواقعة بين العامين 2002 و2014، 170 شركة، كانت شركة نست nest وهي شركة ترموستاتات رقمية وأجهزة للكشف عن الدخان، وغير ذلك من أجهزة الأمان، وكانت من أضخم الصفقات الناجحة، والنجاح هنا للصفقة برغم كلفتها المالية - أبرمت الصفقة بـ 3.2 مليار دولار أمريكي - يأتي استجابة لحاجة جوجل لمنتجات هذه الشركة، من أجل تحقيق رؤية تراود خيالها بإلحاح :انتشار الويب في كل مكان كعامل مساعد للإنسان، وهو ما يمكنها بفضل هذه المنتجات (الأجهزة) المثبتة في المساكن مسبقاً من تحقيق رؤيتها، وبغض النظر عن المساعدة التي تقدمها خدمات جوجل للمشتركين، فبدون شك، باتت شركة جوجل تعرف أين يسكن مستخدمو محرك بحثها، وما يُفرحهم وما يقلقهم، وماهية المنتجات التي تحظى باهتمامهم والأمراض التي تستحوذ على أفكارهم، ومن هم جيرانهم، وبناءً على هذه المعلومات، بإمكانها تصميم صورة تفصيلية يمكن من خلالها التعرف-على سبيل المثال-على الجدارة الائتمانية أو على الوضع الصحي للمستخدم.