كيف ألتقط الأشياء من حولي

الكاتبة السورية إينانة الصالح لـ" الرؤية" : كل ما كتبته سينطوي تحت عنوان واحد هو كيف ألتقط الأشياء من حولي

يعنيني الرأي النقدي المدروس بقدر ما يعنيني رأي المتلقي العادي، فكلاهما يسلطان الضوء على أزقة ربما غافلتني أثناء فعل الكتابة.
حاورها: عزيز البزوني - العراق


إينانة محمد الصالح كاتبة سورية من مواليد مدينة حمص عام 1979م,حائزة على شهادة جامعية من كلية الآداب / قسم اللغة الفرنسية, عملت في مجال التعليم لمدة ثمان سنوات لمرحلة التعليم الثانوي ثم أمينة مكتبة,  عضو في جمعية أصدقاء سلمية الأهلية, صدر لها مؤخراً ديوان "حينما تصبح المدينة نافذة"، ولديها مخطوط هو عبارة  عن شعر التفعيلة مازال قيد التدقيق، وأنهت ترجمة كتاب هو عبارة عن دراسة توثيقية مكتوب باللغة الفرنسية للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي،كان لديّها مشاركات في مختلف المحافظات السورية, قامت بالعديد من الأمسيات الشعرية بإلاضافة إلى قراءات في الإصدارات الجديدة, التقينا بها فكان هذا الحوار معها.

س؟؟): يقال بأن الغاية من الترجمة إلى اللغة الفرنسية تتمثل في كسر الحاجز الذي يُعيق أدبنا العربي من الانتشار كيف ترين ذلك؟
ج**) الترجمة بالعموم من ولأي لغة هي النافذة الوحيدة المطلّة على الثقافة الأخرى، وبالنسبة للأدب العربي ورغم الاكتفاء بترجمة بعض الأعمال الأقرب للحداثوية، لكنه استطاع أن يعبر إلى الثقافة الفرنسية بسلاسة، كون الفرنسية بحد ذاتها لغة إبداع وفن، رغم فقدانه لبعض خصوصيته وربما عدم تواجد مصطلح مطابق لما هو في اللغة العربية، وهذا ما يجعل للمترجم الدور الأهم في عالم أقرب ما يكون للأصل بتصرّف ولكن بكامل الأمانة للمعنى.
مداخلة: الكثير من يعتقد بأن الرواية هي فن غربي المنشأ ليس لنا في شرقنا فضلٌ عليه في تطويره أو سبر غوره، بل اقتبسناه وأسرعنا لاهثي الخطى "لفرضه" أكثر من عرضه على الآخرين.
ج**) الرواية تبعاً للتوثيق هي نشأت في أوربا حوالي القرن الثامن عشر، وتأخر إنجازنا نحن العرب حوالي القرن والنصف عنها، لكن بحكم أن التاريخ والمؤرخين لم ينصفوا الحقائق غالباً، وباعتبار الحكايات والقصص المتوارثة كثيرة وكثر رواتها، وكون الأساطير اليونانية والشرقية ظهرت على شكل حكايات أقرب للرواية من حيث دمج الرؤيا الخاصة والخيال بالواقع حتى تخاله حقيقة كاملة، فلربما كان هناك من كتب الرواية قبل الغرب، وهذه الإشكالية لا تعني شيئاً طالما تصب في مجملها في تطوير العمل الإبداعي، وحالياً يُترجم العديد من الروايات العربية إلى عدة لغات أخرى وتحقق هذه الروايات أصداء قد تفوق الكثير من الروايات الغربية وقد توازيها، تبعاً لتقنيات فن الرواية من حيث فنياتها الخاصة واستكمال حضورها المثقف.
س:؟؟)هل صحيح ما يقال بأن ترجمة الروايات العربية ما زالت ناقصة وغير مكتملة لأنها تفتقد الرواج والتعدد؟
ج**) إن كان المقصود بنقصانها وعدم اكتمالها أي الرواية، فأنا أعتبر الشمولية فخّ للحكم بطريقة سلبية على الأشياء، فهناك روايات مكتملة، وقد تعد ذات قيمة فنية ومرجعية هامة جداً، كرواية (فرانكشتاين في بغداد) أو (دروز بلغراد) وغيرها وقد حققت رواجاً ليس بقليل في ثقافة غربية ليس من السهل أن تحصل فيها على مكانة ذات خصوصية عالية، وهناك تجارب روائية لم ترتق لمستوى القارئ، فاكتفت بسرد لا يترك أسئلة ولا يفتح آفاق ولا يقدّم سوى حالة ذاتية خاصة، فهذه لا يصلح أن تُصدَّر إلى لغة أخرى كي لا تسيء إلى مستوى الإبداع العربي, منذ فترة ليست بقليلة بدأ المترجمون الغربيون يبحثون عن الكتّاب والمؤلفات العربية، ويتسابقون لترجمتها وهذا لم يكن ليحدث لولا الحضور المؤثِر للرواية العربية.
س:؟؟) هل الشعر رسائل مفتوحة الآفاق بينك وبين وطنك؟
ج**) الشعر نوافذ متعددة مشرّعة على الجمال، فهو من يعطي القيمة الجمالية لأكثر الأشياء إيلاماً وقبحاً، يُحيل الأشياء إلى كائنات، ويبحث في الخيال عن هواء الروح والمُشتهى، لذا فهو مرتبط بكل المعطيات من حولنا، وإن خذله الوطن فهو لن يخذله، العطاء سمة الشعر الأولى والأخيرة وما بينها تنحصر سماته الباقية.
س:؟؟) كيف ترين مستقبل الشعر العربي ضمن مشروع قصيدة النثر؟
ج**) عادةً لا أضع نفسي في موضع التقييم، لكنني أتحدث بذائقة خاصة تتعلق بي ككاتبة له وكقارئة مزمنة، الشعر العربي حاضر بكامل أناقته في الساحة الشعرية، ويكمن في القصائد التي كانت تُدعى كلاسيكية حالياً حداثة متفردة على أيدي كتُاب شباب في العصر الحديث، وهذا ما يجعلها مستمرة ومثمرة، أما ما يتعلّق بالنثر فهو هذا الكائن الفوضوي الموجود في داخل المرء في زاوية ما قد تكون مغيّبة عمن حوله لكنها تخرج في قصيدة النثر بكامل جنونها وفوضاها هي وجهٌ آخر للشعر العربي ليكتمل المشهد الإنساني الحقيقي، بلا مراوغة وتجميل.
س:؟؟) تعددت المشاهد في التجارب الشعرية لدى الكثيرين من الشعراء ومن مختلف الأجيال، ما رأيكِ بما يدور بهذا الفلك الذي أحسّه سيكون خاسراً أمام القصيدة العربية الأصيلة برغم المغادرة في الكتابة نحو آفاق مفتوحة؟
ج**) المشكلة بما يتعلق بقصيدة النثر والومضة والهايكو مجدداً (مع تحفظي وربما رفضي لوجود هايكو عربي) هو فعل الاستسهال في الكتابة، الكتابة حالة مخاض حقيقي وليست إنشاءً مُفتَعلاً، والشعر عليه أن يحتوي موسيقى داخلية تحملها الصور والمفردات للعمق لتستخلص منها النَّفس الحقيق بكامل حرارته، ولكن المشهد العام للأسف يميل إلى التسطيح وليس إلى البساطة، ويساهم في هذا جمعُ ليس بالقليل من المهللين والمصفقين لهذه الظاهرة تبعاً لذائقتهم، أو تبعاً لعلاقات افتراضية تفرض جانباً من الواجب ويسوء الحال أكثر حين تراهم من الكتّاب المهمّين والذين هم محط ثقة الجمهور الأدبي، وبالتالي يصدّق كاتب (ـة) النص نفسه، ويعرّف عن نفسه بكلمة شاعر، وهذا يُقلل من قيمة اللغة واحترامها وهو تلوّث حقيقي,فإن كان الشعر المكتوب مأخوذاً على محمل الجدّية، فنحن لا نتعرّض لمنافسة بين أصنافه، وإن كان هزلاً فهناك من يسيء للقصيدة الأصيلة بنظمٍ يُفقدها الفحوى، وهناك من يسيء لقصيدة النثر فيحرمها حضورها، وإلا فهما معاً هوية حقيقية للثقافة ولتطوير الذهن المتلقي وحمله إلى مساحات توسّع مداركه ولغته.
س:؟؟) الترجمة عمل أدبي وفني، هل تفقد الترجمة روحية النص؟
ج**) لاشكّ أن هناك جزء من روح النص ستكون مغيّبة كلّياً عن المادة المترجمة، فالحالة الحسية مختلفة والمرجعيات الثقافية مختلفة، لكن هنا يكمن دور المترجم بتقليص هذه الهوّة حد اقترابه من ردمها، وهذا يحصل في حالات يكون فيها المترجم يمتلك مرونة فكرية ومتمكن من اللغتين معاً، وكاتب في ذات الوقت، فحين يترجم شاعر لشاعر فالترجمة تختلف من أن يكون المترجم هو فقط مترجماً، وأن لستُ مع الترجمة الحرفية أنا مع الترجمة بكامل الحرية مع بقاء المعنى والمفهوم الأصلي ذاته، كون بعض المفردات والتراكيب يختلف وقعها من مجتمع بمجتمع آخر.
س:؟؟) لنتكلم عن ديوانك(حينما تصبح المدينة نافذة) ما الأفكار الرئيسية التي يحملها هذا إلاصدار؟ هل أنصفك النقاد؟
ج**) صدر ديوان واحد (حينما تصبح المدينة نافذة) عن دار فضاءات للنشر، ساهم الوضع السياسي والاقتصادي الذي تعانيه سوريا منذ قرابة التسع سنوات في هذا الأمر، وأيضاً انشغالي في العمل النقدي مع دوريات عربية مما يتطلب الكثير من الوقت للقراءات المتواصلة، لدي عمل قصصي مترجم للأطفال هي مختارات من قصص فرنسية ونشرت بعضها في الدوريات العربية، وعمل روائي ربما يصدر في نهاية العام، وديوان لشعر التفعيلة، وكتاب مترجم عن الفرنسية لفاطمة المرنيسي، ربما يحالفني الحظ بنشرهم تباعاً قريباً.كل ما كتبته سينطوي تحت عنوان واحد هو كيف ألتقط الأشياء من حولي، أي ما هو وجودي الفعلي الشخصي لا الجَمعي، وعلاقتي مع مفاهيم كالجمال والمحبة والحرب والحب والطفولة والحزن، وغيرها. وسأنتظر رأي النّقاد حينها فالتجربة وحدها هي من تمكّنك من معرفة أماكن قوتك وأماكن ضعفك، ويعنيني الرأي النقدي المدروس بقدر ما يعنيني رأي المتلقي العادي، فكلاهما يسلطان الضوء على أزقة ربما غافلتني أثناء فعل الكتابة.

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك