بين يدي سارق المنشار (3)

أحمد بن عيسى الشكيلي

 

لقد عرّج سارق المنشار على مواضيع قد تجعل منا نقف عليها ليس وقوف القارئ المعجب بالبلاغة، أو فنون البديع والبيان، وإنما وقوف الباحث عن حلول لتلافي الوقوع في ذات الأخطاء التي صاحبت مسيرة سارق المنشار، سواءً كانت تلك الأخطاء متعلقة بممارسات إدارية وما يرتبط بها من قرارات، أو ممارسات عامة تخرج من بوتقة التخصيص للمواضيع.

فإضافة إلى أهمية التوثيق والحفاظ على التراث ومقوّمات التاريخ العماني طرق المحروقي أبواباً أخرى، منها وهو موضوع هذا المقال "الكاتِب"، الكاتب الذي يجهد نفسه ويكتب مقالاته وتحليلاته ويبث من خلالها رؤاه وفكره الذي لا يرمي إلى زعزعة أمن أو إقلاق راحة العامة أو حتى الخاصة من الساهرين على أمن البلاد، كما لا يُلزم أحداً باعتناق أفكاره أو تبنيها على أقل تقدير، وبين حين وآخر يجد نفسه في قفص الاتهام، ليس لأنه قام بالتحريض وانتهاك حدود قانون المطبوعات والنشر، أو طرق أبواب الممنوعات وتجاوز الخطوط الحمراء في عالم الكتابة، وإنما لأن هنالك شخصا ما قرأ مقاله بنظرته الخاصة ومن زاوية فهمٍ معينة جعلته يُسقط على هذا المقال أو ذاك تُهمًا معينة، تُهمًا ما كان ليُسقِطها لو كلّف نفسه فقط بالتواصل مع كاتب المقال والتحاور معه بإسلوب ودي عن المقال وما يرمي إليه، لعله يتضح له ما كان خافيًا، إذ أنّه من الخطأ أن نعتبر القلم وصاحبه عدوًا لدودًا وخصمًا حقودًا، ولكن يمكن النظر إليه على أنه مُرشِدًا باحثًا عن النور.

يعترض الكثير من الكتّاب - وهنا لا أخصص أن يكونوا في وطننا – بعضًا من التضييق الأمني، كما ينتابهم الكثير من الخوف عند الكتابة عن شأن داخلي خُيّل إليهم أن الكتابة فيه ّإنما هو أمر محرّم لا ينبغي الإتيان به، وقد تكون الأحازي والحكايا المتداولة هي التي من صوّرت ذلك ورسخته في عقول الكثيرين، حتى باتت الصورة الذهنية للأمنيين على أنهم قامعي للحريات، وهنا الأمر خاطئ تمامًا إذا ما كانت الكتابة تصب في الصالح العام وتتوافق مع الأنظمة المنظمة لذلك، دون ضررٍ أو ضرار أو قدح في الشخوص أو انتهاك من رموز البلد وأعرافها وقيمها.

إنّ "الاستجوابات" التي تعرض لها زاهر المحروقي سواءً كانت بشأن تعليقٍ لهج به لسانه في أحد برامج الإذاعة، أو حول فقرات قصيرة تضمنتها بعض مقالاته؛ تثبت جيداً أنّ الاختلاف بين المرسل والمتلقي أمر وارد، لكن لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف أمر قابل للتأويل من طرف المتلقي، فإذا لم تفهم ما أقوله، فليس عليك أن تؤوله وفقًا لما تريده، وبرغم أنّ العملية الاتصالية قد يصاحبها التشويش المختلفة أنواعه؛ إلا أن هنالك من الوسائل ما تتيح التغلب عليه، وقد يكون الحوار لا الاتهام في هذه الحالة هو الأنسب، فعندما تستمع لغيرك وتعيد قراءة ما كتبه مرة ومرتين وثلاث أو أكثر قد يتضح لديك صدق نواياه، كما قد يتبين لك ما قد كان خافيًا في لحظة قراءة عابرة غير متعمقة.

ليس علينا أن نربط كل مقال أو تغريدة أو نص منشور بأفكارٍ قديمة ومسلّمات قد تكون أوجدتها ظروف سابقة، فما يتناسب مع فترة السبعينيات والثمانينيات لا يتناسب مع هذه الفترة من الزمن، ففضاءات النشر الرحبة سحبت البساط من تحت وسائل الإعلام التقليدية إلا ما ندر، ولم يعد الكاتب يجد صعوبة في نشر فكره ومقالاته فوسائل النشر متاحة كيف ومتى وأين ما شاء، ولذلك فإنّه لا ينبغي العمل على تضييق هذه المساحات من خلال التأويل الخاطئ والفهم القاصر لمضمون المقال، بل يجب استثمار كل مقال يكتب يحمل شأنًا وطنيًا استثمارًا صحيحًا من خلال تفنيد ما جاء فيه، إن كان يحمل ملاحظات واقعية أو مقترحات أو نقدًا لخدمة ما، فيجب النظر إليه على أنه كمن يزيل الغشاوة عن أعيننا بشأن مواضيع ربما لم تسعفنا الظروف للاطلاع عليها عن قرب، ومن بعد فيمكن العمل على التجويد والتطوير، وإن تبين لاحقًا خطأ ما تضمنه؛ فللجهة أيًا كانت حق الرد والتوضيح.

ختاماً.. يبقى القلم والكاتب يحملان فكراً، والفكر كما هو قابل للتأويل فهو بلا شك قابل للنقاش والحوار، وتبقى المقولة الخالدة: "مصادرة الفكر والتدبر والاجتهاد من أكبر الكبائر، ونحن لن نسمح لأحد بمصادرة الفكر أبداً"، هكذا قالها جلالة القائد المفدى- حفظه الله ورعاه- لطلبة جامعته الفتية داعيًا إيّاهم لإعمال الفكر وتجنّب أية مغالطات قد أتى بها التاريخ.

تعليق عبر الفيس بوك