كارثة الفحم!

 

أحمد الشبلي

لقد سعى الإنسان منذ قدم التاريخ في توفير سبل الحياة الكريمة والتنمية والتطوير بما يخدم الجنس البشري في شتى المجالات، ولقد عزز ذلك بالبحث عن مصادر للطاقة تُسهم مباشرة في التقدم بشكل متسارع لم يسبق له مثيل، مما حدا به إلى اختبار جميع خيارات الطاقة المتاحة طبقاً للمكان والزمان ومدى توفر هذا المصدر وسهولة استخدامه والجوانب السلبية والإيجابية منه، ويعتبر الفحم الصخري وقودا أحفوريا استخدم عبر التاريخ كمصدر للطاقة الحرارية والتدفئة وكوقود للقطارات مع بداية عهد اختراع الآلة البخارية في بدايات القرن التاسع عشر.

     ويستخدم الفحم الصخري حتى اليوم في إنتاج الطاقة الكهربائية، وتنتج محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم حول العالم ما يقارب 60% من الطاقة الكهربائية، ويمكن الإشادة بفعاليته في إنتاج الطاقة وقلة كلفته للبلدان المُنتجة، ولكن استخدامه ينطوي على ملاحظات عديدة وجوانب سلبية لا يُمكن كتمانها، حيث يعتبر من أكبر مصادر إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو المسبب الأول لظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة درجة حرارة الأرض، وتشير الدراسات إلى أنَّ إنتاج الفحم الصخري المستخدم في توليد الكهرباء حول العالم وصل إلى أكثر من 14416 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون.

     الفحم الصخري ينطوي على الكثير من المخاطر من بداية استخراجه وحتى استخدامه، وتحتل الصين المرتبة الأولى في إنتاج الفحم منذ 4 عقود، ويعزى التلوث الذي تعاني منه الصين إلى كثرة استخدام الفحم الصخري في توليد الكهرباء، وهو المسؤول عن وفاة مليون شخص سنوياً، بالإضافة إلى آلاف الأشخاص الذين يلقون حتفهم بسبب حوادث الطمر والانفجارات الغازية واستنشاق رماد الفحم التي تحدث أثناء استخراجه بسبب اشتعال غاز الميثان والغازات الأخرى. كما أن الفحم يستهلك الكثير من المياه خلال عمليات حرقه لإنتاج الطاقة، ويحوي أكثر من 75 ملوثاً، وينتج الكثير من الرواسب القابلة للذوبان مثل حامض الكبريتيك وكبريتات الحديد، والذي يتسبب في خفض الأنواع النباتية والحيوانية التي تعيش في المناطق المجاورة، كما أن عمليات حرق الفحم ينتج عنها أكاسيد الكبريت والنيتروجين والنيتريك، كما ينتج عنها الرماد المتطاير الذي يُمكن نقله بواسطة الرياح لمئات الكيلومترات بما يحمله من عناصر الكلور والزئبق والزرنيخ والباريوم التي تكون موجودة في الفحم وتعتبر بعض هذه العناصر مسرطنة.

     وتتوقع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية بشأن الحد من التغير المناخي أن ترتفع درجة حرارة الأرض 4.8 درجة قبل نهاية القرن الحادي والعشرين بسبب زيادة نسبة الكربون في الهواء، كما أن 28 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي مصابون بأمراض الجهاز التنفسي بسبب انبعاثات الفحم، وأكثر من 23 ألف شخص يلقون حتفهم سنوياً لذات السبب، والذي بدوره يؤثر على القلب والرئتين والدم والأوعية الدموية، بالإضافة إلى أضراره على الثروة السمكية والحيوانية والنباتات والمياه. وذكرت وكالة حماية البيئة الأمريكية في إحصائية لها أنّ تكلفة الأضرار الصحية لاستخدام الفحم في أمريكا بلغت 53 مليار دولار أمريكي. وحسب دراسة البنك الدولي فإنَّ تلوث الهواء في الصين يقتل 750 ألف شخص كل عام، وخلال العامين 2012-2013 تم تسجيل مستويات عالية من تلوث الهواء مما دعا الحكومة إلى اعتماد خطة لخفض حصة الفحم إلى 65%، وذلك بسبب ارتفاع أعداد مرضى السرطان وقلة المصائد والثروات البحرية، حيث تحتل الصين المركز الأول في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون يقدر  بـ 25% عالمياً. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليل انبعاثات الكربون إلى 80% بحلول عام 2020م، حيث قامت ألمانيا بخفض اعتمادها على الفحم الصخري من 82% إلى 66% خلال الخمس سنوات الماضية، وفي أمريكا يتم الاعتماد على الغاز الصخري كبديل للفحم وهي الآن نتتج 21% من طاقتها الكهربائية باستخدام الغاز.

     نستغرب حقيقة أن يكون مثل هذا المصدر الملوث حقاً على مستوى العالم بأن يتم تضمينه ضمن جداول خيارات إحدى شركات إنتاج الكهرباء في السلطنة، ويمكن أن تعتبره خيارًا بديلاً لمصادر الطاقة الكهربائية، وتنشر إعلاناً لتأهيل وتطوير إنتاج الكهرباء بوقود الفحم النظيف على حد وصفهم، ولا أعلم عن وجود فحم نظيف أو يُمكن أن يوصف بهذا الوصف. ويعتبره الخبراء مجرد ضرب من الخيال ليس إلا. كما أنَّ معظم المناطق الحيوية ستكون مُهددة بالملوثات والانبعاثات التي يمكنها الانتقال إلى مسافات بعيدة عبر الرياح، والتي تسبب الكثير من المشاكل الصحية، إضافة إلى المخلفات السائلة والصلبة التي تهدد الحياة والكائنات البرية والبحرية وتهدد الثروات الطبيعية من حولها.

هل سنُجازف بالتقدم البيئي الذي حققته السلطنة خلال السنوات الماضية والتزاماتها بالاتفاقيات العالمية ونفسح المجال لمثل هذه المشاريع الكارثية فقط لأنها مصادر للطاقة أقل تكلفة؟!

ahmed.alshibli99@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك