"مشِّي حالك" و"الأمور طيبة"

 

سيف المعمري

قبل عدة سنوات وأثناء حديثي مع أحد الإخوة العرب الذين قدموا للعمل بإحدى الوظائف الفنية في السلطنة، لمست منه حالة امتعاض شديد مما وجده من عدم اكتراث المواطن العُماني لجدية العمل في المؤسسة التي يعمل بها، وكان تذمره الشديد من الكلمات التي تتردد على ألسنتهم وهي "مشِّي حالك" و "الأمور طيبة" ويستطرد قائلا: "لقد كانت تلك الكلمات تقع على مسمعي كالرصاصة، وبعد مرور 3 أشهر من العمل، وجدت أنّهم على حق، فلم أجد ما يجعلهم يكترثون لأكثر من "مشِّي حالك" و "الأمور طيبة"، فمنظومة عمل تلك المؤسسة بجميع مفاصلها لا تعترف إلا بتك القناعات، وقد آمنت لاحقا بأنّها غرست في نفوسهم من بيئة العمل، وكان عليّ التكيّف معها، حتى وإن لم أستسيغها"، وللعلم فقد ترك الأخ العربي العمل بالسلطنة في العام الماضي، وقد ألتقيت به قبيل سفره الأخير بأيام، وللأسف أنّه غادرنا وهو يحمل ذلك الانطباع غير الحميد عن بيئة العمل في مؤسساتنا.

كثيرون من أبناء هذا الوطن العزيز الغيورين يشاركون المواطن العربي حالة الامتعاض الشديد مما وصلت إليه مؤسساتنا، وربما لو كان الأمر مقتصرا على مؤسسة أو مؤسستين فقط، فقد يكون الضرر أقل، لكن أصبحت تلك الكلمات "شماعة" يعلقها المواطن على كل عمل لا يبتغي منه نتيجة موضوعية، وقد يعذر في ذلك، فكل شيء أصبح أمامه لا يهتدي إلى رؤية واقعية، وقد تسللت تلك الكلمات إلى فئات واسعة من الشباب بمختلف مستوياتهم العمرية والعلمية والمعرفية، فالكل يردد "مشِّي حالك" كناية عن تأدية الواجب فقط، و"الأمور طيبة" كناية عن العمل أديته كما أريد، أو كما يردون "هم".

اليوم أصبح أولياء الأمور خائفين على مستقبل أبنائهم في نيل حقوقهم من التعليم والصحة وكذلك سوق العمل، فقد تعاقبت عليهم رؤى وخطط رسمت لمستقبلهم، لكنها لم تكن سوى مجرد أحلام وردية، فقد تخرج أبناؤهم من مرحلة التعليم الجامعي، وقد مضت عليهم سنوات عجاف لم يحصلوا على فرص عمل، رغم أن التخصصات التي درسوها كانت كفيلة بأن يستوعبهم سوق العمل في فترة ولوجهم للدراسة الجامعية، ولكنها تبخرت بعد سنوات التخرج.

الموظف في بداية ولوجه لسوق العمل يأتي متحمسا ساعيا لإضافة لبنة إلى بيئة العمل فكرا وإنتاجا؛ لكنه يجد بونا شاسعا بين ما درسه في الجامعة وبين ما يتطلب سوق العمل الحكومي خاصة، سيجد ممن حوله رؤساء ومرؤوسين يرددون "مشِّي حالك" و "الأمور طيبة".

الموظف يأتي للمؤسسة مشمرا عن ساعد الجد والاجتهاد الذي تعلم في المدرسة أنه السبيل الوحيد لمعانقة المعالي، لكنه يجد نفسه وقد ضل الطريق، وألا مكان للجد والاجتهاد في مؤسسته، وإنّ عليه أن يكون مع ما يقربه إلى المسؤول الأعلى، حتى وإن تطلب منه تقديم خدمات خاصة للمسؤول، أو ألا يحلم بغير ما دخل به إلى المؤسسة.

المواطن أشرقت عليه شمس ذات اليوم ووجد مجتمعا يقدر شهادات بدون علم، ويؤخر علما بدون شهادات، وتيقن إنه لا سبيل للاندماج مع المجتمع سوى بالإيمان المطلق بـ "مشِّي حالك" و "الأمور طيبة".

لا شيء يخطو إلى الأمام وفق منهجية واضحة المعالم، فالموظف لا يعي كيف يبني خططه الشخصية المالية، فبند الترقيات في مؤسسته لا يضمن له الحصول عليها في موعدها، وبالتالي أصبحت الضبابية في كل شيء.

لا يعني ذلك أنني أدعو إلى الاستسلام والإحباط، ولكنّه الواقع المؤلم قد فرض نفسه، والخروج منه يتطلب حالة إنعاش للهمم، وتعديل السلوك والممارسات، والعلاج لا يتقنه إلا أصحاب القلوب النقيّة.

الخطأ لا يعالج بالخطأ، إن كان الطالب يستثقل الذهاب إلى المدرسة أو إلى الجامعة، فعلينا أن نبحث عن أساليب تجعله يقبل عليها بشغف، وليس البحث عن أساليب جافة لمعاقبته عن ذلك العزوف، وإن كان الموظف يأتي إلى بيئة العمل لتأدية الواجب فقط، ويتمتم بـ "مشِّي حالك" و"الأمور طيبة" فاعلم أن مرض الاتكالية استشري في فكره، وأنّه أصبح عالة على مؤسسته، وأنّه لا سبيل إلى ذلك إلا بإنعاشه معنويا، وإعادة بناء الثقة بينه وبين مؤسسته حتى وصوله لمرحلة الشعور بالانتماء الحقيقي للوظيفة وللمؤسسة التي ينتمي إليها، وبذلك يعم نفعه لنفسه ولمؤسسته ولمجتمعه.

لا يمكن أن يُبنى مجتمع من المجتمعات والإحباط يتسلل إلى أفكار أبنائه، فهل يرتجى إنتاجية ومهنية وبناء لوطن، وفي قاموس أبنائه العمل بمنهجية " مشِّي حالك" و"الأمور طيبة". 

 وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،،

Saif5900@gmail.com