دفاعا عن "الرؤية"!

د. يحيى أبوزكريا

درجت العادة على أن لا أرد على أحد طاولني بالنقد أو الذم أو الشتم، وحتى المدح والشكر، إيمانا مني بأن لديَّ مشروعًا فكريًّا وتنويريًّا في خط طنجة-جاكرتا أعمل عليه بكل جد واجتهاد، ويجب أن أسير فيه إلى النهاية، أداءً للواجب الشرعي والحضاري وحتى الوطني الذي اخترته لنفسي.

وقد كتب الأستاذ سليمان المعمري قبل فترة موضوعا بعنوان "انتحالات جريدة الرؤية"، وفيه يتحدث عن بعض مقالاتنا، وأشار بالقول إلى أنَّ موضوعا من موضوعاتي نُشر سابقا، وفي هذا الأمر شِقَّان: شق جريدة "الرؤية"، والشق الثاني يتعلق بيحيى أبوزكريا.

مبدئيًّا.. أشير إلى أنني تأخرت في الرد؛ لأنني كُنت في جولة في خط طنجة-جاكرتا باحثا عن عوامل لقوة العرب والمسلمين، وردِّي هذا لا يهدف للدفاع عن شخصي؛ فالأفكار أفكاري، والمقالات مقالاتي ومن بنات أفكاري، وتنتمي إلى بنك إنتاجي المعرفي؛ سواء نشرتها هنا أو هناك.

هدفي من هذا المقال هو الدفاع عن جريدة "الرؤية" هذه الجريدة المهنية الحرفية الرائدة التي تعتبر صرحا إعلاميا وطنيا عمانيا وعربيا وإسلاميا، يقف وراءها المكرم حاتم الطائي، الذي لطالما سعى ويسعى بكل صدق وإخلاص لخدمة وطنه وخدمة الثقافة الحضارية، وهو لا يحتاج إلى شهادة يحيى أبوزكريا؛ فالرجل كرَّمه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وهو أهل لهذا التكريم. وجريدة "الرؤية" لم تنتحل ولم تُصادر قرارا ولا مقالا، وحتى لو فرضنا أن هناك مقالا مثيرا في تأسيسه وكتابته، فالجريدة لا تتحمل وزر شيء، هذا في قوانين الإعلام العالمي والعربي، فإيراد اسم جريدة "الرؤية" فيما طرحه كاتب السطور عن انتحالات "الرؤية"، غير علمي وغير موضوعي وغير مهني، الأمر الذي يضلل من يعتقدون بصحة كلامه.

وسوف تظل "الرؤية" جريدة وطنية رائدة في كل أبعادها ومنجزاتها ومبادراتها الرائدة، التي لم أجد من خلال معرفتي، أي مؤسسة صحفية عمانية تقوم بمثل ما تقوم به الرؤية.

أما الشق الثاني المتعلق بالكاتب يحيى أبوزكريا؛ فلديَّ مائة مؤلف، ولله الفضل غزارة في الإنتاج الفكري، وما أنتجه من أفكار يحمل بصمتي، وضمن خيمة ملكيتي الفكرية. وأود أن أشير إلى أنني أنتمي إلى اتحاد الكتاب السويديين، وهذا الاتحاد يمنحنا الحق في نشر مقالاتنا وأفكارنا ذاتها في كل المؤسسات الإعلامية المرئية والسمعية والمكتوبة. وعربيًّا بإمكان الكاتب أن ينشر ما كتبه سابقا ولاحقا في أي وسيلة إعلامية يريدها، كما له الحق في الإضافة أوالإنقاص من أي أي مقالة أو كتاب، وهذا ديدن العقاد والرافعي وطه حسين وكاتب ياسين ومالك بن نبي، خصوصا المواضيع الفكرية والنقدية والحضارية، وحتى الروايات يجوز لكاتبها أن يُضيف إليها فصولا، أو يقتطع منها فصولا، وهذا ما يحدث عندما تتحول الروايات إلى سيناريو لأفلام.

أما في التفاصيل، فقد أشار الكاتب إلى مقالي الذي يحمل عنوان "أوروبا والإسلام"، وأشير إلى أنه لديَّ عشر كتب عن الإسلام في أوروبا والإسلام والغرب، وقد تخصصت في هذا المجال بحكم إقامتي الطويلة في الغرب ودراستي للاستشراق.

وأشير أيضًا إلى أن مئات المواقع الإلكترونية تنشر مقالات ودراسات يحيى أبوزكريا دون إذنه بتاتا، وكثير من المواقع الإلكترونية تقتطع من كُتبي وتنشر في المشرق العربي والمغرب العربي، وفي القارات الخمس؛ حيث للحرف العربي مواقع إلكترونية، بل هناك عشرات المواقع باسم (د. يحيى أبوزكريا) على الفيسبوك لا أعرف أصحابها مطلقا، وهذا إشكال آخر. ومن الناحية العلمية، لا ضير علميا وقانونيا أن يعيد الكاتب إنتاج ما كتبه سابقا، ويضيف إليه أو ينقص منه، وما شابه.

ثمَّ إنَّ الكاتب استخدم كلمة "انتحل"، وانتحل الشيء تعني: ادَّعاه لنفسه وهو لغيره، وهذا لفظ في غير محله، والكاتب لم يُحسن استخدامه.

كما في المقالات، هناك المؤلفات؛ فالمؤلف يطبع كتابه طبعة أولى وثانية وثالثة...وهكذا دواليك.

ومن إشكالات الكاتب موضوع التضمين، وهو جائز قانونيا وإعلاميا وأكاديميا، أنني أضمِّن كتبي ومقالاتي عبارات من أفكار لي سابقة، أو وردت في مقالات أخرى، ولعَمري هذا ما تقوم عليه الثقافة العربية والعالمية. فالكاتب هو كيان فكري ومعرفي ومنتج للمعرفة، ولديه معادلات خاصة أو جُمل خاصة يدور في فلكها، إنما العيب المعرفي والأكاديمي أن يسرق الإنسان أفكاره أو جمله من غيره.

وللإشارة، فإن الله منَّ عليَّ بكثرة الإنتاج الفكري، وسخرت حياتي للعلم والمعرفة، وهنا أقرُّ بأن الإنسان قد يقع في السهو، وأنا المضغوط في وقتي؛ حيث أمارس التدريس وتكوين الأجيال وتدريب الكفاءات، وأمارس الكتابة، وأسجل برامج إذاعية وتليفزيونية، وأشارك في مؤتمرات حول العالم، يحدث أن أبعث مقالا لأي جريدة أخالني لم أُرسله بداعي الحرص على نشر المعرفة، وهذا ليس انتحالا قط؛ إذ إنني أدور في فلك أفكاري ومطبخي المعرفي الذي هو ملك يحيى أبوزكريا.

يبقى القول بكل أمانة.. إن جريدة "الرؤية"، جريدة مهنية وحرفية ومتوازنة وراقية استطاعت أن تشق طريقها بقوة رغم كل التحديات، وفي زمن قصير نسبيا حتى أصبحت مؤسسة إعلامية تنويرية رائدة في الفكر الذي تطرحه، فكانت بحق شعلة علمية وقادة ومنارة معرفية سامقة، وعلى العُمانيين والعرب والمسلمين أن يفتخروا بها، لما تقدمه للقارئ العماني والعربي على السواء، من إسهامات فكرية وقيمة خبرية ومعرفية وإعلامية متميزة.