"الذباب الإلكتروني".. واختراقه للمواقع العمانية!

د. عبدالله باحجاج

هل يُمكن أن ينجح الذباب الإلكتروني في تضليل الرأي العام العماني؟.. تساؤل نطرحه في ضوء ما كشف عنه الأخ سيف المعولي عبر موقع "أثير" الإلكتروني، يوم الجمعة الماضي، حول حسابات وهمية، وتسللها خِلسة لتنشر سمومها بأسماء عمانية وبصور عاهل البلاد -حفظه الله- فهل فعلا نجحت أو ستنجح في إثارة أو تضليل الرأي العام العماني؟ وإلى أي مدى قد أصبحنا نملك الوعي الكافي بها؟ وهل نحن محصنون من هذا النوع من الاختراقات؟

تلكُم التساؤلات تعتصرُ قضية اختراق الحسابات الوهمية في مواقع تواصلنا الاجتماعي، وقلقنا المشروع من تداعياتها، وبالتالي علينا التوقع والحذر في الوقت نفسه، من تدخل هذه الحسابات في قضايانا المحلية والوطنية، سواء كان طرفَها فردٌ أو جماعة أو سلطة.. فهى -أي الحسابات الوهمية- أصبحت لديها القدرة وكل الإمكانيات المتاحة لها لنجاح اختراقاتها التي تتلون بلون الناصح والداعم مع طرف أو أطراف القضية، لكنها في الواقع تهدف من ذلك للإثارة وتأجيج الخلافات والتوترات، وتظهر بأسماء عمانية وبألوان ورموز وطنية، وتخفي في باطنها ما لا يظهره ظاهرها، وقد أصبحت هذه القضية شغلنا الشاغل لمعلوماتنا بأن استهدافاتها المبرمجة لم تبدأ، وما نشهده حتى الآن ليس سوى مناوشات لشغل داخلنا بين كل فينة وأخرى. ومن هنا، ينبغي أن نرفع مستوى الوعي الاجتماعي في ضوء ما كشفه مؤخرا خبراء فرنسيون في الأمن التقني ونظم المعلومات من معلومات خطيرة جدا، ومثيرة جدا، جديرة بأن ترفع وعينا بالحسابات الوهمية، وأساليبها الذكية، وحجم الأموال التي تصرف عليها من أجل تمزيق الجسد الواحد، وتفتيت وحدته.

إذ يرى هؤلاء الخبراء أن هناك جيوشا إلكترونية تم إنشاؤها عام 2015، وتزايدت في العام 2017، وتصرف عليها أنظمة إقليمية الملايين، ويرون فيها أشد خطرا من التنظيمات الإرهابية، تأملوا معنا في هذا التوصيف، أشد خطرا من التنظيمات الإرهابية، وهذا هو الإرهاب الجديد الذي يُراد له أن يكون بديلا لإرهاب الجماعات، مثل القاعدة وداعش، أي أن منطقتنا الإقليمية قد دخلت في حرب إلكترونية هدفها إشعال الحروب وخلق المنازعات والصراعات بين الشعوب. وللأسف الشعوب الخليجية هي المستهدفة من هذه الجيوش التي من كثرة أعدادها سميت بالذباب، ولنا تصور المصطلح من حيث دلالته وتطبيقاته في عالم الذباب وإسقاطاته على عالمنا البشري؟

هذا الواقع المخيف ينطوي على الكثير، ويتعاملون مع ما تبثه الحسابات الوهمية من شائعات على أنها حقائق، ويشعرون بالاستقواء بمواقفها معهم، وهى في الواقع ليس إلا من أجل الوقوف مع أحد الأطراف، لتعميق الخلاف، ونقله لطور التوترات ومن ثم الصراعات؛ وبالتالي، فما هي إلا شائعات أو استمالات اجتماعية مُبطنة بسموم خبيثة، لا تُكتشف بالسهولة الممكنة، للاحترافية المهنية؛ لذلك لا ينبغي أن نصدق كل ما يقال من قبل الحسابات الوهمية، وينبغي أن تكون هذه قاعدة عامة، إذا ما أردنا أن نحافظ على استقرار وأمن بلادنا، وسلمنا المجتمعي، في محيط يعج بالتوترات والصراعات، فلنرفع هذا الشعار، ويكون تطبيقاته الالتزام بعد الإنصات إلى الحسابات الوهمية، والإلزام الطوعي بعدم إعادة نشر تغريداته أو هاشتاجاته، وإلا، فإن القضية أكبر مما نتوقع، وأضخم مما نتصور.

الخبراء الفرنسيون يرون أن لجنة إلكترونية واحدة فقط قادرة على تدمير وعي ملايين البشر، وقد استشهد الخبراء باستهداف دولة واحدة -محددة الاسم- وقالوا عنها إن هناك 1.5 مليون حساب وهمي في "تويتر" تكرس الهجوم عليها، وبالعديد من اللغات العالمية، إنه رقم مزلزل للوعي، ويجعلنا في المقابل نشعر بالقلق من الاستهداف المبرمج والممنهج، وعندنا فعلا شيء نقلق عليه، وهو أمننا واستقرارنا، وسلمنا الاجتماعي، واحتمالية استهداف بنياته وأركانه، لابد نتوقعه، هذا إذا لم يكن قد حدث فعلا، وإذا حدث فعلا، فإنه من المؤكد لم يبلغ مستوى الحرب الإلكترونية، وإن بدت لنا بوادرها بين كل فينة وأخرى، قياسا على ما يجرى بين دول في المنطقة، التي لجأت بعد أن تعذر عليها شن الحرب التقليدية إلى الحرب الإلكترونية التي تقف وراءها عقول بشرية على درجة عالية من المهنية والكفاءة التي يمكنها استغلال التناقضات والإشكاليات داخل الدول ومجتمعاتها، جيوش تعمل بالليل والنهار، وتغدق عليها الأموال، تعمل على تمزيق اللحمة الوطنية للدول، وتأليب المجتمعات على أنظمتها، والمجتمعات فيما بينها.

وقد تجرَّد أصحاب الحسابات الوهمية ومن يدفع بهم إلى ذلك، من كل ضمير إنساني، وأصبحوا أدوات تدمير شعوب آمنة ومطمئنة، ودول مستقرة، نفذوا إليها من خلال مجموعة أبعاد في باطنها خلافات لم تردمها الدولة الوطنية، مثل المذهبية والمناطقية وإزكاء روح المظلومية، وحقوق الجماعات الكبيرة...إلخ، وقد لاقت صدى في النفسيات المحتقنة، ووجدت النخب الطامعة للمال والنفوذ والجاه فرصتها في تجديد مشروعيتها السياسية. وللأسف؛ فلا هي ستتمكن من استحقاق ذلك، ولا حافظت على مصالحها القائمة، وإنما الكل داخل هذه الدول قد أصبحوا خاسرين، فانفلات الأمن قد وقع فوق رؤوس الكل، وحالة انهيار السلم المجتمعي لم تستثنِ الجماعة الصغيرة ولا الكبيرة، وإنما شملت كل الجماعات، وبذلك لم تستفرد ولن تستأثر أية جماعة محلية بالمشهد، ولن تكون في منأي عن التداعيات الكبرى، إذا ما فقد الأمن والاستقرار وانهار السلم المجتمعي؛ لأن الكل في السفينة، فمن يبادر للعبث فيما يرى أنه حق له سيغرق، ويغرق معه كل مَنْ في السفينة.

وللمسؤولية الدينية والتاريخية، نفتح هذا الملف للتأمل فيه من منظور أن كل فرد أو جماعة أو مسؤول، سيكون محاسبا أمام الله -عز وجل- عن كل تصرفاته، إذا ما أسهم -بوعي أو اللاوعي- بالمساس بحالة السلم الاجتماعي، أو العيش المشترك لمجتمعنا العماني؛ استغلالا لخصوصية مذهب أو جماعة أو منطقة؛ فكيف سنقابل ربنا عندما نخضع لمساءلة تصرف أو فعل أقدمنا عليه في حياتنا الدنيا، وكان من نتائجه صنع العداوة بين الأخوة في الوطن والدين أو هما معا؟ فهل نفكر في أفعالنا وتصرفاتنا من هذا المنظور؟ ينبغي أن لا نقلل من أهمية ما نطرحه في مقال اليوم، فقد أصبح هناك تعاون إقليمي وثيق بين الذباب الإلكتروني، فمن خلاله -أي هذا التعاون- فتحوا جبهات حروب في اليمن والعراق وسوريا ولينان، ولن يقفوا عند هذه الدول، وسيعكفون على دول أخرى تختلف مع الأنظمة التي تقف وراءهم، أو تلك الدول لا تسير في فلكهم. من هُنا، يتوجَّب رفع الوعي العام بهذه القضية، ويتوجب التنبيه منها؛ ففعلا نملك سلما اجتماعيا نخشى عليه، وأمنًا واستقرارًا عاما، يجب أن نعض عليه بالنواجذ، فهل وصلت رسالتنا؟...... للموضوع بقية.