لماذا نكتب، ولماذا الكتابة ?!


عدنان العمري – المملكة الأردنية الهاشمية

 

قبل أن ندخل في الغاية والهدف سنطلع على مكانة الكتابة وتاريخها بشكل موجز.. الكتابة فعل سماوي بالبدء، وفعل له قدسيته ومكانته ونرى ذلك جليًا بقول الله - عزَّ وجلَّ - (ن والقلم وما يسطرون)... بهذا القسم بدأ الله سورة القلم. اختلفت التفاسير من حيث ماهية النون.. وأنا أذهب مع القول الذي يفسر النون  بأنها الدواة وما فيها وذلك لـ شكل القسم (وما يسطرون) . والله أعلم ... من هنا ندرك أن الكتابة لها قدسية ومن أول الأفعال التي أمر بها الله تعالى..
نشأت الكتابة قديمًا وتتجاوز الآن ألفها الرابع فمنذ اكتشاف الكتابة وتطور مراحلها حتى وصلت إلى شكلها الحالي وهي ما تزال محافظة على مكانتها كالقليل من الاكتشافات التي حافظت على هذه المكانة كـ اكتشاف النار والزراعة وغيرها...
وحسب ما  ورد في مجمل البحوث والمصادر أن الكتابة على الأرض في البدء كانت قد تنزلت مع النبي آدم عليه السلام. لكن العصر الحديث لم  يتجاوز بلاد الرافدين والكتابة المسمارية... كانت أيدي السومريين أول من اكتشفت الكتابة أو عبَّرت بها... ثم جاءت الهيروغليفية من مصر القديمة بعد المسمارية، وكانت نتيجة اختلاط واحتكاك الحضارتين... ولم يرد أن الكتابة قد كان لها تاريخٌ قبل ذلك أو لم يصل لنا ما يدل على وجودها.
ولكن ما هي الدوافع التي أخذتها حضارة  السومريين أو مصر القديمة  من أجل ابتداع الكتابة؟ ربما كانت المواثيق أو المعهدات أو التأريخ وربما كانت للتعبير عن الحاجات الأساسية والتعريف بالأماكن والشخوص ونقل الحضارة من جيل لأخر.
شكل الكتابة بدأ بالصور المألوف بعضها، ثم تحولت لشكل الرموز والدلالات المتعارف عليها في وقتها.
ثم ظهرت الكتابة بالحروف والكلمات القديمة عن طريق حضارة الفينيقيين في بلاد الشام وعبرت الزمن وطرأ عليها ما طرأ من تعديل وتحديث لمواكبة كل عصر  حتى وصلت لنا بهذا الشكل وهذه اللغات والمفردات.
واللغة العربية هي اللغة الساميَّة، ومردها لشبه الجزيرة العربية، وطرأ عليها كذلك الكثير من الإصلاحات والتعديلات منذ نشأتها فأول من قام بذلك كان أبو الأسود الذؤلي وبعده جاء يحيى بن يعمر و نصر بن عاصم، وأخيرًا الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي وضع الحركات بشكلها الحالي
وأما بما يخص الجدوى والغاية من الكتابة سنخلص إلى أنها أداة توثيق بشكل عام  ومن بعض النقاط الأساسية التي وجدت الكتابة لأجلها:
أولًا: التأريخ وهو كتابة تاريخ أمة ما أو حدث ما أو عهد ما. وثانيًا الإخبار أو الإبلاغ عن أمر ما وهو ما يعرف بالخطابات والرسائل وغيرها، وثالثًا الشرح وهو ما يتناول شرح الأمور العالقة أو الأمور التي تحتاج للتفسير. وورابعًا الوصف وهو وصف حالة ما أو شيء ما أو جغرافيا لأرض ومكان وغيره. وخامسًا الكتابة التعليمية التي من هدفها التعليم والاستزادة من المعرفة. وسادسًا الكتابة الإبداعية أو الفنية وهذا ما يهمنا الآن في هذا الطرح.
الكتابة الإبداعية تتلخص بأمرين الأول المحاكاة بمعنى أن الكاتب ينتهج أسلوب الكتابة ليحاكي موقف أو حالة أو شعور،  والثاني هو طرح الفكرة ومعالجتها ضمن إطار الكتابة هو تقديم عمل كتابي يخدم  فكرة يتبناها الكاتب؛ فالكتابة تكون من جملة الوعي لدي الكاتب إلى جملة الوعي للمتلقي.
وتنقسم الكتابة الإبداعية إلى ميادين كثيرة من بينها الرواية والقصة والخواطر والشعر والفلسفة والسيناريوهات المسرحية والتلفزيونية وغيرها. وما يفرغه الكاتب هو حصيلة فكرة أو حدث هو بمثابة ترجمة للذات وللتصور والقناعة ...
سنأخذ الآن رؤية بعض المشاهير في الكتابة.
يقول بورخيس:"الكتابة حلم موجه" أي أننا بالكتابة نقود الخيال أو الحلم إلى حيث نريده أن يكون ... فالكتابة بمثابة الوطن. والكاتب خارج إطار الكتابة يفقد هويته، وهذا يشبه ما قاله الماغوط : "عالمي هو الكتابة وخارجه أضيع".
ويقول فرانسيس بيكون: "الكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا". أما "آن مانهيمر" تلخص الكتابة الإبداعية بأنها موهبة ولو صغيرة يرافقها الكثير من الصبر والتروي.
ويقول ابن الجوزي: "لا تكون كاتبًا جيدًا إلا وأنت قارئ  مُكثر". فالكتابة الإبداعية ترفدها المعرفة والمقدرة على الصياغة والتي ترفدها القراءة .
الكتابة بمثابة خلق جديد سواء كان على سبيل التجربة أو على سبيل تكرار ما مر به الكاتب؛ خلق جديد تراعيه و تعتني به وتراه يكبر أمامك فتطيب به نفسك فترضى تنتظر ثماره أن يكون قد وجد ضالتك و وجد طريقه للمتلقي.
الكتابة تمامًا كالفروسية تحتاج شجاعة لممارستها فالكاتب الجبان بالكتابة لن يستطيع طرح نفسه وأفكاره. والجبن هنا يشمل الخوف من النقد أو من النتائج وردات فعل المتلقي والجبن كذلك بالبحث عن غاية لما يقدمه للأدب. الجبن أن يظل حبيس ذاته هو وأفكاره.
وأخيرًا سنعرف أن الكاتب ماء و الورق إناء واللغة غيمة لا تجف والخيال أرضٌ خصبة...

 

تعليق عبر الفيس بوك