الرقابة وحدها لا تكفي ..!

 

سيف بن سالم المعمري

يشغل اهتمامي واهتمام الكثير من المواطنين أداء مؤسسات الجهاز الإداري للدولة، وأرى أنه من البديهي أن يستشعر المواطن أن تلك المؤسسات تبذل أقصى درجات المهنية لتقديم خدمة سهلة وبجودة عالية، وهي حصيلة مباشرة للدعم التي تقدمه الحكومة ماديا وبشريا وتقنيا لتلك المؤسسات، وإن لم يجد المواطن غير ذلك فإن ذلك مؤشر على وجود خلل ما، ومن حق المواطن أن يتساءل عن دور جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في تصحيح مسار الاعوجاج الذي انزلقت إليه تلك المؤسسات وتكثيف الرقابة والمساءلة القانونية، ومن ثم إيقاع العقوبة -بعد اكتمال درجات التقاضي- لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الدولة وإمكانياتها المادية والبشرية، امتثالا للنهج السامي لجلالته، والذي أكد عليه في خطابه أمام مجلس عُمان عام 2008م ".. ثم فإننا نؤكد على أن تطبيق العدالة أمر لا مناص منه ولا محيد عنه وأن أجهزتنا الرقابية ساهرة على أداء مهامها والقيام بمسؤولياتها بما يحفظ مقدرات الوطن ويصون منجزاته"  

ولاشك أن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يبذل جهودا كبيرة في سبيل رفع مستوى وعي المجتمع بأهمية الحفاظ على المال العام، وأداء العمل بكل أمانة وإخلاص، وبعد عام 2011 تضاعف حجم المسؤوليات على الجهاز، في الرقابة على الممارسات الإدارية والمالية معًا، وساهم التوسع الجغرافي لدوائر الجهاز في المحافظات في إيصال رسائل الجهاز التوعوية، وتقريب الصورة بشكل أكبر عن طبيعة الدور الذي يقوم به خدمة للمواطن ولمؤسسات الدولة.

كما إن الدور الإعلامي البارز للجهاز في مختلف وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي، والبرامج النوعية كبرنامج "نزاهة" الذي ستبث النسخة الثانية منه في شهر رمضان المبارك المقبل، والمحاضرات والندوات التوعوية في مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والأكاديمية والتربوية، ساهمت في رفع مستوى وعي المجتمع بدور الجهاز وأهدافه واختصاصاته إلا أن ذلك -ورغم أهميته- غير كاف لتصيح مسار الكثير من أداء مؤسسات الجهاز الإداري، ويبرهن على ذلك حالة التذمر المستمرة من قبل المواطنين تجاه تلك المؤسسات وأدائها، والذي يتطلب من الجهاز أن يكون مستمعًا جيدًا لكل الأصوات التي تئن من تلك المؤسسات، وإن حاول بعض المسؤولين في تلك المؤسسات إيهام أعضاء الجهاز بأن تذمر المواطنين حالة روتينية تتلاشى بعد حين، فهي نظرية خاطئة جداً، فالأصل أن تسعى كل مؤسسة وكل مسؤول إلى تحقيق أعلى درجات الرضا والكمال حتى وإن لم تصل إليه.

ولا يزال المواطن يتطلع بدور أكبر من قبل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وألا يستمر طويلا في مرحلة الرقابة فهي وحدها لا تكفي، وأن يضاعف جهده في المساءلة القانونية وردع المخالفين، فالمواطن لا يزال لم ير من الجهاز ما يتوقعه منه، فالكثير من الممارسات الإدارية والمالية الخاطئة و"المقصودة" من قبل العديد من مسؤولي وموظفي مؤسسات الجهاز الإداري يلمسها المواطن صباح مساء، وفي المقابل لم يلمس المواطن من الجهاز جهدا ملموسا؛ لردع تلك الممارسات "المقصودة"، فكيف يطمئن المواطن على أمنه الاجتماعي والوظيفي في ظل غياب دور الأجهزة الرقابية والقضائية عن محاسبة المسؤولين عن تلك الأخطاء الجسيمة.

لايتسع المجال كثيرًا لذكر الممارسات الخاطئة "المقصودة" ولكن ساستعرض بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، حيث طرحها الحضور في الندوة التوعوية "حماية المال العام، والحفاظ على مكتسبات الوطن ومقدراته" التي نفذتها دائرة الرقابة المالية والإدارية بولاية البريمي في إحدى مؤسسات الجهاز الإداري بالولاية، وما تم طرحه كفيل بتحرك الجهاز وباتخاذ إجراءاته المباشرة للتحقيق ومحاسبة المتسببين في تلك الممارسات، فالمثال الأول: تعمد مؤسسة معينة تشكيل لجنة لاختيار الوظائف الإشرافية (رئيس قسم، مدير دائرة، مساعد مدير دائرة، وهكذا) ، لاختيار الموظفين الأقل كفاءة، والتي رفعت ضد قرارات تعيينهم قضايا في محكمة القضاء الإداري من عدة محافظات، وخسرت تلك المؤسسة العديد من تلك القضايا وفي سنوات متتالية، وكبدت خزينة الدولة تعويضات مالية باهظة لأتعاب المحاماة والتعويض المعنوي والمادي للموظفين الذين وقع عليهم الضرر، ألا يكفي ذلك لأن يباشر الجهاز دوره في مساءلة رئيس وأعضاء تلك اللجنة ومن عاونهم! وهل سيستمرون في ممارساتهم الخاطئة المقصودة في التعيينات القادمة لو تم توجيه اللوم لهم وتحميلهم مبالغ التعويضات للموظفين بدل أن تصرف من خزينة الدولة! أين حرمة المال العام التي حث النظام الأساسي على المحافظة عليها، وعدم جواز التصرف فيها إلا وفقاً لأحكام القانون؟

وهل تقل جريمة الإضرار بالمال العام خطراً عن جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية على سبيل المثال لا للحصر، وهل تشفع خدمة مسؤول في مؤسسته لعدة سنوات حتى يتم التغاضي عن ممارساته الخاطئة، وإيقاع العقوبة به نظير ممارساته الخاطئة "المقصودة" و"المتكررة".

والمثال الثاني: قامت مؤسسة معينة بإصدار قرارات تعينات في وظائف إشرافية يتطلب إجرائياً أن يتم طرح إعلان للتنافس عليها، وقد سبق لذات المؤسسة أن خسرت قضايا مماثلة لذات التعيينات في محافظة أخرى، أليس من المناسب أن يكون لجهاز الرقابة وقفة حازمة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الممارسات.

تلك نماذج قليلة جداً للممارسات الخاطئة، وما خفي أعظم، والمواطن ينشد دورا أكبر للأجهزة الرقابية والقضائية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالضرب بأيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمكتسبات الوطن ومقدراته، فالمحاسبة الفورية، وتوبيخ المتسببين فيها، سيسهم في الشعور بالمسؤولية الجماعية والأمانة الملقاة على عاتق كل مواطن مسؤول، وسيشعر الجميع بالأمن الاجتماعي والوظيفي.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...

Saif5900@gmail.com