عن يحيى الطاهر عبد الله (أبي بالتبني)


خديوي الطاهر عبد الله – مصر


ما خلفه يحيى الطاهر عبد الله من أعمال تكشف عن مشروع أدبي متكامل ينضوي على طموح أدبي معجز، بحيث أعتبره المعلم الحقيقي الذي دلّني على جماليات الحكي وأهميته باعتباره العنصر الأهم في النص السردي، فهو الحكواتي الأهم بالنسبة إليّ، سواء في جيله أو في من سبقوه أو من جاءوا بعده
وربما مررت بكتّاب عظام قبل يحيى الطاهر، لكن الصدمة الجمالية التي أحدثتها نصوصه في وجداني كانت كفيلة بتنبيهي إلى ما غفلت عن إدراكه قبل ذلك في مجمل حياتي بأكملها..
هو يحيى الطاهر محمد عبد الله الابن البار لقرية الكرنك بالأقصر أقصى جنوب صعيد مصر فيها ولد في الثلاثين من إبريل عام 1938م،  وعنها نسج الحكايات وفيها دُفن (9 إبريل عام 1981 م) .. ولعل الكتابات والتحليلات النقدية التي تتناول قصص يحيى الطاهر عبد الله كثيرة ومتاحة بالشكل الكافي  بحيث لا نود تكرار ما كُتب سابقا طامحا بإضافة جديد عن يحيى الطاهر عبد الله وأوراقه وحواديته التي قلما يتاح لمثلي (وهو رزق ونعمة أحمد الله عليها) ؛ الصبر الطويل والتنقيب في الجذور هنا وهناك حتى تحصل عليها.. تحل اليوم ذكرى رحيل الطاهر عبد الله الذي أتبناه كـ أب (إن جاز لي التعبير)، والذي أصقلني بوعٍي كاف لإدراك مبهمات ومتناقضات مجتمعي الجنوبي، بل وليس مجتمعي فقط، بل وحتى العلاقات المتشابكة والمعقدة داخل أسرتي وقريتي وبيئتي الصعيدية حيث نشأت.
ولأنني من هواة البحث (والتدوير والتفتيش) عن كل ما هو مبهم من الأسماء والأشياء (عَلِّي أداوي جهالتي) بدأت بحثي عن يحيى الطاهر وعالمه المفقود حين كنت قرأتُ قصيدة رثاء كتبها عبدالرحمن الأبنودي بعنوان (عدودة تحت نعش الطاهر عبد الله) وجدتها منشورة بمؤلف تراثي قديم عن فن العديد في صعيد مصر، وسرعان ما انتهيت من قراءة سيرته الذاتية وبدأت رحلة بحث طويلة عن أعماله الكامله التي كانت بالنسبة لي أمنية في هذه الدنيا جمعاء وقتها.. لم أجدها حيث شحّ المكتبات بالمحافظات في الصعيد، ولا بمعرض القاهرة للكتاب (بعد أن تكلفت أجرة السفر والإقامة من تحويشة أربعة أشهر قبلها)ن ولم أحصل عليها إلا عند مقابلتي للدكتورة اسماء ابنته التي وعدتني بنسخة منها حين مجيئي للعاصمة القاهرة..
انتهيت من قراءتها خلال أسبوع تقريبا حيث لم تفارق يدي حتى أثناء المحاضرات الجامعية وفي القطار وعلى المقهى وأثناء العمل والتنقل.. كنت أنام وهي بيدي وأصحو لأكمل من حيث توقفت مصعوقاً ومندهشاً بالأسلوب والسرد والشخوص والمفردات..
لا أعرف على وجه التحديد وصفا دقيقا لكتابات الطاهر عبد الله حتى اللحظة, ربما يعود الأمر كوني (مُريداً صوفياً) في عالمه، ولا شيء سوى التيه الذيذ والتشابك اليومي من خلال تعاليمه
مع أناسٍ - أكاد أجزم الآن - أنه مضى عليهم الآن أكثر من نصف قرن لم يمسسهم شيء من العدل إلا قليلا .. فتغيرت نظرتي (القاصرة المراهقة) تجاههم من خلال ما كتب وأبدع يحيى الطاهر..  لربما تترك التجارب الشخصيه أثرا في نفوس معانيها لكن الأمر لا يتعدى كونه تجارب .. فإنني مع الطاهر عبد الله لم تنشأ بيننا مجرد علاقه قاريء بكاتب.. حين قرأت "جبل الشاي الأخضر"، و"الطوق والأسورة" أحسست وكأنني قد مررت بهذا من قبل ولم يكُ شيئا منسيا بداية من تجريم العلاقات العاطفية وانتهاءا بتجريم ترك بيت العائلة، والذهاب (لبحري) حيث القاهرة وفرص العمل والأحلام الوردية.
يحيى الطاهر الذي صاغ وصنع مني كهلا صغير السن تصيبني كتاباته بالارتداد الطفولي من آن لآخر لمجتمع (أراه برؤيته نفسها له) مغلوبًا على أمره ولا يزال كذلك, متهمًا بالقسوة والرجعية ليل نهار، وهو في حقيقته غير ذلك تماما.
ما زالت شخوص حواديت الطاهر باقية حية حتى هذه اللحظة بكل ما تحمله من أصالة وعراقة وبساطة، ومازلتُ أرى (الجد حسن) جالسا على (المصطبة) كل عصرية، والخالات والعمات اللاتي لا يتعدى وعيهن أماكن جلوسهن، وجل ما قد يعانينه في يومهن أن (البقرة لم تدر حليبا هذا الصباح)، رأيت من خلال كتاباته مجتمعي بتشكيلاته الاقتصاديه التي تتعقد معها وبسببها العلاقات ويحرم هذا ويحلل ذاك، رأيت من خلاله تبدّل منظومة قيم صمدت لقرون من الزمن
تهوي في لحظات وتنهض وتشد العزم لحظات أخرى، قزَّم الطاهر عبد الله بداخلي الإحساس بالفردانية والذاتية التي تجعلك ترى الناس أمامك ليسوا أكثر من محطات تعبر عليهم للوصول لمبتغاك
من خلال مسار حياته الشخصية تعلمت كثيرا فلم يكن يعتد بالأمور التقليدية كالمال بل وحتى الاحتياجات الإنسانيه كالمأكل والمشرب؛ فالمهم بالنسبة له هو مجرد (شوية الشاي والدخان).. تمرده وثائرته التي لا تهدأ ولا تعرف المهادنة والاستكانة.. جعلت مني إنساناَ باراً محباً لأهله ولمجتمعه (الجنوبي)، وفي مفارقته لهم ولو مضطرا ولو لأيام (بالقاهرة أو غيرها)
 (موته) وهو الذي كان بالأمس القريب حالما بالمغادرة نهائيا وبلا رجعة.. فسلاما له وتعظيمًا وإجلالا وتقديرًا في ذكرى رحيله (وإن كنت ممن يعتقدون باستحالة رحيل أناس مثله) لصنيعه بي وببقية زملائي ممن تأثروا به وبكتاباته وأضحوا (رومانسيين) مبالغين متعصبين بولعهم وبعشقهم لجنوبهم الأسمر وسمائه الملبدة بالغيوم الممطرة عما قريب بكل ما تسر له الأعين والأنفس.. سلام عليك يحيى يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا..
(اقتباسات من كتابات يحيى الطاهر عبدالله) :
-    أحب الموت وكلما أجدني على حافته أحب الحياة.
-    أحب الحياه وكلما أجدني فيها أعرف أنها الموت.
-    الحمد لله الذي لم يسلبني كل نعمة فمنحني نعمة الخيال.
-    عقدي مفصل بين كل لؤلؤتين خرزة.
-    لا تمض أبدا أيها الصديق من هذه الجهة (للمدن)
-    للشجر المورق العالي وللريح المغنية وللإنسان على الأرض ذات الخير في قوته وفي ضعفه
يحيى الطاهر عبدالله – الطوق والأسوره


** احتفظ بصورتك في كل مكان في البيت وبين الكتب وفي حافظة نقودي التي قررت الاستغناء عنها مثل ما فعلت أنت تماما (لأنها جائعة دوما وبالتالي ماتلزمنيش)..
** لا يكفيني إهداء كتاباتك لمن كانوا مثلي يوم قد كنت لا أعرفك ولذلك أطمح وأرجو أن تغفر لي مخالفتي لوعود كثيرة كنا قد اتفقنا عليها فيما بيننا قبل سنوات عدة..
** بحثت كثيرا عن (محب طالب السيدة) ولم أجده فهل ساعدتني للعثور عليه والوصول إليه ولكل من عرفك من خارج دائرة أصدقائك ؟؟!
** أقاربك كثر وخلال السنتين الماضيتين تعرفت إلى اغلبهم, يحبك الجميع ويفخرون بك وأخص بالذكر (أماني وعبير) وابنتك هالة..
** أعتقد أن حفيدتك (دليلة) قد استحوذت على أغلب ملامحك فهل تتفق معي أم إني أبالغ في محبتك وأبحث عن ملامحك في وجوه أقاربك ؟؟!
** الأقصر والكرنك كل يوم في غروب ولسه زي ما وصفتهم..
** نحبك .. أحبك أكثر على وجه الخصوص (متفرداً ومحاولا أن أكون مخلصا رؤيتك نفسها) ..
** كن بخير.. ولا تقلق لما أظن أنك قد رأيته مؤخرا ولم ترض عنه..
** لم أتلق مقابلا لأكتب إليك كل ما سبق..

 

 

تعليق عبر الفيس بوك