إلى زاهر المحروقي .. إذا لم تخش عاقبة الليالي!!

 

د. سعود بن عبد الله العماري

محامي سعودي

في عددها الصادر يوم السبت؛ الموافق 31 مارس 2018م، نشرت صحيفة الرؤية، التي تصدر في سلطنة عُمان، مقالةً لزاهر بن حارث المحروقي كان عنوانها "التبرؤ من الوهابية"، ولأنَّ ما ورد في المقالة قد ساءني كثيراً، وأحسب أنه قد ساء كل سعودي غيورٍ، بل كل عاقلٍ له أبسط إلمام بتاريخ المملكة وفكرها ومواقفها وتوجهاتها، ولأنني رجل قانونٍ أعرف الحدود التي يجب على الكاتب عدم تجاوزها، فقد رأيت أنَّ من حقي، بل من واجبي، أن أُعلّق على هذه المقالة لأوضح بعض ما اعتراها من خلل وثغراتٍ وأخطاء كثيرة، توحي بأنّها لم تُكتب بنيةٍ صادقةٍ لمُناقشة موضوعها، بل إن بعض ما جاء فيها من أخطاء قد يصل إلى حد التجاوزات التي يُؤاخِذ عليها القانون.

يُشير زاهر المحروقي في بداية مقالته إلى التقرير، الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ذائعة الصيت، بقلم الكاتبة كارين ديونق، يوم 22 مارس 2018م، عن اللقاء غير الرسمي الذي جرى في مقر الصحيفة مع صاحب السُّمو الملكي، ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والذي استمر حوالي 75 دقيقة.  

وفي استهلال الكاتب لمقالته بعبارة: "كانت تصريحاتُ الأمير مُحمد بن سلمان ولي العهد السعودي لصحيفة "واشنطن بوست"" إيهامٌ غير صادقٍ للقارئ بأنَّ التقرير الذي يُعلِّق عليه هو مجموعة "تصريحاتٍ" رسميةٌ لسمو ولي العهد!! بينما كان ما نشرته الواشنطن بوست هو تقرير كاتبتها عن اللقاء مع سمو الأمير، وما جاء في التقرير من عباراتٍ هو، في جُلّه، تعبير الكاتبة نفسها عمَّا تم في اللقاء، فيما عدا أقل من 80 كلمة، نُسبت نصّاً إلى سمو الأمير، من أصل ما يزيد على 950 كلمةً هي مادة التقرير!!

كما أنَّ زاهر المحروقي ترك الموضوعات المهمة والمتنوعة التي تهم المملكة ومنطقة الخليج والجزيرة العربية، والتي شملها تقرير الواشنطن بوست، الذي ذكرت أنه يزيد على 950 كلمة، ليُركِّز مقالته، التي تجاوزت 760 كلمة، على فقرةٍ في نهاية التقرير لا يتجاوز حجمها 95 كلمة. وفي مقالته، حرّف زاهر المحروقي محتوى تلك الفقرة من تقرير الواشنطن بوست، ونسب إلى سمو الأمير كلاماً لم يقُله، ومسّ كرامة وسيادة المملكة بكلامٍ يجعلنا نشك في نواياه، بل وفي استقامة تفكيره.

فعند استهلاله لمقالته، قال المحروقي، وأنا هنا أنقل حرفياً وبنفس الشكل الذي ظهر به كلامه:" كانت تصريحاتُ الأمير مُحمد بن سلمان ولي العهد السعودي لصحيفة"واشنطن بوست" الأمريكية بـ"أنّ انتشار الفكر الوهابي في بلاده يعود إلى فترة الحرب الباردة؛ عندما طلبت دولٌ حليفةٌ من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدّم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي". وهنا أسترعي انتباه القارئ الكريم إلى أن المحروقي وضع العبارة الأخيرة من النص السابق، التي وضعتُ أنا تحتها خطّاً لتبيينها، وضعها بين علامتي تنصيص، ليوهم القارئ الكريم بأنَّ هذا هو كلام سمو الأمير محمد، في الوقت الذي لم ترد كلمة الوهابية، أو الفكر الوهابي، على لسان سموه أبداً، وإنما جاءت في سياق صياغة الكاتبة لتقريرها، كما أن الكاتبة كانت تتحدث عن انتشار ما أسمته "الفكر الوهابي" في بعض الدول الإسلامية، على حد زعمها، وليس عن انتشاره في بلاد سمو الأمير، على حد زعم المحروقي!!

هذا فضلاً عن أنَّ الإشارة إلى أن المملكة تنطلق في تصرفاتها من إملاءات خارجية ليس إلا محض افتراءٍ، أعتقد أنَّ المحروقي من أوائل من يعرفون كذبه وتزويره!!

ولست هنا في مجال الخوض في تعريف "الوهابية" أو "الفكر الوهابي" أو "الحركة الوهابية"، ومن أين جاءت هذه التسمية، ومن الذي ابتدعها، ولماذا؟ فهذا حديثٌ يطول، وليس هذا مكانه! لكنني أُريد أن أُبيّن افتراءً آخر من افتراءات المحروقي في مقالته العجيبة حيث قال ما نصّه:

"لقد أعطى تصريح ولي العهد السعودي، الضوءَ الأخضر لتناول مسألة الوهابية؛ فقد أتى على الناس حينٌ من الدهر لم يكن يُسمح فيه بتناول الفكر الوهابي، وإلا سيُعتبر الشخصُ المُتناوِل له معاديًا لأهل السُنّة والجماعة أو السعودية، هذا إن لم يتم إخراجه من المِلّة والدِّين؛ فنشأ التعصب الأعمى لدرجة أن تنشأ حركاتٌ دمويةٌ تقتل باسم الله."

واستخدام مثل هذه العبارات الملتوية والاتهامات الزائفة فيه افتئاتٌ عظيمٌ على المملكة العربية السعودية؛ قياداتها، ورجال العلم الشرعي فيها، وشعبها. إذ إن أي شخصٍ مُلمٍ، ولو إلماماً يسيراً بتاريخ المملكة الحديث، يعلم أنَّ قادتها ومشايخها كانوا وما زالوا أول من رفض واستنكر نسبة البلاد وأهلها وتوجهاتها إلى ما سمُي "الوهابية" أو "الفكر الوهابي". بل إن بعض قادتها، رحم الله من رحل منهم وأمد في عمر من بقي على طاعته، كانوا يعدون نسبة المملكة إلى "الوهابية"، بالمعنى السقيم والمشوّه الذي يعرفه ويُريد أن يُروّج له المحروقي وأمثاله، إهانةً للمملكة وقيادتها وشعبها. ويشهد تاريخ المملكة بأنها، عندما أطل التطرّف والإرهاب الفكري والأمني برأسه البغيض، من بين من كانوا يُعدّون منتسبين إلى الفكر الإسلامي الذي تعتنقه، وهو فكر ومنهج أهل السنة والجماعة، كانت قيادة المملكة أول وأقوى من وقف ضد هذا التطرّف، وخاضت من أجل حماية فكرها الوسطي القويم، ومكتسباتها الوطنية الكبيرة، المعارك والمواجهات التي ضحت فيها بالنفس والنفيس.

 ولكي أُبيّن للمحروقي، ولغيره، موقف قيادة المملكة، وكذلك مفكريها وشعبها، مما يُسميه هو وغيره "الوهابية"، أكتفي هنا بترجمة ما قاله صاحب السمو الملكي؛ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أثناء زيارته الحالية للولايات المُتحدة، حيث قال، في معرض إجابته عن أسئلةٍ طرحها الصحفي الأمريكي؛ جفري قولدبرق، الكاتب في مجلة ذي أتلانتك المشهورة:

"لا أحد يستطيع تعريف ما تسمونه الوهابية. ليس هُناك ما يسمى بالوهابية! نحن لا نؤمن بأن لدينا وهابية. ولكن لدينا في المملكة العربية السعودية مسلمون سُنّة، وكذلك لدينا مسلمون شِيعة. ونؤمن بأنَّ لدينا في الإسلام السني أربع مدارس فقهية، كما أنه لدينا العلماء الشرعيون المعتبرون ومجلس الإفتاء. نعم، في المملكة العربية السعودية واضحٌ أنَّ قوانيننا تأتي من الإسلام والقرآن، ولدينا المذاهب الأربعة "الحنبلية، الحنفية، الشافعية، والمالكية"، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة."

فكيف يأتي، بعد هذا كله، المحروقي، ليستخدم لفظاً يُنسب إلى رجلٍ كريمٍ، كانت له بصمته التاريخية المُميزة، ليُسهم في تحريفه عن معناه، ويُبعده عن محتواه ومضمونه الأصلي، ويواصل استغلاله بكل خُبث لأسبابٍ يعرفها المحروقي، الذي زعم في مقالته أنه "ليس له دراية باختلافات المذاهب"، فيواصل، من خلال استخدام هذا اللفظ وهذه النسبة، اتهام المملكة، زوراً وكذباً وافتراءً، بالتطرف والتعصّب، بل وبالإسهام، كما قال في مقالته، "في نشأة حركات تقتل باسم الله"!! كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا.

وكما ذكرت آنفاً، أشار تقرير الواشنطن بوست إلى أن اللقاء مع سمو ولي العهد تناول موضوعاتٍ شتى، على مدى الساعة والربع التي استغرقها، حيث شمل الحديثَ عن العلاقات السعودية الأمريكية، وتنميتها وتعزيز الاستثمارات الأمريكية في المملكة، وجهود مكافحة الفساد في المملكة، والأوضاع في اليمن، والإصلاحات الشاملة التي تعيشها المملكة، والصراع العربي الإسرائيلي، ومشروعات الطاقة النووية السعودية، والجهود المبذولة الرامية إلى تصحيح النظرة إلى الإسلام، في الداخل والخارج، وغير ذلك. ومع هذا، فقد أغفل المحروقي كل هذا وانبرى يبني أكاذيب على أوهام، ويكيل الاتهامات الزائفة المتوالية، إن تصريحاً أو تلميحاً، للمملكة وقيادتها وتوجهاتها الفكرية، متهماً إياها بأنها وراء كل تطرّف وكل إرهاب وكل انحراف فكري وكل تعسّف!! ثم يُحاول، بعد كل هذه الافتراءات، أن يٌغطي سوأته بورقة توتٍ صغيرةٍ لا تُغني ولا تُسمن من جوع، فيقول عما هو منسوبٌ إلى سمو ولي العهد من كلام في التقرير:

"إنّ ما يهمني في مقالي هذا هو أنّ التوجّه نفسه هو توجهٌ محمود وإيجابي، وسيُمثِّل تحولا كبيرًا ليس داخل السعودية فحسب؛ بل في العالم الإسلامي."!!!

ولا أقول بعد هذا للمحروقي إلا:

إذا لم تخش عاقبة الليالي....

تعليق عبر الفيس بوك