الرسائل المغرضة .. "الطابور الخامس" الجديد

 

مسعود الحمداني

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا لكل الشرور، ومنبعاً لكل الفتن، منها يستقي الناس معلوماتهم المُضللة، وعلى طريقتها يسيرون دون تفكير، أو تمحيص، أو إعمالٍ للعقل، ولكي تنشر فتنتك، أو لتثير الرأي العام، أو لتمرر معلومة كاذبة، ما عليك سوى أن تبث مقطع فيديو لما تُريده، وتكذب فيه كيفما تشاء، وتزرع فيه ما تريد تمريره، واترك الباقي على الآخرين، ليكملوا مهمتك.

وأحيانًا يقوم البعض باستخراج فيديو أو رسائل قديمة لينفخوا فيها الحياة، ويرسلونها، وكأنها حدثت البارحة، ويتلقاها الناس بصدر رحب، ويبدأون بتصديرها، والزيادة عليها، أو الإنقاص منها، حسب الحاجة، لكي يجددوا فتنة ماتت، ويقيموا قيامة فاتت.. ويبدأ الجميع بتداولها والتعليق عليها، حتى يتبين بعد ذلك أنها حدث قديم، أو مشهد تم إخراجه عن سياقه لإثارة الرأي العام، والتأثير عليه، وهذا يحدث أكثر ما يحدث عن طريق التغريدات التي تنتقص من أي جهد حكومي، أو تشكك في أي منجز رسميّ دون أن ترى أي بقعة ضوء في المشهد الوطنيّ المحلي.

وقد تُحدِث الأكاذيب أثرها حتى بعد أن يتم اكتشاف الحقيقة، وهي تقوم بعمل دعائي عظيم، متخذة من نظريات الإعلام المضلل أرضية لها، وأشهرها نظرية جوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر والتي تقول: "اكذب.. اكذب.. فحتى لو لم يصدقك أحد.. ستترك كذبتك أثرها".. وهذا ما هو حاصل؛ حيث يندس بعض المغرضين خلف وسائل التواصل الاجتماعي ويبثون سمومهم في التفرقة والفتن بين النسيج الاجتماعي الواحد، وبين الدول، وبين الشعوب الأخرى، فيظهر لك أحدهم، وهو يمتدح دولة على حساب أخرى، وهو لا ينتمي لأي منهما، لكي يزرع الوقيعة بين الشعوب، فيتلقاها العامة، وكأنها نصر، ورأي يستحق النشر، والتوزيع، وهم لا يعلمون أنهم يقعون في مكيدة خبيثة لشخص لا علاقة له بالأمر.

وفي أزمة "القطيعة" الخليجية الحالية يخرج بعض الجهلة والمدسوسين لينشروا مقاطع فيديو تسيء لتلك الدول، ومن بينها السلطنةـ رغم وقوفها على الحياد ـ يحاولون التشويش على الموقف العماني وجرّه لمستنقع الأزمة، ويعيدون نشر مقاطع أو أحداث قديمة لكي يستفزوا العُمانيين، وينجحوا أحياناً كثيرة في ذلك، كما يقوم كل فريق بمحاولة استقطاب الموقف الشعبي العماني لصالحه، من ثم إخراجه عن حياده، تمهيداً لزجه لصالح طرف دون آخر، إلى جانب قيام بعض الأفراد في دول أخرى ببث تغريدات ورسائل مصورة تسيء للسلطنة وتاريخها وشعبها لكي يثيروا الهرج والمرج بين المواطنين، وإذا هم نجحوا في هذا الأمر- لا سمح الله- فذلك يعني أنَّ مؤامرتهم بدأت تؤتي أكلها.

وبعيدًا عن السياسة..يقوم بعض "المروّجين" ببث صور أو فيديوهات لأحداثٍ مهمتها التأثير الديني أو الطائفي أو العقائدي، والتركيز على العاطفة الجمعية، من خلال العزف على وتر الدين "الغرائبيي"، كما حدث في فيديو "ابتسامة الشهيد" والتي ظهر بعد فترة أنها مجرد تمثيلية قامت بها بعض الجماعات المسلحة لاستدرار التعاطف، أو ذلك الفيديو لطائر "التنين الميت" وكيف أنه دليل على أننا في آخر الزمان ثم اتضح أنه مجرد عمل نحتيّ، وغير ذلك المئات من هذه النوعية من المنشورات، والخطير في الأمر أنَّه حين يكتشف الناس الكذبة والفبركة فإنَّ ذلك يُحدث معهم أثرا عكسيا، ومع تكرار الفيديوهات المزيفة يبدأون بعدم تصديق أي شيء عن "المعجزات" حتى وإن كان الأمر حقيقيًا، وقد يؤدي ذلك إلى تشويش إيمانهم بالدين.

كما إن بعض الشركات تقوم ببث دعايات مضادة للشركات المنافسة، وذلك من خلال حملة تستهدف مُنتجات تلك المؤسسات، أو باختراع قصة ارتباط المنافس بإسرائيل، وتدعوهم للمقاطعة حتى لا يساهموا في دعم إسرائيل بشكل غير مباشر، وهي دعاية نجحت في فترة ما، ولكنها لم تعد كذلك الآن، لأن إسرائيل أصبحت "صديقة" لا خوف منها!!

لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة المثلى لنشر الرسائل الكاذبة والمزعزعة للثوابت الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، والخطير في الأمر أنَّ الكثيرين يتقبلون ما تبث وكالاتها ومروجوها دون أي نقاش أو تفكير، وهي بذلك تقوم بعمل "الطابور الخامس" الذي تزرعه المخابرات لتوصيل رسائلها، وبث الفتن وزعزعة الاستقرار، وأول هذه الوسائل وأهمها هي: التنويم المغناطيسي للعقل، وسلبه تفكيره، من خلال التسليم بكل ما يأتيه من رسائل دون تفكير أو تدقيق.

 

Samawat2004@live.com