وجهًا لوجه: د/ غالية آل سعيد وعبد الرزاق الربيعي (3)


رغم أنّ الدكتورة غالية آل سعيد، قليلة الكلام، على المستوى الشخصي، والاجتماعي، وحين يشبك بمناقشة الأمور العامّة اعتادت أن تشارك بالإنصات الجيد، إلاّ أنّها تسترسل حين ينصبّ الحديث عن الكتابة، وهمومها، وتجد نفسها منقادة للبوح عندما ترى ورقة بيضاء على طاولتها، إذ تسارع إلى الغوص في بياضها، لتسكب شيئا من روحها، وهواجسها، محاولة الإجابة عن تساؤلات تشغلها في الحياة، والكتابة.
هذا الحوار، هو محاولة للاقتراب من عالم الكاتبة، ولابدّ من الإشارة أن فكرته بدأت من مقترح للشاعر الكبير سيف الرحبي بعمل ملف عن عالم د. غالية آل سعيد الروائي، وتكليفي بإعداده، وهذا جعلني أبحث في تفاصيل هذا العالم، وكان لابدّ من إجراء حوار معها، ولكن الحوار امتد، ففاض عن الصفحات المخصصة للملف، لذا طرأت في بالي فكرة نشره في كتاب خاص مع عدد من المقالات التي تناول بها عدد من نقّاد، وأكاديميين، جوانب من تجربتها الروائيّة، ولابدّ من الإشارة إلى كتابات نقديّة تناولت هذه التجربة، ومن هذه الكتابات: "القبح والجمال في روايات غالية ال سعيد للدكتورة أسية البو علي ولها أيضا دراسة أخرى حملت عنوان" مقاربات مختلفة للرواية النسوية في الخليج روايتي غالية ال سعيد (أيام في الجنة)، و(صابرة وأصيلة) "، و"لعبة الذكورة والأنوثة في روايات غالية آل سعيد" للناقد إبراهيم محمود، و"أيام في الجنة" لإبراهيم درويش و"الناس اللي تحت في لندن" لعادل مقدسي ، و"صابرة وأصيلة" لوضحى البوسعيدي، و" من الأسطوري إلى الواقعي- قراة في الرواية العمانية لمحمد ولد محمد، و"جسد المرأة في تمثيل التباعي والرهان" لخالد الرفاعي، وكتابات أخرى في تجربتها  التي ظلّت تشتغل عليها بهدوء، بعيدا عن صخب الأوساط الثقافية، تاركة للقراء، والنقّاد، التحليل، والفحص، وإطلاق الأحكام، مكتفية بمتعة السرد.

(س)؟؟؟ هل تأثرت بكاتب معين، ونمط كتابته؟
(ج):: بالنسبة لي المسألة ليست مسألة تأثر بهذا الكاتب، أو تلك الكتابة، أو بهذا النوع، أو ذاك من كتابة الرواية. المهم هو الاعجاب، والتعجب، والتمعن في أنماط الأعمال الإبداعية، ونجاح الكاتب في تقديم شخصيات تأسر لبّ القارئ، وتجذبه لواقعها.
خذ مثلا أعمال الروائي، والكاتب البريطاني الكبير شارلز ديكنز، الكثيرون يعتبرون أعماله ثقيلة، ومحملة بهموم، ومعاناة الناس في عصر مضى عاشه هو لا نعيشه نحن. يقولون توغل الكاتب في وصف الفقر، والمرض، واضطهاد الغني للفقير، والقمع، والاستبداد السياسي، والاجتماعي، والترفع الطبقي، وغيرها من مشاكل وهموم عانى منها الفرد في المجتمع البريطاني في تلك الحقبة من الزمن، لكنها لا تمت بصلة لعصرنا هذا.
ولكن عندما تستطرد في قراءة أعمال ديكنز يتجلى أمامك المكان، والمضمون وحياة الأفراد التي صورها الروائي بمقدرة فائقة. برزت تلك الشخصيات، والمشاهد تنبض بالحياة، بغضّ النظر عن الوقت الذي كتبت فيه الرواية، أو اختلاف البيئة التي عاشت فيها. إذا كان الاعجاب يعتبر تأثرا، أقول انني تأثرت بمثل هذه الأعمال لها بريقها اليوم، وهي من الأدب الخالد، ولا شك.

(س)؟؟ كتبت القصة القصيرة ونشرتها في عدد من المجلات العربية، واختيرت واحدة من قصصك لتكون ضمن خمسين قصة قصيرة لكتاب العربي العام 2007-2008. لكنك انتقلت لكتابة الرواية، هل وجدت في الرواية الملاذ المبتغى، والهدف المنشود؟   
(ج):: نعم، كتبت القصة القصيرة، ولكن ليس بصورة منتظمة، وربما لم تكن البداية هي القصة القصيرة، بل الرواية؛ حقيقة لا أتذكر أيهما الأول، وأيهما الثاني. وأصدقك القول، كتابة الرواية لم تأت نتيجة لدراسة، أو بتخطيط مسبق مني، لم أستيقظ يوما، وأحدث نفسي قائلة: غالية اكتبي رواية، وعليك كتابة رواية (أيام في الجنّة)، وهي أول رواية كتبتها. كلا، لم يحدث حوار داخلي عندي حول كتابة الرواية، فكتابة الرواية أتت بتلقائية أدهشتني، وحتى الآن لا أعرف تماما كيف وصلت الى كتابة الرواية.

(س)؟؟ وقبل ولوج باب هذا العالم، ما الذي كان يشغلك، هل مارست الكتابة الصحفيّة، بحكم دراستك الأكاديميّة؟
(ج):: كانت اهتماماتي تدور حول المواضيع التي أكملت فيها أطروحة دراستي، تحديدا (دور الصحافة في السياسة) بالتركيز على معاهدة (كامب ديفيد). بعد تخرجي تصوّرت أنني سأكتب مقالات سياسية للصحف، ولكن لم يتم ذلك، ربما بسبب الاهتمامات الأخرى التي ظهرت، واستولت على حيز كبير من تفكيري، وتطلب مني إنجازها، لا أعرف بالضبط ما هو السبب. الذي أعرفه، أني لم أمارس الكتابة الصحفية، ولكن عيني لم تغمض عن النظر إلى قضايا الشعوب، وهموم الناس. ربما من هذا المنطلق حدثت صلتي بكتابة الرواية، وبدأت في طرح هموم الناس، وقضاياهم ليس بالصورة المباشرة، بل بالصورة الأدبية غير المباشرة، وفي الحقيقة، في كتابة الرواية متسع أكبر لعكس التصورات الخيالية وربما هذا هو الواقع الذي يحتم على الكاتب استبدال كتابة القصة القصيرة بالرواية؛ في الرواية تستطيع الشخصيات التعبير عن نفسها، وقضاياها بطريقة مفصلة، لديها متسع أكبر للعبث بالوقت من غير حدود.

(س)؟؟ يرى الإيطالي اميريتو ايكو "إن وظيفة العنوان هي تشويش الأفكار لا توحيدها"، ما هي وظيفة العنوان في رواياتك؟
(ج):: ربما يكون ايكو صادقا فيما قال عن العنوان، ووظيفة التشويش، فعنوان أهم رواية من رواياته المتعددة هو "اسم الوردة". إنه يفعل ذلك ليشوش فكر المتلقي للرواية، كيف يحلل القارئ هذا الاسم من منطلق الرواية التاريخية؟ تتحير، وتظل هناك أسئلة عديدة تتعلق بقصد الكاتب من الوردة، واختيارها عنوانا للرواية.
المهم في نظري أن لعنوان الرواية عددا من الوظائف تتمثل في التعريف بالعمل قبل البدء في قراءته، توصيل رسالة إلى شخصيات الرواية نفسها، أو في توضيح موقف الروائي من العمل نفسه.
تفسير العنوان أمر ليس واضحا على وجه اليقين، وفي عناوين رواياتي اختلطت هذه المعايير كلها. عنوان (أيام في الجنّة) يريد البطل أن يخبر القارئ من البداية إنه عاش أيام متعة جميلة، ولكنها قصيرة، وتشبه النعيم. في رواية (سنين مبعثرة) يظهر لنا ندم البطل فورا، فقد بعثر سنين عمره ولم يشبع مطالبه، وطموحه، هذا ما صورته الأحداث من البداية للنهاية، وحدة قاتلة وعزلة عن العالم يقابلها في كتبه ويتجرعها في زجاجاته. في رواية(صابرة، وأصيلة)، نقابل البطل، ونتعرف على المكان الذي أتى منه حيث تقع مجزرة صبرة وشتيلة، وتنتهي الرواية باغتيال بطلة الرواية (صابرة) على يد أخيها، هذا العنوان ملخص لعدد من التراجيديات المؤلمة. أما في رواية(سأم الانتظار) فالعنوان يعصف بذهن القارئ، ويحفز فضوله كي يسعى لمعرفة مصدر السأم، وسببه، والتأمل في الحلول المنتظرة، وآفاق المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك