آليات واستراتيجيات مواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية (1)


د. عيسى الصوافي – سلطنة عمان


دكتوراه في إدارة الأزمات
في الواقع لا يخل أي بلد من الأزمات التي تطرأ على مساره اليومي فتكدرها وتفرض أوضاعاً استثنائية جديدة، منها كما سبق أن ذكرنا من قبل، ما قد يظهر في فترة قصيرة لتزول آثارها وأسبابها ثم تنمحي فترجع الأمور إلى نصابها، ومنها ما قد يدوم مدخلاً عناصر جديدة تؤثر على توازن المقومات التي ترتكز عليها حياة البلد فتغدو عوامل تفرض نفسها على مجهود تنظيم توازن جديد يؤمن استمرار الحياة والرقي بها نحو الأفضل. وبدون شك، سلطنة عمان تأتي ضمن الوحدات التي تقدم نموذجاً صادقاً لبنية اجتماعية وإنسانية تتفاعل مع أركان وجودها وتنجح في استيعاب الثوابت والمتغيرات التي تتدخل قصد تأمين الاستقرار والتطور.
في هذا الإطلالة وعبر حلقات متتالية وللإحاطة بالعناصر التي أثرت على بناء السلطنة وتأهيلها لمواجهة وإدارة الأزمات ومكنتها من القدرة على التأقلم والبقاء رغم تقلب العوامل وتغير أنواعها بين ما هو طبيعي وما هو إنساني، سنحاول التطرق لإدارة الأزمات على ثلاث مستويات أساسية يمكن حصرها في:
ــ المستوى الأول: يخص إدارة أزمات الطبيعة التي تتوافد على سلطنة عمان بحكم الموقع الجغرافي والظروف المناخية المتكررة، حيث تؤدي الكوارث الطبيعية إلى تعمم المآسي وتخريب البيوت وتشرد الأهالي وبالتالي فحص السياسة المتخذة في هذا الباب من شأنه أن يسلط الضوء على الجهود التي بذلتها السلطنة ومكنتها من تحصين البلاد وتجنيبها الانهيار أمام وطأة الأضرار وفداحة الخسائر.
ــ المستوى الثاني: هو عنصر أساسي يقوم على إدارة الأمور الأمنية، ليست فقط الداخلية التي يكون ضبطها في المتناول ومرتبط بالمجهود الذاتي، وإنما الخارجية كذلك والإقليمية الذي تفترض التعامل بحنكة والتوفر على الرؤية الدولية، التي بدون تركيبها لا يتحقق أي استقرار أو أمان، بل تسهل تجمع كل العناصر التي من شأنها تعميم الاضطراب وسواد الفوضى، فتتوالي الأزمات وتذهب بالبلد إلى حافة الإنهيار والزوال.
ــ المستوى الثالث: نموذج التدبير السياسي الذي يمس ــ في بعده الداخلي ــ جوهر بقاء واستمرار المجتمع بل وتطوره، حيث يتجه فعله إلى خلق التوافقات بين مكونات المجتمع العماني والتوازن بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي حول كل ما يخص البناء السياسي الدستوري، ويتجه كذلك في بعده الخارجي الى ما يدعم وجوده وتوازنه أمام زوابع المنتظم الدولي، كالعمل والتعامل الدبلوماسي قصد ترتيب المواقف إزاء القضايا والملفات الدولية.
الجدير بالذكر أن التقلبات المناخية تعتبر من الأمور الطبيعية التي تواكب الحياة الإنسانية على وجه الأرض وتطبع وجوده. وقد اتجهت جهود الإنسان، لتأمين بقاءه على البسيطة منذ القدم إلى حماية نفسه بالتأقلم مع غضب الطبيعة بمختلف صورها... على أن مبالغة البشر في فرض شروط الرفاه وأنماط المعيشة المتجهة نحو البذخ أدى إلى خلق اختلال في توازن عوامل الحياة فأخذت وتيرة الكوارث تتصاعد من احتراق للغابات أو تهاطل الأمطار الطوفانية والسيول وانجراف للتربة وارتفاع مستوى المحيطات المتزايد جراء الذوبان المستمر للجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي وغيرها... مما يهدد بقاء الكائن البشري وباقي الكائنات التي تعيش بالبحار أو اليابسة..
أمام استفحال هذه المخاطر، ازداد تطور تفاعل المجتمعات مع الأزمات وتقوت جهوده لمواجهتها، لدرجة أن برامج التصدي للكوارث أدمجت ضمن مخططات التنمية بجانب التوزيع السكاني وتخطيط الانتشار العمراني للأهالي وجل الميزانيات المرصدة لبناء الدول وتنميتها.
في الحلقات القادمة من سلسلة المقالات التي ننوي نشرها، سنتطرق لما قامت سلطنة عمان من إيلاء الاهتمام اللازم لهذه الظواهر بغية حماية الأرواح والممتلكات وذلك بوضع الاستراتيجيات الكفيلة بتجنيب السلطنة مضاعفات الكوارث وذلك بسن التشريعات والقوانين المواكبة لتنظيم مجهودات التصدي للأزمات.
والحديث، عن البنية التنظيمية المتخصصة التي وُجِّهت للتكفل بكل ما يلزم من تفكير وتهيئة وتجهيز لمجابهة الأزمات. لذا، سنحاول في هذا الفصل التطرق لكيفية ظهور هذه البنيات واشتغالها وتتبع فعاليتها في مواجهة أقوى للكوارث التي تعرضت لها السلطنة خلال القرن الواحد والعشرين وتتمثل في إعصاري «جونو» و«فيث» والعاصفة المدارية «أشوبا»، بدءاً من مرحلة التوقع والتأهب الى مرحلة التصدي ووصولاً إلى مرحلة إنهاء المخلفات.

 

تعليق عبر الفيس بوك