سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (27)

أ.د/ سعيد جاسم الزبيدي – جامعة نزوى

 

سألني تلميذي النجيب قائلا: وردتْ عليّ في آي القرآن ألفاظ من سنخ واحد، ولكنّها اختلفت في الضبط، كقوله تعالى:
-    (وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وَقْرا. الآية 25 من سورة الأنعام).
-    (والذاريات ذروا، فالحاملات وِقْرا. الآية 2 من سورة الذاريات)
في الآية الأولى: جاءت بفتح الواو (وَقْر)، وفي الآية الثانية: جاءت بكسر الواو (وِقْر)، فما الفرق؟
ورد هذا الأصل (و، ق، ر) في القرآن الكريم فضلاً عن الآيتين موضع السؤال:
-    (وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وَقْرٌ – 5/فصلت).
-    (والذين لا يؤمنون في آذانهم وَقْر، وهو عليهم عمى – 44/فصلت).
-    (وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وَقْرا – 46/الإسراء).
-    (إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وَقْرا – 57/الكهف).
-    ولّى مستكبراً كأنْ لم يسمعها كأنّ في أذنيه وَقْرا – 7/لقمان).
فهذه الآيات الخمس مع الآية (25) في الأنعام وردت بفتح الواو، إلّا الآية (2) في الذاريات وردت بكسر الواو.
وأنت تسأل – يا ولدي – عن الفرق في الدلالة بين فتح (الواو) في (وَقْر)، وكسرها، والجواب يكمن في المعجم:
جاء في (كتاب العين): باب القاف والراء و(وايء) معهما، (وقر): "الوَقْر: ثقل في الأذن، تقول: وقرت أذني عن كذا تَقِرُ وَقْراً، أي ثقلت عن سمعه... والوِقْر: حمل حمار، وبرذون، وبغل كالوسق للبعير، وتقول: أوقرته، ونخلة موقرة حملاً"(1). أي ورد الفعل (وقر) ثلاثياً، و(أوقر) رباعياً.
ولعلّ ما ورد في (مقاييس اللغة) لأحمد بن فارس (ت395ه) ما يجمع الدلالة بين فتح الواو وكسرها فقال: "الواو والقاف والراء: أصل يدلّ على ثقل الشيء"(2). وأضاف: "ومنه الوَقار: الحلم والرزانة"(3). وقال الراغب الأصفهاني (ت505ه): "يقال: هو وَقور ووَقار ومتوقر"(4). ووسّع الزمخشري (ت538ه) استعماله مجازاً فقال: "ومن المجاز أوقره الدَيْن"(5). واستدلّ السمين الحلبي (ت756ه) على أنّ الفعل (وقر) الثلاثي متعدٍ(6). وعدّه مجد الدين الفيروزأبادي (ت817ه) أعمّ من الحمل الثقيل(7). ولم يخرج معجم ألفاظ القرآن عمّا ورد(8).
أمّا المفسرون فلم يخرجوا عمّا قرره أهل اللغة. فقد ظهر - يا ولدي - مما تقدّم:
أنّ مادة (و، ق، ر) أصل سواء أَفَتَحتَ الواو أم كسرتَها يدلّ على ثقل في الشيء، ويؤدي دلالات مجازية، ويستعمل ثلاثياً ورباعياً، وما اشتقّ منهما، ولعلّ ما عرضته المعجمات فيه غنى ووفاءً لسؤالك، والله الموفق للصواب.

..................
المصادر:
(1)    كتاب العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي/بيروت، ط2، 1988م، 5/206-207 .
(2)    معجم مقاييس اللغة، تحقيق إبراهيم شمس الدين، شركة الأعلمي/بيروت، ط1، 2012م، ص922 .
(3)    نفسه، ص922 .
(4)    المفردات في غريب  القرآن، تحقيق محمد خليل عيتاني، دار المعرفة/بيروت، ط3، 2001م، ص544 .
(5)    أساس البلاغة، تحقيق محمد باسل العيون، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1998م، مادة (وقر)، 2/348 .
(6)    الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبدالموجود وجاد مخلوف جاد وزكريا عبدالمجيد النوتي، دار الكتب العلمية/بيروت، ط2، 2013م، 3/33 .
(7)    القاموس المحيط، تحقيق أبو الوفا نصر الهوريني، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 2014م، باب الواو فصل الراء، 2/252-253 .
(8)    معجم ألفاظ القرآن الكريم، إصدار مجمع اللغة العربية/القاهرة، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، د.ط، 1990م، مادة (وقر)، 2/1193-1194 .

 

تعليق عبر الفيس بوك