السجن 3 سنوات و500 ريال غرامة البلاغ الكاذب

قانونيون: إهانة الكرامة أبرز البلاغات الكيدية.. ومعظم المدعين يسعون للتشهير بسمعة الآخرين

 

 

  • د. نبهان المقرشي: الشهادة بالكذب من أبشع الرذائل وأكبر الكبائر

 

  • د.حمد الربيعي: مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت في انتشار الشائعات التي تحدث ذعرا

 

  • خميس العبري: إحدى الوسائل التي يستخدمها ضعاف النفوس للحط من مكانة بعض أفراد المجتمع

 

  • جمال النوفلي: كان أحرى بالمُشرِّع أن يُشدد على عقوبة شهادة الزور لعظم الخطر الناتج عنها

 

  • نزيه غالي: القانون العماني اعتبره سلوكا إجراميا يعاقب عليه فاعله

 

أكد عدد من القانونيين أنّ البلاغات الكيدية أو "الكاذبة" أصبحت كثيرة الانتشار خلال هذه الفترة، وهي البلاغات والقضايا التي لا أساس لها من الصحة، على الرغم من أنّ مقدم البلاغ يعلم أنّ ما قدمه ليس له أساس من الصحة، بل يهدف من تلك الخطوة للتشهير بسمعة آخرين.
مشيرين إلى أنّ من أبرز القضايا الكيدية هي جرائم إهانة الكرامة والضرب وهو ما يهدد الأشخاص بزجهم تحت طائلة قانون الجزاء وإجراء التحقيقات من الجهات القضائية والتشهير بسمعتهم وابتزازهم، إحدى الوسائل التي يستخدمها بعض ضعاف النفوس للحط والنيل من مكانة وسمعة بعض أفراد المجتمع بهدف دني، وهو التأثير سلبا على مكانة هذا الشخص. والبلاغ الكاذب هي جنحة تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجن والغرامة ألف ريال وتصل إلى إعدام المفتري أو سجنه مطلقا إذا أدى الافتراء إلى إعدام المفترى عليه.

 

الرؤية – محمد قنات

 

 

وقال الدكتور نبهان بن سهيل المقرشي: "عرّف الفقه الإسلامي شهادة الزور بأن يشهد المرء بما لا يعلم عامدا ولو طابق الواقع. وقيل هي الشهادة بالكذب، وتعد من أبشع الرذائل وأشنع المعاصي وأفحش الآثام وأكبر الكبائر.. ويكفي للدلالة على خطورتها أنّ ربّ العزة سبحانه قرن النهي عنها بالنهي عن عبادة الأوثان في محكم القرآن الكريم فقال تعالى (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) وقال جلّ وعلا – واصفا عباده المؤمنين المتقين (والذين لا يشهدون الزور) أي: لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضـر الكذب. وفي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا)؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهـادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت).

وأضاف "إنّ الدوافع والأسباب المؤدية إلى ارتكاب جريمة شهادة الزور قد تختلف ويأتي في مقدمتها ضعف الوازع الديني مبينين أنّ الشاهد قد يكون جاهلا منقادًا يوجه ويستغل من قبل أكلة حقوق الناس بالباطل، كما أنّ الحميّة والفزعة قد تدفع لشهادة الزور وربما تكون الثقة المفرطة في بعض الأحيان دافعا للشهادة دون وعي أو إدراك بما تحمله من زور وبهتان وهناك فئة أخرى تدفعهم الأنانية والجشع والطمع في الكسب المحرم إلى ارتكاب هذه الجريمة المحرمة شرعا.

وذهب إلى أن المادة٢٣٣ من قانون الجزاء العماني نصت على يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من شهد زورا أمام إحدى الجهات القضائية أو سلطات التحقيق بعد حلف اليمين أو أنكر الحقيقة أو كتم كل أو بعض ما يعلمه عن الواقع، وتخفض العقوبة إلى نصف الحد الأدنى إذا أُديت الشهادة دون حلف اليمين فإذا نتج عن شهادة الزور وحدها الحكم بعقوبة ونُفذت وجب ألا تقل عقوبة الشاهد عن ذلك.

وأوضح الدكتور المحامي حمد بن حمدان الربيعي أن البلاغ الكاذب في أبسط تعريفاته يعني تعمد إخبار إحدى السلطات العامّة كذباً بما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معيّن بنية الإضرار بسمعته وشرفه، وركنها الأساسي أن يتم الإبلاغ عن أمر مكذوب حتماً مستوجب لعقوبة فاعله، واستدرك: لكن السؤال الأهم هل نعرف أنّه جريمة وليس مادة للتسلية أو الترف والضحك وتركيب الأفلام هنا وهناك؟ بل إنّه من أشد الجرائم المخلة بسير العدالة والحق؛ كونها تمس حقوق الناس وكرامتهم كما أنّها تسبب إزعاجاً للسلطات وتلحق ضرراً ما بالأمن العام وتسبب القلق والإرباك للمجتمع.

وأضاف أنّ البلاغات الكاذبة تضر بمصالح الوطن وتؤدي إلى العبث والفوضى فيما يتمتع به من أمن وأمان، ورأى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت أسهمت في انتشار الشائعات التي تحدث ذعرًا لدى البعض.

ومن جانبه قال المحامي خميس بن راشد العبري محامي بالاستئناف: هناك ظواهر سلبية انتشرت في المجتمع وبصورة كبيرة، حيث كانت غير ملحوظة في السابق، إلا أنّ المُشرِّع تصدى لها، ومن أبرز هذه الظواهر البلاغات الكاذبة وهي إحدى الوسائل التي تستخدم في إلحاق الضرر بالآخرين عن عمد وبغير وجه حق، وغالبا ما تكون دوافعها الحقد والضغينة والرغبة في الانتقام وتشويه السمعة، وقد ساهم في انتشارها فساد الذمم وغياب القيم الدينية والأخلاقية لبعض أفراد المجتمع فضلا عن أنّها أصبحت هي ذاتها عبئا على القانون لما تسببه من تعطيل للعدالة؛ حيث ساهم وجود هذه القضايا في تعطيل رجال الشرطة والقضاء عن النظر في قضايا أخرى أكثر أهمية.

وأضاف أنّ هذه الشكاوى ازدادت في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد ثورة الاتصالات حيث جرّمها المشرع وفقا للمادة 223 والمادة 224 من قانون الجزاء العماني الصادر مؤخرا برقم 7/2018، بعد أن أصبحت إحدى الوسائل التي يستخدمها بعض ضعاف النفوس في المجتمع للحط والنيل من مكانة وسمعة بعض أفراد المجتمع، والبلاغ الكاذب جنحة تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجن والغرامة ألف ريال وتصل إلى إعدام المفتري أو سجنه مطلقا إذا أدى الافتراء إلى إعدام المفترى عليه.

وتابع كما أنّ لشهادة الزور آثار نفسية مؤلمة تلحق بالمتضرر، وتترتب عليها آثار سلبية سواء كانت مادية أو نفسية أو اجتماعية من خلال نصرة الظالم على المظلوم أو إفلات المجرم من العقوبة أو أن تتم إدانة شخص بريء؛ مما يجعل ثوابت المجتمع وبنيانه ضعيفة. واستدرك أنّ الدين الإسلامي نهى عن شهادة الزور بل اعتبرها من الكبائر. وجاء في حديث رسول الأمة أنّ من أكبر الكبائر قول الزور وشهادة الزور لما لهذا الفعل من تآكل للمجتمع وانتشار للأحقاد وطمس للحقائق، وأكل أموال الناس بالباطل؛ بل إنّ هذا الفعل المؤثم من شأنه أن يؤدي إلى اختلاط الأنساب وتداخلها؛ من هنا لم يكن محض الصدفة أن يتدخل المشرع في هذه الشهادة الخبيثة كريهة الفعل ذات الطعم العلقم في نتائجها، ومضى بالقول لقد جرّم المشرع وتوسع في شهادة الزور ابتداء من المادة 233 من قانون الجزاء العماني الجديد حتى المادة241 حيث تصل عقوبات هذه الشهادة إلى السجن ثلاث سنوات والحكم بذات العقوبة على شاهد الزور إذا نفذت على من تمت إدانته.

 وختم بقوله، إنّ من شروط شهادة الزور أن تكون الشهادة بعد حلف اليمن، وذلك بهدف قلب الحقيقة وإظهار الباطل حقا أو الحق باطلا، وأن تكون الشهادة مؤثرة في الحكم الصادر للمتهم ضده أو لصالحه وأن لا يُعدِّل الشاهد عن أقواله حتى قبل غلق باب المرافعة ومن خلال هذا السرد السريع فعلى الجميع العلم بأن تدخل المُشرِّع في كل شؤون الحياة يهدف إلى أنّ القانون يحمى الحياة ككل وأن المجتمع قوي وصلب بترابط أفراده ويتآكل المجتمع ويتشرذم وينقسم إذا تفشت فيه الأحقاد والمحسوبية والرذيلة وطغت بوجود ضعاف النفوس في ظل غياب القانون.

ومن جانبه قال المُستشار القانوني جمال النوفلي إنّ شهادة الزور تختلف اختلافا كبيرا عن البلاغ الكاذب، فشهادة الزور هي الحنث في اليمين أو هي تعمد تزوير الحقيقة في أمر أساسي من شأنه التأثير في نتيجة القضاء سواء كانت الشهادة مكتوبة أو منطوقة بيمين أو دون يمين.

وأكد النوفلي أن شهادة الزور من أفظع وأشنع الجرائم، وقد حرمتها كل الأديان والتشريعات الإنسانية ففي القرآن الكريم يقول عز وجل: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) حيث تكمن فظاعة هذا الجرم في أثره الناتج عنه، فشهادة الزور بإمكانها أن تقلب الحقيقة إلى الضد، فنبرئ المجرم مثلا من جريمته التي ارتكبها، ونُجرِّم البريء بجريمة لم يرتكبها، وأضاف أنّ بعض الدول شرّعت عقوبات قاسية على جريمة شهادة الزور تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد، خاصة في تلك الشهادات التي تتعلق بجرائم عقوباتها الإعدام أو السجن المؤبد. ففي هذه تكون الشهادة هي العامل الأساسي لاتخاذ هذه العقوبات في حق المتهمين، فإذا ما اتضح لاحقا أنّ القضية أصلا ملفقة وأن الشاهد تَعمّد تزوير الحقيقة والشهادة بخلاف الواقع والحقيقة فإنّه في هذه الحالة ينبغي أن يتحمّل الشاهد وزر المتهم المسكين وعقوبته فيعدم قصاصًا على تسببه في قتل نفس بريئة. هكذا هو توجه بعض التشريعات في بعض الدول الأجنبية. أمّا المُشرِّع العماني فإنّه بالطبع يُجرِّم هذا الفعل ويضع له عقوبات صارمة لكنّها لا تصل إلى الإعدام مراعيا في ذلك أن الشهادة وحدها لا تكفي للحكم على الشخص بعقوبة الإعدام.

وتابع: لقد نصّت المادة (٢٣٣) على أن (يعاقب من تثبت إدانته بالسجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاثة أشهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات كل من شهد زورا أمام إحدى الجهات القضائية أو سلطات التحقيق، بعد حلف اليمين، أو أنكر الحقيقة، أو كتم كل أو بعض ما يعلمه عن الواقعة.
وتخفض العقوبة إلى نصف الحد الأدنى إذا أديت الشهادة دون حلف اليمين.
فإذا نتج عن شهادة الزور وحدها الحكم بعقوبة ونفذت، وجب ألا تقل عقوبة الشاهد عن ذلك).

ففي هذه المادة يقرر القانون أن عقوبة شاهد الزور تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وهي بذلك تعد جنحة وليست جناية، وكان حريا بالمشرع أن يشدد من عقوبة شهادة الزور لعظم الخطر الناتج عنها ولإغلاق كافة السبل والذرائع التي قد يتخذها البعض للإيقاع بالأبرياء.

وزاد أن البلاغ الكاذب هو أن يقوم شخص ومن تلقاء نفسه بإدلاء بمعلومات كاذبة إلى الجهات المختصة من شأنها ملاحقة الغير قانونيا والإضرار به، سواء كان ذلك كتابيا أو شفويا. وقد تصدى القانون العماني لهذه الأفعال وجرّمها بنص المادتين 223 و224. حيث يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (٥٠٠) خمسمائة ريال عماني كل من أقدم بأي وسيلة على نشر خبر ارتكاب جريمة لم ترتكب فعلا، وهو يعلم أنّها لم ترتكب، أو أبلغ السلطات المختصة بأي طريقة كانت عن وقوع جريمة أو خطر أو حادثة أو كارثة لا وجود لها، أو أبلغ السلطات المختصة عن أمور يعلم كذبها في جريمة واقعة.

وأوضح أنّ المُشرِّع وضع عقوبات شديدة تصل إلى الإعدام أحيانا على جرائم الافتراء التي ينتج عنها تنفيذ عقوبات إعدام على المتضررين منها، وقد يتساءل البعض أحيانا ما الداعي لأن يدلي شخص ما ببلاغات كاذبة قد يرجع أثرها عليه وتضره، حيث إنّ هناك أسبابا عديدة للبلاغات الكاذبة فبعضها يعود إلى جهل المبلغ وقلة وعيه فكثير من المراهقين يقومون بهذه البلاغات هاتفيا من باب التسلية غير مدركين لخطورتها ونتيجتها. كما أنّ هناك بلاغات كيدية يدلي بها الأزواج والمطلقون في ثورة غضبهم من أجل الإضرار بالطرف الآخر والانتقام منه نتيجة الثوران العاطفي، وتحميل الطرف الآخر عواقب الفشل العائلي، وأحيانا يكون البلاغ نتاج الاستهتار وعدم المبالاة؛ فالمُبلِّغ قد يقوم بالتبليغ عن سلوك غير مجرم قانونا لكنه غير مقبول في عُرفه وعاداته.

وزاد أن البلاغ الاكثر شناعة هو أن يقوم المُبلِّغ بالإدلاء بمعلومات كاذبة عن شخص لمجرد الإيقاع به ويدحض بلاغه بأدلة مكذوبة راجيا من ذلك الحصول على انتقام شخصي أو إيذاء محض ناتج من الحسد والكراهية والبغضاء فمثل هذه البلاغات لا تصدر إلا من مرضى النفوس وعديمي الضمير وهي قليلة ونادرة، وهناك نوع من البلاغات المكذوبة التي يقصد بها صاحبها ابتزاز المبلغ ضده والحصول على مصلحة مادية أو معنوية، وفي هذا النوع تتداخل الجرائم وتتعقد فقد تكون المُبلَّغ ضده قد ارتكب فعلا جريمة ولكن المبلغ يساومه إمّا بالتبليغ عنه وإمّا إجابة مطلبه، وهناك يقع المُبلِّغ في جريمتين الابتزاز والتستر على الجريمة، وأحيانا المُبلَّغ يختلق الجرم والأدلة فيهدد بها المجني عليه ويبلغ عنها السلطات إذا رفض المجني عليه الرضوخ لمطالبه ويكون المُبلِّغ قد وقع في جرم البلاغ الكاذب والابتزاز.

وذهب المحامي نزيه غالي إلى أنّ الهدف من البلاغات الكيدية هو ابتزاز الطرف الآخر والتشهير بسمعته والنيل منه بتقديم بلاغ كيدي ضده بالرغم من علمه اليقيني بعدم صحة الواقعة، ويندرج تحت ذلك أيضًا استخدام أي وسيلة على نشر خبر كاذب بارتكاب جريمة لم ترتكب فعلا، ومن تلك الجرائم الأخبار الكاذبة التي يقوم بنشرها الصحفيون.

حيث إنّ القانون العماني جَرّم هذا السلوك واعتبره سلوكا إجراميا يعاقب عليه فاعله عند ثبوت كيدية البلاغ المقدم منه ويعرضه للمسائل القانونية وتعرضه لعقوبات حبسية.

وأضاف أنّ القانون العماني الجديد جرّم هذا الفعل بموجب نص المادة (223) والتي تصل عقوبة البلاغ الكاذب فيه إلى السجن ثلاث سنوات وبغرامة تصل إلى (500 ر.ع)

كما جاء بقانون الجزء العماني بالمادة (224) عقوبة للشخص الذي ينسب لشخص جريمة يعلم أنه لم يرتكبها أو اصطنع أدلة على ارتكاب جريمة لشخص، وإدراجها إلى اسم عقوبة الافتراء بأن يسند لشخص جريمة لم يرتكبها أو يختلق أدلة لارتكابها فقد تصل العقوبة إلى الإعدام. وذكر أنّ نص المادة 231 من قانون الجزاء العماني قد جرّم أيضًا الشهادة الزور أو إنكار للحقيقة أو كتمها فتكون العقوبة، فقد تصل العقوبة إلى السجن ثلاث سنوات وفى حالة نتج عن العقوبة حكم ونفذ وجب ألا تقل عقوبة الشاهد الزور عن الحكم المنفذ أي قد يصل إلى الإعدام.

وأشار إلى أنّ من أبرز القضايا الكيدية جرائم إهانة الكرامة والضرب وهو ما يهدد الأشخاص بزجهم تحت طائلة قانون الجزاء، وإجراء التحقيقات من الجهات القضائية، والتشهير بسمعتهم وابتزازهم.

 

تعليق عبر الفيس بوك