معلمي.. شكرًا

 

حمد بن صالح العلوي

كل ما أشرقت شمس يوم جديد يتهيأ كل منّا زرافات ووحدانا إلى مقر عمله أو مدرسته "وكل في فلك يسبحون" وأشدنا بهجة وفرحا أبناؤنا وبناتنا وهم يحملون كتبهم ودفاترهم متجهين إلى مدارسهم؛ وهم يرسمون على محياهم مستقبلا زاهرا في بلد يهتم بالعلم والتعليم فهنيئا لهم.

"سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة" قول سطّره الزمان وترجمته الأيام وها نحن ولله الحمد في كل قرية من قرى محافظات السلطنة وفي كل منطقة وحي بادية وحاضرة صرح علمي يتلقى فيه أبناؤنا وبناتنا شتى علوم المعرفة.

سأسرد قصصا من الواقع فذات يوم كنت أتحدث مع أحد زملائنا عن واقع التعليم مقارنة مع زمن التكنولوجيا والزمن القديم والأيام الخوالي التي عشنا أحلاها وانغصها وما فيها من فرح وحزن حيث أوضح محدثي قائلا: في بداية كل عام دراسي وكعادتي بعد التحيّة والسلام وطيب الكلام والترحيب بالطلبة وتوجيههم وتزويدهم بالنصائح والإرشادات وتعريفهم بمرافق المدرسة لأنهم طلبة جدد مقيدين في الصف الخامس الأساسي؛ فهم في السنة الأولى لهم وفي مدرسة جديدة عليهم التعرف على كل صغيرة وكبيرة في المدرسة وعليهم أن يتأقلموا فيها وتابع محدثي قوله: وأقوم بعمل اختبار قراءة لهم لأميز المجيد من المتوسط ومن الضعيف إلى غير ذلك لتوزيع المهام والواجبات كلا حسب استطاعته وقدراته وأكثف الجهد على المتدني تحصيلا. وقص لي محدثي حادثة مع طالب لا يجيد القراءة ولا الكتابة حيث قال: بعد أن أنهيت الاختبار مع كل الطلبة وجدت أربعة طلاب دون المستوى المطلوب في القراءة والكتابة عندئذ تواصلت مع أولياء أمورهم لعمل اللازم لتكثيف الجهود من المدرسة والأسرة معا.

ولقد شدّني طالب لا يجيد القراءة ولا الكتابة ولكن عيناه تقول غير ذلك فلعله خجل أو مرعوب أو ربما خائف من مدرسته الجديدة أو من المعلم، ربما لأنّه في السابق كان مع معلمات.

وتابع محدثي قوله: فجلست أراقبه من بعيد مرة في الاستراحة ومرة أخرى في حصص الرياضة المدرسية وغيرها من الأوقات.

وأبادر بالسؤال عنه بين فترة وأخرى وأسأل المعلمين وزملائه الطلبة فتبين لي أنّه طالب عادي يلعب ويلهو ويتحدث كسائر الطلبة ولكن قلت في نفسي: ما الذي يخفيه هذا الطالب من أسرار؟

ففكرت بأن أجلس معه حتى يتحدث عمّا يكن في صدره من أمور وحتى أكسر الجليد وأقرب الطالب إلى نفسي حينها ناديته فلان.. فلان.. فلان.. جاء الطالب مهرولا ووقف بجانبي ومد يده مصافحا قائلا: أستاذ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرددت التحية بأحسن منها ثم قلت له: اجلس.

جلس الطالب وقلت له: سأسألك وعليك أن تجيب بصدق، يجيب الطالب على مضض ومرة أخرى يسكت ولا يتكلم إلا بعد تفكير أو أنه لا ينبس ببنت شفة حيث كان يتجنب الإجابة عن الأسئلة وأحيانا يجيب بكل ثقة وببراعة وذكاء.

ثم جاءتني فكرة بأن أتصل بوالديه أو ولي أمره لعلني أجد إجابة واحدة شافية على أسئلتي وقد حصل ولله الحمد. حيث اتصلت بولي أمر هذا الطالب وأثناء الحديث تبين لي ما يخفيه الطالب من أمور.

بداية المكالمة..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطاب وقتك معك الأستاذ محمود البلوشي معلم لغة عربية للصف الخامس وابنك في الصف اللي أدرسه. فقال لي ولي الأمر: أهلا بالأستاذ محمود ومرحبا بك.

قال استاذ محمود: ابنك لا يجيد القراءة ولا الكتابة. قال ولي الأمر بعد تنهد وتفكر: نعم قد أصبت ابني لا يجيد القراءة ولا الكتابة.

قال الأستاذ محمود: نعم وأنت تعلم بهذا فقال ولي الأمر: ابني هذا هو من يصلح الأشياء التي تتعطل في المنزل وسأسرد عددا من الوقائع ربما تستغرب منها.

في إحدى الليالي قام بتركيب مصباح على جدار المنزل الخلفي ومرة قام بتوصيل سلك كهربائي إلى سلك الغسالة القصير وصار سلك الغسالة أطول بحيث يصل إلى مفتاح الكهرباء.

وأزيدك خبرا غيره يا أستاذ محمود: ومرة أصلح لعبة أخيه الصغير، وذات مرة أصلح كرسي خشبي قديم مكسور، وأخذه للبحر معي لصيد الأسماك فكان يصطاد الأسماك ببراعة إنّه أفضل مني ولم أعلمه شيئا فقط كان ينظر إليّ.. وأنهى الأستاذ محمود البلوشي قائلا: العبرة ليس كل طالب لا يجيد القراءة ولا الكتابة فاشل -"انتهى".

قيل إنّ وزارة التربية والتعليم في دولة مجاورة كلفت مفتشا من مفتشيها بزيارة إحدى المدارس وفي الطـريق تعطلت سيارة المفتش فوقف حائرا رافعا غطاء محرك سيارته.

عندئذ مر طفل فسأله إذا كان يريد المساعدة فقال المفتش: وهل تفهم شيئا عن السيارات فردّ الطفل قائلا: والدي يعمل ميكانيكيا وأساعده أحيانا فألقى الطفل نظرة على المحرك وطلب من المفتش مجموعة من المفاتيح والأدوات وبعد دقائق من العمل والمفتش يراقب الوضع باندهاش طلب منه الطفل تشغيل المحرك وفجأة عادت السيارة تعمل من جديد.

شكر المفتش الطفل وسأله لماذا لم يكن في المدرسة في هذا الوقت أجاب الطفل: لأن المفتش سيزور مدرستنا اليوم ولأني الأكثر غباء في الصف كما يقول المعلم أمرني ألا أحضر اليوم وأبقى في البيت -"انتهى"

همسة..

كلمة شكرا لا تكفي فالمعلم الشمعة التي لا تحترق كما يقولون فلك الله أيها المعلم ووفقك ويسر أمرك وجعلنا من المتعلمين، يشكرون ربّهم على كل نعمة أنعمها عليهم ونحمد الله تعالى أننا نعيش في بلد همها التعليم وبلوغ أبنائها في السمو دوما..

معلمي شكرًا.

al3alawi33@gmail.com