شرف لا يستحقه هؤلاء "المجنَّسون"!!

مسعود الحمداني

قبل النهضة المباركة وبعدها، رحل الآف العمانيين إلى الدول المجاورة، وجدوا هناك ما يحلمون به من مال ورفاهية واهتمام، فقرر الكثير منهم أن يسلِّموا جوازات سفرهم، وتجنَّسوا بجنسيات تلك الدول، وعاشوا هناك واعتاشوا وأصبحوا اليوم في مراكز عليا مرموقة، ونسوا مع الأيام أصولهم، وجذورهم، ونسيت الأجيال التي وُلدت هناك بالتبعية أصول آبائها وأجدادها وقبائلها، ولم يعد الكثيرون يعلمون عن موطنهم الأم شيئا، وبتروا ماضيهم، وصنعوا لهم ذاكرة أخرى، وتاريخا جديدا.

إلى هنا والأمر يبدو عاديا، ويحدث في كل مكان، غير أن المفارقة بين "المجنّسين" ذوي الأصول العُمانية وغيرهم، أن كثيرا من هؤلاء نسوا في خضم الحياة والمال أن عُمان هي الأصل الذي لا يمكن لأي "منفصل" عنها أن يتبرأ منها، أو أن يتجاهلها، مهما حاول البعض منهم -بدناءة نفس- التقليل من شأن الوطن الأصل، ومحاولة تهميش ما لا يُمكن تهميشه، ونسي هؤلاء أنهم بذلك ينتقصون من أصولهم، بل إنَّ كثيرا منهم ادَّعى أن أصولهم تعود لدول أخرى وبيئات هم أنفسهم لا يعلمونها؛ كي يقتلوا كل انتماء لهم بوطن آبائهم وأجدادهم، ولا أدري في الحقيقة سبب هذا الحقد الذي يحمله هؤلاء "المجنّسون" تجاه أصولهم، وما هي عقدة النقص التي يعيشونها، وتلك "الشيزوفرينيا" التي يحيون بها في مجتمع هم في الأساس غريبون عنه، وكيف لهؤلاء الكائنات اللامنتمية أن تسحق كل ماضٍ يذكرهم بوطنهم "القديم"؟!! وما الضير في أن يعلنوا أنهم عمانيون أبا عن جد؟!

لا أذكر جنسا عربيا أو أجنبيا يتجاهل أصوله، ويدفنها في الرمال مثلما يفعل كثير من هؤلاء "المجنَّسين" ذوي الأصول العمانية؛ فاللبناني أو المصري أو السوري أو الهندي أو أي كائن بشري يفخر بجذوره الأصلية، ويزور مسقط رأسه، ويعلنها في كل مكان أنه من الأصول الفلانية، أو البلاد العلانية، ونحن نعرف آلاف العلماء والمفكرين والعباقرة العرب والأجانب الذين يحاولون أن يفيدوا أوطانهم الأصلية كنوع من الاعتراف بفضل المكان الأول، إلا أن أصحابنا (نصف العمانيين) الذين تمرَّغوا في وحل المال لا يفعلون ذلك، ولا يريدون أن يذكروا، أو يتذكروا، بل إن بعضهم أشد عداوة وبغضا لهذا الوطن من أعدائه أنفسهم (إن وجدوا)؛ حيث يقوم بعضهم بشتم وسب وقذف هذا الوطن، وهو وطن آبائه عبر تغريدات تشمئز منها النفس، مع أن أهلهم ومنازلهم ومزارعهم وآثارهم في عُمان تدل عليهم، وتعرفهم بالاسم والفعل!!

إن شعور هؤلاء البعض بالدونية والنقص ليس له ما يبرره إلا الجحود والنكران لبلاد ضمّتهم، ووطنٍ عاش أجدادهم وآباؤهم في كنفه، ومن يكن هذا طبعه فلا أب له ولا أم غير المال، وكما ذكرتُ، فلا ضير في أن ينتمي أي كائن إلى أي وطن يريد، ولكن ليس من حق أي "منسلخ" أن يذم ويشتم أصوله التي لو عرفها حقَّ معرفتها لافتخر بها، ولرفع رأسه عاليا في السماء لأنه ينتمي لهذه التربة الطاهرة التي لا يشرّفها أن يحمل مثل هؤلاء جنسيتها، أو أن ينتموا لترابها، وحتى لا أعمم ، هناك أسر ظلت وفيّة لجذورها العُمانية رغم أنه تجنّست بجنسيات أخرى، ولكنهم ظلوا على وفائهم للوطن الأصل، بل إنهم يفاخرون بأصلهم وهويتهم الأم، حتى إن بعضهم قال لي ذات مرة: "أنه لولا أن لديهم أصلا ينتمون إليه، لما حصلوا على جنسيات دولة أخرى، ومن لا يعترف بأصله العُماني فلا شك أنه لا أصل له.."، وهذا هو الكلام العقلاني المنطقي الذي يحترمه حتى أولئك المسؤولين في الدول الأخرى التي تمنح جنسيتها لهم.

مرة أخرى.. من حق أي شخص أن يحصل على جنسية دولة أخرى، غير أنه ليس من حقه أن ينتقص من شأن هذا الوطن العظيم، مُعتقدا أنه بذلك يرفع قدره، وهو في الحقيقة يهبط بنفسه إلى الدرك الأسفل من الذلّة وعقدة النقص المركّب الذي لن يتعافى منه طيلة أجيال وأجيال.. فمن لا أصل له لا قيمة له.

Samawat2004@live.com