هل نريد وظيفة أم اقتصادا مستداما؟

خلفان الطوقي

كما هو معروف أن من ضمن أولويات أي شخص منا هو الحصول على الوظيفة التي تضمن له دخلا ثابتا ليعيش حياة كريمة، ويتمكَّن من قضاء حاجاته اليومية والمستقبلية. أما الحكومة، فتسعى لأن تساعد الفرد في الحصول على الوظيفة ليكون المجتمع آمنا: سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وليعيش المجتمع حياة طبيعية بعيدا عن منغصات الفقر والجريمة والعوز.

هناك ثوابت، ومعظمنا يتفق عليها، وهي أن مشكلة التوظيف توجد في كل أنحاء العالم، مهما كانت القوة الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك؛ ومشكلة الباحثين عن عمل ستستمر باستمرار الحياة، وسيزداد عدد الباحثين عن العمل بازدياد الكثافة السكانية في أي بلد؛ وسوف تستمر مطالبة الناس من الحكومة بفرص وخدمات أفضل؛ كما سيستمر الحوار الانتقادي بين طرفي المعادلة الحكومة والمواطن مستمرا؛ أما ما هو ليس من الثوابت، فهو كيفية تعامل الحكومات مع هذه الظاهرة.

في شهر أكتوبر عام 2017م، أعلنت الحكومة وتعهدت بتوفير 25 ألف فرصة للباحثين عن عمل؛ وقامت بعدة مبادرات بالتعاون مع القطاع الخاص والأجهزة العسكرية، وإنشاء منصات هدفها تسريع عملية توظيف ما وعدت به الحكومة؛ وأنجزت جزءًا من هدفها؛ وبإذن الله ستحقق ما تبقى خلال الأشهر القليلة المقبلة؛ ولكن: هل سيتكرر هذا الوعد الحكومي كل ستة أشهر، وهو سيتم اختيار نفس الرقم، أم سينقص أو يزيد؟!

عموما.. وحسب الواضح، فإن الحكومة أمام خيارين؛ أحدهما أن تعلن عن مثل هذه الوعود والمبادرات بين الحين والآخر، والتعامل حسب المعطيات التي تمر بها البلاد، كأن توظف عددا معينا من الباحثين عن فرص وظيفية؛ وهنا تبدأ حالة التشنج والارتباك على الجهات المعنية بالتوظيف، وممارسة الضغط المستمر على الشركات بضرورة التوظيف، ليصل الأمر إلى أخطاء فردية تصل للابتزاز أو التهديد لتحقيق الهدف المنشود، وهو الوصول للرقم الذي يتوافق مع الوعد.

أما الخيار الثاني، فهو أن ترفع الحكومة يدها عن التوظيف؛ على أن ينصبَّ اهتمامها بالمحافظة على النمو الاقتصادي؛ وبالتالي خلق فرص عمل بشكل مستدام؛ وذلك من خلال حزمة من الإصلاحات الاقتصادية كإعادة هيكلة الإجراءات والتراخيص الإدارية لضمان ديمومة هذه المؤسسات، وإنعاش الاقتصاد من خلال مراجعة الرسوم السنوية ورسوم المعاملات والتراخيص التجارية الأخرى وتوقيت رفعها أو إنقاصها حسب الظروف الاقتصادية المحيطة؛ والاقتراب من أصحاب الأعمال، وتفعيل اللجان القطاعية المتخصصة، والاستماع لرؤى اللجان الاقتصادية في مجلسي الدولة والشورى؛ وتقديم تسهيلات تنافسية إضافية لضمان مزيد من الاستثمار الخارجي؛ وتنسيق العمل بين جميع أجهزه الدولة دون تحميل جهة واحدة كتحميل وزارة القوى العاملة المسؤولية كاملة.

وختاما.. أرى أن الخيار الثاني هو الأنسب؛ لأنه سوف يضمن المحافظة على النمو الاقتصادي بشكل سنوي؛ كما أن هذا الخيار ينظر للموضوع من جوانبه المختلفة ويهتم بالاقتصاد الكلي؛ وينظر لعملية التوظيف كأحد العناصر الموجودة ضمن منظومة الاقتصاد الكلي؛ ويتبع فلسفة بسيطة وهي التعامل مع ملف التوظيف كملف مطروح بشكل مستمر، وليس ملفا وقتيا؛ وهو مبنيٌّ على نظرية إن كان الاقتصاد قويا؛ فإنَّ التوظيف سيظل مستمرا، ويضمن حياة كريمة للفرد، ويتيح للجميع من أفراد ومؤسسات -مواطنين ومقيمين- فرصَ التقدم والتطور؛ والذي سينعكس على الدولة بوجه عام.