محطات.. "القائد جيبا"!

 

المعتصم البوسعيدي

في الثالث والعشرين من العام 1976م ولد "جيلبيرتـو أماوري دي جـودوا فيلهوا" في مدينة لوندرينا جنوب البرازيل، وقد تم تشخيص حمله لمرض "اللوكيميا" وهو في الستة أشهر الأولى من عمره ضمن نطاق عدة أطفال آخرين، لكن حياته مضت واشتد عود الفتى ذي الشخصية العصبية، وعلى هذا اختار السباحة وكرة الطائرة -على غير عادة أبناء السامبا- كرياضة مفضلة حتى لا يدخل في احتكاك تفرضه الرياضات الأخرى، وتتجه به إلى مرحلة العنف مع مرور الوقت.

امتهن جيلبيرتو كرة الطائرة لأول مرة في العام 1993م؛ حيث لعب في نادي سينتانـوا بولاية ساو باولو "مدينة القديس بولس" ثم تنقل بين مجموعة من الأندية البرازيلية لم يحظَ معها ببطولات حتى موسم (2000/2001م)، ونظرًا للسنوات العجاف التي عاشها في بدايته مع هذه الأندية أُطلق عليه اللقب الشهير الذي سيرافقه طول حياته "جيبا" أي جالب الحظ السيئ، هذا اللقب انقلب معناه اللفظي تمامًا في واقع حياة جيبا؛ فقد تحول إلى "مكنسة" ألقاب مع المنتخب والأندية، وحتى على المستوى الفردي، وأصبح بذلك رمزًا لكرة الطائرة العالمية، ومن أفضل لاعبيها على مرِ التاريخ إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق.

علاقة جيبا مع منتخب بلاده علاقة التصقت بالعصر الذهبي للطائرة البرازيلية (2002-2007م)، مع جيل حقق كل شيء بإدارة فنية من المدرب الكبير برناردو ريزندي وقيادة ميدانية لجيبا وفريق استثنائي ضم دانتي وأندريه وغوستافو وأندريه هيلر وريكاردو غارسيا وسيرجيو سانتوس، حصد معهم -أي جيبا- ومع غيرهم ما يقارب أو يزيد على 30 لقبًا، أذكر منها: 8 دوريات عالمية ومثلها بطولات أمريكا الجنوبية، وذهبية أولمبية واحدة في أثينا مع فضيتي بكين ولندن، و3 كؤوس عالم، مقرونةً بإنجازات فردية منها: أفصل لاعب في أولمبياد أثينا 2004م، والعالم عام 2006م، وكأس العالم للرجال 2007م، وهو العام نفسه الذي نال فيه أيضاً لقب أفضل لاعبي دورة الألعاب الأميركية، علاوة على ألقابه مع الأندية في البرازيل وإيطاليا وروسيا والأرجنتين قبل أن يحط رحاله في مدينة دبي وناديها الأزرق نادي النصر عام 2014م كختام رحلة طويلة أستمرت عشرين سنة ونيف.

... إن محطة "جيبا" محطة ذات عبرة ودروس على المستوى الشخصي أو المهني، فقد كان صاحب "كاريزما" قيادية تشعل الحماس في المجموعة، بارع في مركزه كنجاح، ضارب قوي بالرغم من عدم طوله الفارع الذي عوض بقدراته الفذة على القفز، أما على المستوى الشخصي، فجيبا شخصية متواضعة وناشطة في المسؤولية الاجتماعية، وهو داعم لإحدى حملات الأيتام، ويحتفل باليوم الأولمبي مع 600 طفل من المشاريع الاجتماعية في ريو دي جانيرو،  كما أنه نشط في حملةٍ ضد سرطان "البروستاتا"، إضافة لرئاسته لجنة الرياضيين في الاتحاد الدولي لكرة الطائرة "FIVB"، ويجيد جيبا ثلاث لغات: البرتغالية، الإنجليزية، والإيطالية.

لدى جيبا فسلفة جميلة تتلخص في مقولته المقتضبة: "شعار حياتي.. أتعلم طالما أعيش"، وصفه المدرب ريزندي بأنه لاعب رائع ودائمًا مستعد للعب في الأحداث الكبيرة، ولطالما كان جيبا حريصًا على نقل خبراته لنشر وتطوير اللعبة وهذا ما ذكره عند انتقاله للعب في الأرجنتين والإمارات، وقد درس جيبا مع نهاية مسيرته الرياضية -كلاعب- التسويق الرياضي، وهو الذي كان نجم شباك العلامات التجارية الذي تتهافت عليه كبرى الشركات العالمية، حتى إن ناديه البرازيلي تايباتي فينفيك رفض الاستغناء عنه لصالح النصر الإماراتي، واستخدموا عدة وسائل للعدول عن قراره "بمخاطبة غراسا رئيس الاتحاد الدولي للطائرة باعتباره والده الروحي، وقد خسر النادي البرازيلي نصف مليون دولار بسبب رحيله نتيجة عقود إعلانية ألغيت، وقنوات تليفزيونية أنهت عقود بثها لمباريات الفريق في الدوري البرازيلي"، في إشارة لقيمة اللاعب ومدى الهالة الإعلامية التي ترافقه أينما ذهب وأرتحل.

وختامًا.. القارئ لمحطة النجم البرازيلي ومسيرته الحافلة، سيجد الكثير من الوقفات المُلهمة، لعلَّني أختم بإحداها والمتمثلة في التقدير الذي حظيَّ به؛ حيث أصدرت اللجنة الأولمبية البرازيلية فيلم وثائقي تحت عنوان "أبطال الأولمبية لجيبا" وكتاب سيرته الذاتية الذي تُرجم إلى لغتين البولندية والإيطالية. فهلَّ وعينا لماذا وكيف نقدر هؤلاء الأبطال؟!