الإعلاميون بين الحرية ومارد السيطرة

هلال بن سالم الزيدي

 

تعيش الساحة الإعلامية خلال هذه الفترة مرحلة خطب الود وتعزيز الولاءات وتوسيع شبكة "القُبلات" للظفر بأصوات تحتاجها بعض القوائم للتربع على عرش الجمعية التي يقال: إنها ولدت من أجل أن تبقى الحصن الذي يُلملم شمل الشتات ويضع النقاط على حروف الكلمات وفقاً لأخلاقيات المهنة المُتعِبة، والمتخمَة بالمفارقات كما يُسميها البعض والتي سُطّرت على نهج شريعة حمورابي؛ إلا أنَّ البون بين الشريعتين شاسع كالفرق بين التبر والتراب.. ولكن ولإحياء الأمل في القالب الإعلامي المُتناقض والمتكلّس يحاول ثُلة من الأولين وقليلٌ من الآخرين إعادة رسم اللوحة باستخدام كل الوسائل والطرق المؤدية إلى ذلك العرين" المُغري" في الخفاء والمتعب في العلن بكل الفرضيات والاعتبارات.

الهدف الأساسي هو الوصول إلى "السدّة" عبر حزمة من الولاءات (بيع.. شراء.. فرض.. سيطرة.. طعن.. مساومة.. ليّ ذراع.. إلخ) إلا أن الورقة الرابحة التي بدأت التوغل إلى تجربة القوائم هي ورقة " التجديد" لضمان الصوت، ومع تطوراتها أصبح على القائمين على إدارة المؤسسات الإعلامية توجيه هذه الورقة للضغط على كوادرها لإنجاح قائمة دون غيرها لأسباب "حُبية" أو ممارسة نوع من التحدي ضد مؤسسات منافسة أو نكاية في أفراد بعينهم، وبالتالي يقع العضو الناخب في حيرة من أمره فهل ينتصر لحرية التعبير أم يبقى أسير التوجيه في اختيار القائمة المُناسبة وخصوصاً بعد قيام الكثير من المؤسسات بإدراج قيمة تجديد العضوية تحت بند العطاء حيث تقوم بتحمل كُلفة التجديد لضمان الصوت، وهذا ربما لا ينطلي على من يرفع شعار الصوت أمانة، ولكن يبقى الأمر بعيداً عن النزاهة التي تعطي العضو حرية اختيار القائمة التي تكون إيجابية لقيادة المرحلة، وإحداث نوع من التجديد على اللوائح المنظمة لعمل الجمعيات.

 يقال: عليك أن تتحالف حتى مع الشيطان في سبيل أن تفوز بالكرسي الذي ستجد نفسك به على المستوى الوظيفي والإعلامي والاجتماعي، وهذا ما يُفسر التمسك لأعضاء ثابتين، لربما الاعتقاد بأنّ كرسي العضوية يختصر لك طرقاً كثيرة، ويفتح لك أبواباً كانت موصدة أو لعله يُلبسك هالة الحصول على منصب وزاري تختم به أحلامك، وهذا الفكر ليس قطعياً أو عاماً وإنما استقراءً لما تشهده الجمعية منذ عام 2004؛ حيث لم تكن ذلك المثوى الذي يشكل عنصر جذبٍ لمزاولي المهنة على تعدد مؤهلاتهم ومشاربهم وإنما شكّل تحزبات أضعفت من قوة هذا الكيان، فتاهت المبادئ وتحولت إلى تصرفات فردية كأن الجمعية أملاكا خاصة.

لا نستغرب اعتماد البعض على قوة التأثير المبنية على إشهار يمين الحلف عندما يريدون كسب مؤيد لكسب صوت من الأصوات، وهذه من الطرق الاستفزازية حيث يذهبون إلى بعض المؤثرين ويستحلفونهم بالموافقة على ترشيحهم، وهذا يعود للشخص ذاته في عدم رغبته إبراز سيف الممانعة أو قول الرأي الصواب في وجوههم، لذلك يضطر البعض إلى مسايرتهم، وهذا ينم عن ضيق ثقافة التعامل، كما أن انتشار رأي فرد عن مجموعة أو قائمة يضاهي سرعة الضوء، لأنَّ الوضع اعتمد على "القيل والقال"، ووصلنا إلى مرحلة تشويه السمعة إذا أشهر عضو ما رأيه بصراحة تامة مع وضعه في "القائمة السوداء"، وهذا يُنافي الحرية التي نتحدث بها في كثير من المحافل.

قوة التغيير مرتبطة بقوة الجمعية العمومية وخاصة في مسألة اللوائح المنظمة للجمعية، فعندما تكون مهلهلة وضعيفة فبالتأكيد لا تستطيع أن توقف مد الاختلافات، وهذا ما يدفعنا إلى التفكير في مكوناتها: فهل جميع العاملين في المؤسسات الإعلامية ينتمون لها؟ أم أنها تتشكّل فقط من مجموعة المراسلين وبعض الوافدين وقليل من "اللي بالي بالك"؟ وما هو موقع أصحاب المؤهلات الإعلامية غير العاملين في المؤسسات الإعلامية؟ مع التأكيد بأنهم يمثلون المصدر المثري لكثير من الفنون الإعلامية، وما هي المبادرات التي قدمتها الإدارات المتكررة والمتعاقبة في استقطاب الأسماء الإعلامية التي أسست المشهد الإعلامي العُماني؟ والذين من المفترض أن يشكّلوا الهيئة الاستشارية للجمعية، وهناك جملة من الأسئلة التي تحتاج إلى بساطٍ "أحمدي" إن جاز لي التعبير.

الكل يتفق على أن الجمعية تحتاج إلى إعادة صياغة متكاملة وخاصة في الأطر التي تنظم عملية الترشح لمجلس الإدارة حتى لا تكون حكراً على أسماء بعينها، لذلك فإنِّه من الجيد أن ترتقي تلك الأسماء بذاتها وتبادر إلى الخروج كونها استنفذت أفكارها التي باتت معلبة ومُعادة.

إننا نعوّل على الأمانة التي يجب أن يتحلى بها الأعضاء في اختيار القائمة المناسبة، مع التأكيد على ضرورة وجود برنامج انتخابي وخطط إستراتيجية واضحة خلال الفترة القادمة، لأننا لا نبحث عن الأسماء بقدر ما أننا نريد عملاً مؤسسياً يسير وفق آلية واضحة.. حتى لا تكون السيطرة المارد الذي يقوّض حرية الاختيار.

همسة

لا يمكن اعتبار صناديق الاقتراع دائماً عادلة.. خاصة عندما تكون حقاً يراد به باطل.

abuzaidi2007@hotmail.com