داي وي.. بدأ من الصفر وأصبح مليارديرا في 3 سنوات

مؤسس "OFO" لـ"الرؤية": تطبيق مشاركة الدراجات انطلق من ضاحية صغيرة ليغزو العالم في 36 شهرا

...
...
...
...
...
...

≥ بدأت مشروعي بعد سرقة دراجاتي 5 مرات

≥ آمنت منذ الصغر أن الأهم من وصولي للحل.. تحقيق ذلك بطريقة مختلفة

≥ التطبيق الذكي يسهم في تقليل زحام بكين بنسبة 8%

≥ والدي رفض الفكرة والغالبية توقعوا فشل مشروعي.. لكن والدتي شجعتني

من بين 6 مليارات نسمة حول العالم، هناك المئات -وربما الآلاف فقط- يصلحون أن يكونوا قدوة ونماذج ملهمة للنجاح على أرض الواقع، ومن بين هؤلاء داي وي الشاب الصيني ابن السابعة والعشرين، فهو ليس مجرد نموذج لشاب بدأ مشروعا ونجح فيه سريعا، لكنه ملهِم بأفكاره وطريقة تعاطيه مع الحياة. استطاع الشاب الصغير أن يدهش الجميع -خلال اللقاء الذي انفردتْ به "الرؤية" معه، خلال زيارة قصيرة للسلطنة، قبل أيام- ليس فقط لقدرته خلال 3 سنوات على امتلاك مشروع بمليارات الدولارات، وإنما لأنه ببساطة وضع أيدينا على مفاتيح حلول لمشكلة تعاني منها الكثير من الدول، وهي قلة فرص العمل المتاحة للشباب. وعن ذلك يقول: "منذ كنت طفلا، لم يكن همي عند عمل الواجب المدرسي أن أصل للحل، لكن أن أستطيع الوصول إلى الحل بطريقة مختلفة"، وهو تعبير يصلح أن يكون تعريفا للابتكار، فهذا الشاب نبتت بداخله بذرة الابتكار منذ الطفولة بالبحث بنفسه عن مسار يختلف عن المسار الموضوع للوصول للهدف في المناهج.

الرؤية - نجلاء عبدالعال

تصوير/ راشد الكندي

داي وي.. الرئيس التنفيذي لواحدة من كُبرى شركات دراجات المشاركة في العالم؛ حيث تبلغ قيمتها حاليا أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي، لكنه قبل 4 سنوات فقط وتحديدا في 2014، كان مُدرِّسا متطوعا في إحدى مناطق غرب الصين الفقيرة، وكانت هذه المدرسة تبعد نحو 17 كيلومترا عن المكان الذي يسكن فيه، وللوصول إليها كان عليه أن يعتاد وسيلة مواصلات واحدة كخيار وحيد تقريبا، مع عدم وجود طرق جيدة للنقل العام، هذه الوسيلة كانت الدراجة الهوائية، لم يترك عمله التطوعي في مدرسة نائية، ولم يكن جهده البدني في هذه المسافة هو أصعب تحدياته، لكنَّ سرقة دراجته، واضطراره لشراء أخرى، ثم ثانية، ثم ثالثة، ورابعة، وخامسة، وفي كل مرة تُسرق دراجته، وفي كل مرة من مكان مختلف. ولأنها لم تكن مشكلته وحده، بل كانت ظاهرة لا يسلم منها صغير أو كبير، وكانت المشكلة هي لغزه الذي عمل على إيجاد حل لا يقتصر على درجاته وحده؛ فابتكر تطبيقا ونظاما للتنقل عبر الدراجات والمشاركة فيها، لتصبح الدراجة في مهمة نقل راكبيها حتى وإن لم يكونوا مالكيها.

اختار اسمًا بسيطًا لأن شكل تركيبته تُمثل شخصا يركب دراجة "OFO"، وعندما أسس داي وي أوفو مع زملائه أعضاء جامعة بكين، ما بدا أنه ناديا للمشاركة، وليس شركة في العام 2014، كان لديهم فقط 400 يوان صيني أي نحو 60 دولارا فقط، ولكن وبعد 4 سنوات، أصبح ما بدأ بحل لمشكلة بسيطة ورغبة في وضع وسائل النقل العام أكثر ملاءمة للبيئة، شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمتها أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي، وأسطول من أكثر من ستة ملايين دراجة من "الدراجات الصفراء"، في جميع أنحاء العالم مع ما يناهز مليار رحلة تقريبا. وقد اجتذب نجاح أعمال الشركة اهتمام مستثمرين ذوي أسماء كبيرة؛ مثل: على بابا وتينسنت...وغيره من كبار المستثمرين على مستوى العالم. وللتعرف أكثر على التجربة وصاحبها، كان لـ"الرؤية" حوار خاص معه.

≥ ما هو تطبيق "OFO"، وكيف بدأ؟

- "أوفو" بدأ في العام 2014، عندما فكرنا في الاستفادة من التكنولوجيا الذكية لتحسين ركوب الدراجات كوسيلة مستدامة وآمنة من وسائل النقل. وخلال دراستي في جامعة بكين، تحدَّثت مع عدد من زملائي في فكرة أن نستخدم الدراجات بالمشاركة، وبمقابل بسيط للرحلة، على أن يجري طلبها عبر تطبيق على الهاتف. وخلال فترة ليست طويلة، اقتنع حوالي 2000 طالب، بإضافة دراجاتهم إلى سجل خاص يُمكن الوصول إليه من خلال التطبيق المحمول، وسمح للمشاركين بالتبرع بتسجيل درجاتهم للمشاركة باستخدام أي دراجة مسجلة، في أي مكان، وفي أي وقت مجانا. وبسرعة أصبحت المنصة شعبية؛ حيث توسعت إلى خمسة فروع أخرى في غضون ثلاثة أشهر فقط. ونظرا لهذا الزخم، قامت الشركة بتجديد نموذجها التشغيلي ليوفر للمستخدمين دراجات موحدة، ليكون هناك إمكانية لتوحيد نظام وحجم القفل، وليكون لها شكل مميز عن غيرها.

ومن جامعة بكين بدأت الشركة في التوسع في المدن الكبرى في جميع أنحاء الصين، بل وخرجت إلى مختلف دول العالم. والآن، الخدمة مفتوحة لأي شخص في أكثر من 180 مدينة رئيسية عبر الهاتف الذكي.

≥ وهل كان من السهل أن يتبنَّى الأهل والزملاء الفكرة؟

- في ذلك الوقت، كثيرٌ من أساتذتي وزملائي وحتى عائلتي اعتقدوا أن مشروعنا وفكرتنا لن تدوم لأكثر من ثلاثة أيام، وكانوا يقولون إن وضعت الدراجات في الشوارع، فسوف تسرق جميع الدراجات في ثلاثة أيام على أقصى تقدير، فلماذا تغامرون بما يمتلكه زملاؤكم من دراجات. ولم يكن الأمر أكثر سلاسة في البيت. فككل الآباء، كان أبي يرى أنَّ علي أن أكمل طريقي في التعليم الأكاديمي إلى نهايته، وأن أحصل على وظيفة ثابتة بمستوى ومكتب جيد، وفي كل مرة كُنت أعود للبيت، كانت تدور مع أبي محادثات طويلة حول ما إذا كان ينبغي أن أبدأ في التواصل مع شركات كبيرة لأحصل على فرصة عمل فيها، أو أتقدم بطلب للحصول على وظيفة بدوام كامل، أو بدء أعمال تجارية "حقيقية"، كما كان يقول. وهذه الحوارات للعلم لم تنتهِ سوى قبل عامين فقط.

≥ وكيف واجهت هذه التحذيرات التي تبدو مُحبطة؟

- لا أقول إنها كانت غير مُؤثرة؛ فجميل أن يجد الشاب من يُشجِّع طموحاته، لكن أعرف أن البعض يرى مصلحة أبنائه في السير على نفس المسار المحدد، لكن لأننا بالفعل كنا مؤمنين بما نفعل، ونُحب القيام به أكثر من البحث عن الربح، لذا استطعنا أن نواجه التشكيك والصعوبات التي واجهتنا.

وهناك شيء أظنه خاطئًا، وهو أن النجاح يُقدَّر بالمال الذي يجمع، وهذا ما اختبرته بالفعل؛ فهناك بالتأكيد سعادة بأن يكون الإنسان مُحقِّقا لأرباح، لكن حتى في صعوبات البدايات كنا نشعر بالسعادة لأننا نعمل شيئًا جديدًا ونحبه، وكان كل يوم يحمل فكرة جديدة لمزيد من إنجاح الفكرة. وكما ذكرت فقد كان يُمكن أن نسير على نفس الخطى المريحة التي لا تتسم بالمغامرة والتحدي، لكنَّ نجاح الأفكار هو ما يأتي بالسعادة. كذلك أسعدنا للغاية تحقيق أهداف كنا نرى أنها تحتاج عشرات السنوات لتحقيقها، مثل مشاكل تلوث البيئة والازدحام المروري.

≥ وكيف يمكن توضيح ذلك؟

- في شوارع العديد من المدن الصينية الكبرى مثل بكين، كثيرا ما تواجه انسدادا مروريا وليس فقط ازدحاما، لكن مع "أوفو" وانتشار الفكرة، أصبح بإمكان الإنسان توفير وقت كثير، خاصة في المسافات القصيرة، وهو ما أثر بالتالي في تخفيف الازدحام في الشوارع، فبدلا من عشرات السيارات لقطع بين 3 أو 5 كيلومترات، أصبح الأسهل استخدام الدراجة، ويمكن تصور حجم الانبعاثات الملوثة التي تم تجنبها عبر استخدام الدراجة كبديل عن السيارة. وفي شنجهاي، على سبيل المثال، منذ إطلاق النموذج الخالي من المحطات على مستوى البلديات، انخفض عدد رحلات السيارات التي تقل عن ثلاثة أميال بنسبة كبيرة جدا، ونتوقع أن نرى انخفاضات مماثلة في أسواق أخرى مع زيادة الانتشار.

≥ وكيف يعمل التطبيق فيما يتعلق بطرق الدفع وغيرها؟

- رُبما يعود نجاح الفكرة وانتشارها لسهولتها؛ فليس على الراغب في استخدام الدراجة سوى اختيار دراجة عبر التطبيق، ومن يرغب في إيجاد دراجة، فعليه فقط البحث على التطبيق عن الدراجات الموجودة حوله، واختيار أقربها له، ثم مسح العلامة عليها وفتحها، وبعد ذلك تركها في المكان الذي يذهب إليه، دون حتى البحث عن مكان لتركها أو إغلاق القفل؛ لأن نظام "أوفو" يعتمد على إغلاق آلي ودفع عن طريق التطبيق أيضا.

≥ كثير من الشركات تستهدف دخول السوق الصيني وتكتفي به، فلماذا لم تكتف به أنت؟

- التحدي الكبير في مشروعنا هو أن السوق الصيني كبير للغاية، قد يبدو الأمر غريبا، لكن عندما ينظر الجميع للسوق الصيني على أنه يستوعب منتجات شركة ما، فإن المنافسة تكون قوية؛ لذلك يكون الحل هو الخروج إلى أسواق أخرى، كذلك الحال في الأسواق الصغيرة مثل عُمان مثلا، فإذا كان السوق صغيرا، فلماذا يكون الإنتاج صغيرا؟ لماذا لا تنتج كميات كبيرة وتسوَّق خارج عُمان، هذا هو الحل، وهو بقدر صعوبته بسيط، وبقدر بساطته صعب؛ لأنه يحتاج جودة عالية ودراسة للأسواق الأخرى وتسويقا جيدا وأداء منافسا.

"أوفو" أكثر من مجرد عمل، وروحنا الرائدة تأتي من الحب الحقيقي لركوب الدراجات التي لا تخلو بلد منها. وفي الشركة جميعنا نعشق ركوب الدراجات كأنه في مكوناتنا، ونحن نعرف قيمة ما يجلبه ركوب الدراجة من نشاط لليوم، ونقتنع بأن لدينا رسالة اجتماعية أيضا، وهي أن لا يكون النقل مملا أو مكلفا أو ضارا للإنسان أو البيئة.

≥ وكيف تساعد منصة "أوفو" في الحفاظ على البيئة؟

- مثال بسيط، وبالأرقام، يُمكن القول إنه في المتوسط، يبلغ عدد مسافات ركوب الدراجة عبر التطبيق أكثر من 5 ملايين ميل كل يوم، في أكثر من 250 مدينة في جميع أنحاء العالم. وفي الربع الأول من العام 2017 وحده، كان الانخفاض في انبعاثات الكربون بسبب ركوبهم يعادل معدل امتصاص الغابات ثلاثة أرباع حجم ولاية رود آيلاند، وهذا يمكن أن يدلل على التأثير الذي تُحدثه "أوفو". وبجانب ذلك، تعاونت "أوفو" مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وضع وتعزيز حلول مبتكرة لتغير المناخ.

وكذلك تتعاون الشركة مع المنظمات والأفراد المؤثرين الآخرين على المشاريع المعنية بالبيئة والمجتمع. ومن بَين هذه الجهود: التعاون مع المصمم الهولندي دان روزغارد لتطوير وإطلاق دراجة "خالية من الضباب الدخاني"، وهي دراجة تمتص وتنظف الهواء الملوث.

≥ وأين يعمل تطبيق "أوفو" حاليا؟

- تتوافر خدمتنا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والصين واليابان وماليزيا وروسيا وتايلاند وسنغافورة وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وهولندا وجمهورية التشيك وإسرائيل والنمسا وكازاخستان.

≥ كيف يُحافظ "أوفو" على دراجاته؟

- كل منطقة خدمة في شبكتنا لديها فريق عمليات مُدرَّب مهنيًّا، يُشرف على الوظائف المتعلقة بالصيانة.. وتشمل التأكد من أن دراجاتنا متوقفة وفقا للقوانين واللوائح المحلية، وإعادة وضع الدراجات الهوائية عند الضرورة لضمان حماية حق الجمهور العام، وإعادة توزيع الدراجات عبر منطقة الخدمة لتلبية احتياجات المستخدمين، إضافة لتنظيف وصيانة الدراجات.

≥ وهل تصلح الفكرة في بلد مثل عُمان؟

- كانت سنغافورة إلى حدٍّ ما تشبه عُمان، وخلال يومين ذهبت فيهما لسنغافورة لاستكشاف السوق، صادفت 2 فقط يركبون دراجات، وعندما سألت عرفت أن السبب في ارتفاع الحرارة والرطوبة، إضافة لعدم التعود على ركوب الدراجات كثقافة، لكن صمَّمنا على التجربة وبدأنا بـ100 دراجة، والآن أصبح السوق يستوعب مئات الآلاف من الدراجات، واعتاد الناس على استخدام الدراجات في شوارع سنغافورة، ويمكن أن تنجح نفس الفكرة في عُمان.

≥ وأخيرا، هل تفكر في المزيد من التطوير، أو تفكر في الانتقال إلى السيارات مثلا؟

- كما ذكرت البيئة والمجتمع مهمان للغاية، وهي رسالة كل إنسان وواجبه؛ لذلك فالتفكير حاليا في السيارات الصغيرة الكهربائية.

تعليق عبر الفيس بوك