المناطق اللاصناعية..البريمي أنموذجًا!

سيف بن سالم المعمري

من يقرأ الخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم – حفظه الله ورعاه- يجد التوجيهات المستمرة للحكومة بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على القطاعات النفطية كونها عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، فضلاً عن أنها موارد غير متجددة، وكان القطاع الصناعي أحد القطاعات التي تم التركيز عليها مطلع العقد الثاني من مسيرة النهضة المباركة، حيث أنشأت هيئة منطقة الرسيل الصناعية في عام 1983م، كأول منطقة صناعية في السلطنة، وافتتحت عام 1985م، كما احتفلت السلطنة بعامي الصناعة في 1991، 1992م، ثم صدر المرسوم السلطاني رقم (4/93) عام 1993م، وبموجبه أنشئت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية؛ لتنظيم وإدارة القطاع الصناعي ووضع الخطط الداعمة لإنعاشه، وتدير المؤسسة العامة للمناطق الصناعية 8 مناطق صناعية في(الرسيل، صحار، ريسوت، صور، نزوى، البريمي، المزيونة، سمائل، بالإضافة إلى واحة المعرفة مسقط).

ورغم أن القطاع الصناعي يعد من القطاعات الواعدة في السلطنة إلا أن نمو هذا القطاع لا يزال غير مرضٍ قياسًا بالتطلعات الحكومية لتنويع مصادر الدخل، وتوفير فرص عمل للقوى العاملة العُمانية، وبحسب أحدث المؤشرات للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية، فقد شهدت طلبات الاستثمار في المناطق الصناعية زيادة بلغت 25% بنهاية يناير عام 2018م، وبلغ العدد الإجمالي لطلبات الاستثمار(76) طلباً مقارنة بـ (61) طلباً في الفترة نفسها من عام 2017، كان النصيب الأوفر منها لمنطقة ريسوت بعدد (14) طلباً، ومنطقة صحار الصناعية بعدد (12) طلباً، ومنطقة صور الصناعية بعدد (9) طلبات، ومنطقة سمائل الصناعية بعدد (7) طلبات، ومنطقة نزوى الصناعية بعدد (3) طلبات، وطلبين في منطقة البريمي الصناعية. وسأستشهد بمنطقة البريمي الصناعية التي تم إنشاؤها في عام 1998م، أي قبل عشرين عامًا، ويبلغ حجم الاستثمارات الحالية في المنطقة (218.475.384) مئتين وثمانية عشر مليونا، وأربعمائة وخمسة وسبعين ريالا عمانيا، فيما يبلغ عدد المصانع (320) مصنعاً يعمل فيها 1867 موظفاً، بينهم 530 عُمانيا، ومن أبرز الصناعات بالمنطقة البلاستيكية والفيبرجلاس ومنتجاتها والألمنيوم والصناعات الغذائية ومكملاتها بالإضافة إلى صناعات المواد التجميلية والصناعات الدوائية والصناعات والمفاتيح الكهربائية وإنتاج الأصباغ والأثاث، وصناعة المنتجات الأسمنتية بأنواعها وغيرها من الصناعات المختلفة، بالإضافة إلى وجود مجمع لشركات تعبئة وتوزيع الغاز (غاز الطبخ) ووجود مجموعة من المخازن والورش ومحلات بيع قطع الغيار.

ورغم أن منطقة البريمي الصناعية لديها إمكانيات تؤهلها لتكون من أكثر المناطق الصناعية في السلطنة نموا، وأكثرها ملاءمة لجذب الاستثمارات المحلية وغير المحلية، ورغم عمرها الزمني والمقدر بعقدين من الزمن إلا أن واقع المنطقة يتطلب حالة إنعاش من قبل الحكومة.

فحجم الاستثمارات بالمنطقة لا تزال ضئيلة جداً، ولم تستفد المنطقة من قربها من الأسواق والبيئات الاستثمارية النشطة جدًا في دول الجوار، حيث لا تبعد المنطقة عن مطار دبي الدولي أكثر من 120 كيلومترا، وعن ميناء ومطار صحار والمنطقة الحرة بـ 100 كيلومتر، كما إن المنطقة لم تحقق نسبة مقبولة في توظيف القوى العاملة العُمانية مقارنة بعدد المصانع وعدد الباحثين عن عمل من أبناء محافظة البريمي على أقل تقدير، فلو  قسمنا العدد الإجمالي لجميع الموظفين بمصانع المنطقة لوجدنا أن العدد في كل مصنع يساوي (5.8) موظف بينهم عمانيون، وهي نسبة ضعيفة جدا، ترى ما هي الأسباب! وهل وزارة التجارة والصناعة والمؤسسة العامة للمناطق الصناعية راضية عن أداء المنطقة.

وأثناء تجوالي بين زوايا المنطقة، لم أجد ما يشفع لها لتحمل اسم منطقة صناعية يعول عليها النهوض بالقطاع الصناعي في السلطنة عامة والبريمي خاصة، وقد التقيت بعدد من الشباب العماني الذي يستثمر بالمنطقة، ورواد الأعمال بالمحافظة، ووجدت حالة الاستياء من الإجراءات المعقدة والرسوم الفلكية التي تعمل بها المؤسسة العامة للمناطق الصناعية والجهات الحكومية الأخرى كوزارة التجارة والصناعة والقوى العامة والبلديات الإقليمية وموارد المياه، ووزارة البيئة والشؤون المناخية وغيرها، وعدم مراعاة خصوصية المنطقة كونها تقع في منطقة حدودية.

وأتساءل إن كان لدى وزارة التجارة والصناعة جدية في النهوض بالقطاع الصناعي في المنطقة، وإن كان لدى وزارة القوى العاملة جدية في صناعة فرص عمل للعُمانيين، وبالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى، فلماذا لا تشكل لجنة مشتركة يرأسها أصحاب المعالي الوزراء ويضعون لإنعاش المنطقة ووضع برنامج زمني لزيارة المنطقة الصناعية بالبريمي وعقد لقاءات بأصحاب الأعمال والمستثمرين والاستماع إلى تحدياتهم و (المنغصات) التي يواجهونها في بناء أحلامهم ومشاريعهم المستقبلية.

فمنذ إنشاء المنطقة الصناعية بالبريمي قبل عشرين عاماً لم أسمع عن زيارة لوزير التجارة والصناعة للمنطقة، وحينما تصدر قرارات وزارية إدارية ومالية وضرائب تتعلق بالمناطق الصناعية لا تراعى فيها منطقة البريمي الصناعية عن بقية المناطق الأخرى في السلطنة، فبنظرة العين المجردة بدأ المستثمرون في نقل مشاريعهم إلى مناطق صناعية بدول الجوار كونها أكثر جاذبية وأسهل وأسرع في إنهاء الإجراءات، وما أود أن أختم به مقالي أن أبعث رسالة إلى وزارة التجارة والصناعة إن استمرت تلك الإجراءات على ما هي عليه الآن .. ستتحول مناطقنا الصناعية إلى مناطق لا صناعية .. والبريمي أنموذجًا!

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،،

Saif5900@gmail.com