لا ننتج واقعَنا، لذا لا ننتج ثقافتَنا!


يوسف شرقاوي - دمشق


عمليّة التغيير وخلق الواقع بما يتناسب مع التراث أو الحاضر الذي لا نملكه تأخذ منعطفاً حاسماً له نتيجتان، إمّا نسيان الماضي بكافّة حيثيّاته، أو صبغة الواقع بحاضر الغير سواء كان سلبياً أم إيجابياً، التمسّك بالقديم أو تقبّل الجديد وقبوله كفرضيّة يحدث في أي مجتمع، لكنّ الواقع الذي نعيشه وننغمس فيه ونحن جزءٌ أساسيّ منه، صار جزئَين لا ثالث لهما، وكلاهما ينتميان وينحصران تحت مسمّى "التقليد". تقليد الماضي الذي هو لنا بكل سلبيّاته وانفعالاته وعاداته مع إيجابيّاته، أو تقليد حاضر الغير بشكلٍ كليّ وبمنظورٍ مغلوط متضمِّناَ السلبيات العديدة الكثيرة قبل الإيجابيات التي تشكّل حيِّزاً ليس بكبير.
نتذرّع بمبرّرات عديدة الأكثر شيوعاً فيها هو: التحرّر. وإن كنّا سنتطرّق لهذا المصطلح بمفاهيمه الكثيرة، فقد تمّ الخلط بين مفهومَي التحرر الفكري والأخلاقي، وصار التحرر الأخلاقي مسوَّغاً بلا رادع، إن كان تحرراً، ويجدر القول إنّ هذه العمليّة التي لا بدّ من مواجهتها لا تكون على هذا النحو، فهناك فرضيّات تراثيّة من الماضي المملوك يجب التمسّك بها والتفكير بنتائجها السلبية إثر مخالفتها، وكردّة فعل على عبثيّة التقليد وعدم اقتناء الجيّد من المخزون الثقافيّ الكليّ للغير، يضيع الماضي والحاضر على حدٍّ سواء.
لا ننتج واقعَنا، لذا لا ننتج ثقافتَنا!
ومن البديهيّ أنّ الذي يستورد قطعةً مهما كانت نوعيّتها، سيكتسب معها جزءاً من ثقافة المورّد، ويصير الواقع المفروض فوضوياً لا يعرف التنظيم، فتبدأ الذرائع والمسوّغات والمبررات اللا عقلانية، فيصير التمسُّكُ المطلق بالقديم ردَّةَ فعلٍ لأخطاء الجديد، والتمسُّكُ المطلق بالجديد ردَّةَ فعلٍ لأخطاء القديم، وبهذا تكون المبرِّراتُ مُستمدَّة دوماً من أخطاء الآخر، لا من الذات، ويُصنَّف المتلقّي للثقافة أو المنتج لها حسب الآتي:
-    من يتكلّم عن أخطائه الذاتيّة ليروّج لأفضليّة الغرب.
-    من يتكلّم عن أخطاء الغرب ليبرّر سوء ثقافته.
-    من يتكلّم عن مشكلات المدنيّة الغربية ليبرّر - ولو إرضاءً لذاته - الواقعَ العربيّ بكافّة أخطائه ومعتقداته المغلوطة.
وكلّ نتيجة ممّا سبق لا تكون أقل سوءاً من تاليتها!
إن لم يكن لدينا القدرة على خلق الواقع، فنحن - على الأقل - نمتلك القدرة الكاملة على اقتناء الثقافة الصحيحة ولو كانت للغير، يجب الفصل بين الماضي وعاداته وتقاليده، والحاضر المُقلَّد أو المملوك، واقتناء ما يتناسب مع إنتاج ثقافة غنيّة تخدم الإنسان، فعمليّة التغيير التي تحدث ليست عمليّة ذاتيّة وحسب، لذا لا بدّ من النظر إلى ما خلفها، ولا بدّ من خلق التجانس بين المواقف الثقافية ككل، متناغمةً مع حاضر الغرب لخلق واقعٍ ينتج ثقافةً ذاتيّة.
نفي القديم عن الجديد أو العكس، وتفهّم التحرّر حسب سياقه الصحيح ومكنوناته الواقعيّة، هما اللّذان يجنّبان التخبّطَ والتعثّر وإبقاءَ الفكر محصوراً بحلّ معضلةٍ كهذه بالتناسب مع تناسي الكوارث الكبرى.
 كلّ السبل تتيح الحفاظ على التراث والماضي مع تقبّل حاضر الآخر وانتقاء المناسب من كلَيْهما.

 

تعليق عبر الفيس بوك