"ماكينةُ صنُعِ القصائد"


كتابٌ جديد لإبراهيم المصري

 

كمدخلٍ شعريٍّ إلى كتابه الجديد "ماكينةُ صنُعِ القصائد" يقول الشاعر إبراهيم المصري:
"على جميعِ الشعراءِ توحيدُ مقابسِ قصائدِهم
ليتمكَّنَ أيُّ إنسانٍ من وَصْلِ روحِه بها
بدون الحاجةِ إلى وصلةٍ إضافية
أو إلى مدخلٍ ثنائيٍّ أو ثلاثيٍّ لا يتطابق
مع هذه القصيدةِ أو تلك
على جميعِ الشعراءِ توحيدُ مقابسِ قصائدِهم
كما هو الحالُ في سمَّاعاتِ الأُذن
ليسمعَ جميعُ البشرِ آلامَهُم
أو نشازَهُم المُزعِجَ للأُذن."
ويبدو طلبُ "توحيد المقابس" هنا، وكأنه نظرةٌ إلى الشِّعر كمصدرٍ وحيدٍ مجهول، يأتي منه الشعراء بقصائدهم، على اختلافها من شاعرٍ إلى شاعر، وعلى اختلافها كذلك لدى الشاعر الواحد، كما هو الحال في الكتاب الجديد لإبراهيم المصري "ماكينةُ صُنْعِ القصائد" الذي صدر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ورسمت غلافه الفنانة الدكتورة هند سمير.
وإذ يبدو العنوانُ غريباً، فإنَّ نصوصه لا تنتمي إلى أي نوعٍ من أنواع "الكتابة الآلية" وإنما هي امتدادٌ واختلافٌ كذلك في تجربة إبراهيم المصري الشعرية الممتدة على مدى نحو خمسةٍ وثلاثين عاماً، كتب خلالها المصري أكثر من ثلاثين كتاباً معظمها شعر، وبعضها رواية وبعضها سرد، وبعضها تدوينٌ سردي لرحلات عملٍ قام بها بوصفه صحفياً في الإعلام التلفزيوني، كحال كتابه "رصيف القتلى ـ مشاهدات صحافي عربي في العراق 2007"
وإبراهيم المصري من الجيل المؤسس لقصيدة النثر في مصر في الثمانينات، ومن أعماله الشعرية المطبوعة "الوعي والوجود/ الشعر كائنٌ بلا عمل/ وجبة الماء وجبة الكهرمان/ ويصدر له قريباً كتابه الشعري: مرايا نادية ومناديلها"
يضم كتاب "ماكينة صُنْع القصائد" 61 نصَّاً اختارها المصري من كتاباته الشعرية ما بين عامي 2014 و2017، وقد صدر الكتاب ضمن مشروع النشر الذي تشرف عليه وتديره الدكتورة والروائية سهير المصادفة في الهيئة المصرية العامة للكتاب. ومن نصوص الكتاب نقرأ النص الذي أصبح عنواناً للكتاب رقم 16 في كتب إبراهيم المصري المنشورة.

ماكينةُ صُنْعِ القصائد
أمس اشتريتُ ماكينةً لصُنْعِ القصائد
تعملُ باللمسِ وتُشحَنُ بالطاقةِ الشمسية
وتوفِّرُ خطَّ إنتاجٍ على مدارِ الساعة
كأن أضبطَها على خاصيَّةِ النوم
وحين أصحو صباحاً
أجدُ الكثيرَ من القصائدِ على فراشي
وأنا في الحقيقةِ أكتبُ الشِّعرَ منذ أربعين عاماً
بشكلٍ يدويٍّ على الورق
أو بالنقرِ منذ عدةِ أعوامٍ على الكيبورد
وكلاهما مَهمَّةٌ شاقةٌ في حياةِ رجلٍ
يحتاجُ أصابَعه في استخداماتٍ أكثرَ فائدة
كأن يحصي عليها أسنانَه التي تساقطت
أو خطواتِه التي يقطعُها إلى المطبخ
لإعدادِ فنجانِ قهوةٍ أو لإزاحةِ الستائر
ولا شك
أنَّ الذي ابتكرَ ماكينةَ صُنْعِ القصائد
إنسانٌ موهوبٌ للغاية
وخيالُه يسعُ أدمغةَ شعراء يغطُّون الكرةَ الأرضية
ربما بعشراتِ الآلاف
وهذا ما لا تستطيعُ إحصاءَه أصابعي
وإن كان يمكنني بإصبعٍ واحدةٍ أن ألمسَ الماكينة
وعلى الفور تدورُ فيما يُشبه
طحنَ عشراتِ العصافيرِ في خلاطِ الفاكهة
وما أن تتوقفَ الماكينةُ عن الدورانِ حتى أرى
قصائدَ مكتملةَ الأركانِ عن الحبِّ والحربِ والجنون
ما يؤرقني
أنَّ ماكينةَ صُنْعِ القصائد
لا تنتجُ قصائدَ كافيةً عن البكاء
وأنا أبكي طوال الوقت
ليس من الحزنِ بالطبع
وإنما من سيولةِ الأوتارِ الداخليةِ لكائنٍ
جلبَ غابةً إلى بيتِه ولا يعرفُ ماذا يفعلُ بها
ومن الصعبِ للغايةِ وربما من المستحيل
أن تضعَ غابةً في ماكينة
ثم تنتظرُ قصيدةً تتحدثُ عن تغيِّرِ المناخ
وعن سقوطِ سكَّانِ الأمازونِ الأصليين
في غرامِ الهواتفِ المحمولة
لكنني سأرسلُ للشركةِ المُصنِّعةِ لماكينةِ القصائد
شاكياً من نقصِ شروطِ التجربة
وأطلبُ منها
أن ترسلَ لي على وجهِ السرعة
غاباتِ الأمازون مع سكَّانِها الأصليين.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك