السياسة بين الرضا والنفوذ!

د. محمد الشعشعي

السياسة ذاك المصطلح الكبير الذي يشغل كل أنحاء العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهي بمثابة الخطى التي تسير عليها الدول؛ فلكل دولة سياسة تنتهجها وفق تسييس معين مدروس، وبخطى ثابتة لقصد أمن شعوبها، ورفع اقتصادها، أو لنية التوسُّع والامتداد، ووضع مكانة للدولة على المستوى الإقليمي والعالمي، وكلُّ ذلك ينطلق من مكونات الدولة الاعتبارية، ومقوماتها الاقتصادية، وعلاقاتها الخارجية، ومدى ارتباطها بالشبكات العالمية والدول العظمى التي تسيطر على العالم.

ومن المؤسف اليوم أنَّ سياسة بعض الدول ابتعدتْ كثيرًا عن مرتكزاتها الأساسية، وعقلانيتها، وأصبحت تغامر وتضارب بالسياسة كالمضاربة بالمال في السوق السوداء، فإمَّا ربح كبير، أو خسارة عُظمى.

لعبة السياسة ليست بالأمر الهيِّن، والشطارة فيها أحيانا تنقلب إلى كارثة عُظمى، حينها يكون الشعب ضحية تلك الأخطاء، فيتحول أمنه واستقراره إلى خوف ورعب، وتمسي منجزاته وآفاقه دمارا وخرابا.

اتجاه الدول لشعوبها واهتمامهما بأوضاعهم الداخلية والمعيشية أهم بكثير من الاتجاه للتوسع الخارجي والدخول في خيال المطامع الخارجية؛ لأن الأرضية الصلبة والمرتكز الأساسي لأي مشروع هو الأساس الذي يقوم عليه البنيان، والأساس هنا هو الشعب الذي يعتبر من مُقوِّمات الدولة الحديثة التي توفِّر له متطلبات الحياة الكريمة، والأمن العزة، والعيش بشموخ المعرفة، والتطلع لأفق أرحب هو أفق العلم والتقدم والتكنولوجيا والصناعات؛ فبعض الدول بعد أن قطعت شوطا كبيرا في تنميتها الداخلية، وأوصلت شعوبها إلى العالم صناعيا وفكريا وإنتاجيا، لم تستمر في ذلك الطريق، وإنما غيَّرت مسارها وللأسف الشديد إلى الفكر التوسعي إلى خارج حدودها، ولا شك أن ذلك التوسع غيَّر كل موازينها، وانحرفت بوصلة التنمية الداخلية لتتجه إلى حروب وتدخلات خارجية، وهذه ألقت بظلالها السلبية على الأوضاع الداخلية لهذه الدول، فزادت الديون الخارجية، وضعُف الاقتصاد، وانخفضت مؤشرات صناديقها السيادية، وزادت نسبة البطالة، وارتفعت الأسعار، وانخفضت موازناتها الداخلية، وأصبح المواطن الضحية يبحث على أدنى سبل العيش الكريم، بعد أن كان يحصل على أعلى معدل دخل سنوى في العالم.

وبهذه التدخلات الخارجية، بدأ العالم والشعوب يتوجسون من هذه الدول، وتدخلاتها في شؤون الغير، حتى إنه عندما يسافر مواطن هذه الدول إلى الخارج، بعدما كان  يفرش له الورد، أصبح اليوم غير مرغوب فيه، ولا يستطيع أن يسافر إلا إلى دول بعينها، وتحدَّد له أماكن محددة للتنقل فيها داخل تلك البلدان، بل إنهم قد يتعرضون لمضايقات نتيجة تلك التدخلات.

بالمال لا تستطيع أن تملك كل شيء إذا لم يكن هناك فكر ناضج وعميق يُحرِّك ذلك المال، ولنا من القصص والعبر في التاريخ القديم والمعاصر ما يكفي، كما أن هذا لعالم لا يمكن قياسه وتوزيعه والتدخل فيه بمسطرة وقلم على الطاولة في غرف صغيرة مظلمة.

وليعلم القاصي والداني أن الإمبراطورية العُمانية ستظل شامخة بمعالمها، زاهدة بتصرفاتها، حكيمة بفكرها، قوية بشعبها وأبنائها المخلصين الذين توليهم الاهتمام الأول والأخير، بعيدا عن سياسة القلم والبوصلة الخارجية.