تطويق الكتلة الأورآسيوية بمنظومات صاروخية أمريكية

ماهر القصير – السعودية
باحث في السياسة الدولية


ساءت العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في مارس عام 2014، فيما أكد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن وجود قوات الناتو على حدود روسيا قد ازداد حجما بمقدار 3 مرات خلال الأعوام الـ 10 الأخيرة، وعلى حدود روسيا الغربية بمقدار 8 مرات.
وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف بتاريخ 11/2/2018م إن أنظمة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ، تطوق روسيا تقريبا، على طول محيطها، وتستهدف الصين في الوقت نفسه.
"بشكل عام، يتم نشر أنظمة الدفاع الأمريكية في أراضي كوريا الجنوبية واليابان، تحت ذريعة الأسلحة النووية في كوريا الشمالية" وتابع لافروف، "كما يتم، في الوقت ذاته، نشر أنظمة الدفاع الأمريكية في أوروبا، فالذي يمكن رؤيته بوضوح على الخرائط، أن هذه الأنظمة بأكملها، وبشكل مدهش، سواء عن طريق الصدفة أم لا، تكاد تطوِّق روسيا على طول محيطها، وفي الوقت ذاته تستهدف الصين".
ويذكر أن طموحات حلف الناتو في التوسع شرقا تعتبر من أهم القضايا الشائكة في العلاقات بين روسيا والغرب، حيث ترى موسكو في ذلك تهديدا لأمنها، وتؤكد أن هذه الطموحات تتنافى مع الوثائق الأساسية التي تقوم عليها العلاقات بينها وبين الحلف وتبدي روسيا عن قلقها بقدر إدراكها أنها مطوقة ولن يطول الأمر حتى تصبح روسيا والصين وحلفاؤهما مطوقين شيئاً فشيئاً حيث أعلن الرئيس بوتين في مؤتمر ميونيخ حول الأمن في 27 فبراير 2007 أن حلف الأطلسي يستهدف الاتحاد الروسي، وذكر هذا الحلف بأنه كان قد تعهد بعدم التوسع نحو الشرق وكان سبق لبوريس يلتسين أن عبّر عن القلق نفسه من توسع حلف الأطلسي مع انضمام دول البلطيق إلى هذه الحلف.
ولكن خطاب بوتين يشكل التصريح الروسي الأكثر أهمية حتى الآن، ويبين أن روسيا بدأت استشعار الخطر على حدودها، من أقصى الشرق الروسي حتى الحدود مع جورجيا وأوروبا الغربية ولهذا طالب الرئيس بوتين بوضع عقيدة عسكرية روسية جديدة، للرد على التهديدات المتزايدة من قبل الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.
 الصين اليوم في مواجهة حدود شرقية معسكرة في آسيا، بينما إيران مطوقة عملياً، والحدود الغربية لروسيا تغلغل فيها حلف الأطلسي، حيث إنّ توسع الأطلسي مستمر على الرغم من نهاية الحرب الباردة، وعلى الرغم من الوعود بعدم توسعه. فالقواعد العسكرية ومنصات الصواريخ تطوق الصين وإيران والاتحاد الروسي.
ويشكل التحكم بالبحار والتجارة جبهة إضافية غرضها تطويق عملاقي أوراسيا: (الصين وروسيا). وهذه هي بالتحديد أهداف “مبادرة الأمن للحد من تكاثر الأسلحة النووية وأهداف تشكيل القوات البحرية المعولمة بقيادة الولايات المتحدة. وبهذا الخصوص تكون الصين أكثر عرضة من روسيا للتهديد الآتي من المحيط.”
لقد بدأت بالتكون الشبكة البحرية التي خلقها حلف الأطلسي وحلفاؤه. فأكثر من أربعين بلداً شاركوا في المناورات البحرية في بحر عُمان والمحيط الهندي. وهذا ما يهدد تزود الصين بالطاقة، كما يهدد التجارة الدولية بين إفريقيا وأوراسيا عبر المحيط الهندي.
إن الولايات المتحدة تحاول بناء أسطول من ألف بارجة للتحكم بالمياه الدولية. وتعني هذه الاستراتيجية في نهاية الأمر اندماج حلف الأطلسي وقوات الحلفاء البحرية في شراكة بحرية عالمية, والعبارة للبحرية الأميركية “الأساطيل والشرطة البحرية والقوات البحرية ومستثمري المرافئ والمؤسسات التجارية البحرية وكثيراً غيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية.”
علاوة على القوات البحرية التي أسستها الولايات المتحدة مع حلف الأطلسي، تم تطوير استراتيجية للسيطرة على التجارة العالمية والمياه الدولية. إن “مبادرة الأمن للحد من تكاثر الأسلحة النووية، تحت ذريعة إيقاف تهريب مكونات وتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل وأنظمتها، يهدف إلى السيطرة على نقل المواد الأولية والتجارة العالمية. ولقد بلور هذه الاستراتيجية جون بولتون يوم كان مساعداً لوزارة الخارجية الأميركية ومكلفاً بمراقبة عمليات التسلح والأمن الدولي.
إن التصور العسكري العالمي لحلف الأطلسي وأطماعه الجيوسياسية يكشف أكثر فأكثر هدف مناوراته وتوجيهاته العسكرية. ونظام التحالفات العسكرية يكتمل بحيث يبدو من خلف ذلك أن أهدافه الأساسية هي عمالقة أوراسيا: روسيا والصين، والهند. ولا يقتصر توسع حلف الأطلسي على أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق، بل هو يطمح بتوسع عالمي. ففي آسيا ثمة محالفة هي في طور التكوين انطلاقاً من شبكة محالفات عسكرية قائمة في المنطقة على الساحل الآسيوي للمحيط الهادئ.
وتقف الصين وروسيا، وإيران اليوم، على رأس محالفة أوروآسيوية هي في طور تشكلها لمواجهة حلف الأطلسي والولايات المتحدة. حيث أعلن وزير الفاع الأمريكي (لويس بانيتا) في سياق استعراضه الاستراتيجية الجديدة لوزارة الدفاع الامريكية في نقل مركز ثقلها من الشرق الاوسط الى المحيط الهادئ: ((تحرص المؤسسة العسكرية الأميركية أيضاً على إعادة التوازن داخل منطقة آسيا والباسيفيكي لوضع المزيد من التأكيد على الشراكات الجديدة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي.
وفي الربيع الماضي، وصل 200 جندي من مشاة البحرية الأميركية إلى دارون في أستراليا، لقضاء أول دورة مدتها ستة أشهر في الخدمة والتدريب جنباً إلى جنب مع القات الأسترالية والعمل مع الشركاء الإقليميين.
كما عملنا على زيادة عدد ووتيرة مناوبات طائرات القوات الجوية الأميركية في منطقة شمال أستراليا. وأخيرا، اتفقناً مع سنغافورة على نشر ما قد يصل إلى أربع سفن قتالية ساحلية هناك على أساس دوري للانضمام إليها ودول أخرى في المنطقة في المناورات، والتدريبات، والاستجابة للتحديات و الركيزة الأخيرة لإعادة التوازن فتتمثل في إبراز القوة. فنحن نخطط لوضع 60% من أسطولنا البحري في المحيط الباسيفيكي بحلول عام 2020، كما كانت ميزانية الدفاع الأميركية حريصة على الحفاظ على، بل وتعزيز، الاستثمار في الأصول الجديدة والأكثر قدرة المطلوبة في المسرح الباسيفيكي.
وتعطي خطتنا في الإنفاق الأولوية لتطوير وتطبيق أحدث التكنولوجيات وأكثرها قدرة، بما في ذلك الغواصات من فئة فيرجينيا، والجيل الخامس من الطائرات فانتوم 22 وفانتوم 35 المقاتلة، وطائرات الدوريات البحرية بي 8، وقدرات الحرب الإلكترونية الجديدة والاتصالات، والأسلحة الدقيقة المحسنة وصواريخ كروز. وهذه بعض القدرات التي ستحافظ على قدرة قواتنا على إبراز قوتها إذا ظهر أي تحد لقدرتنا على حرية العمل والوصول إلى أي مكان)) ولا شك أن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للأمن القومي الأمريكي، سيؤدى إلى انتقال تدريجي لمحور الصراع الدولي من الشرق الأوسط باتجاه شرق آسيا/الباسيفيك، حيث تعد الصين المنافس الأكبر لهيمنة الولايات المتحدة , و يعدّ ذلك الانتقال الثالث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعدما تركز الصراع في النطاق الأوروبي خلال الحرب الباردة، قبل أن ينتقل إلى الشرق الأوسط و الآن شرقاً.

تعليق عبر الفيس بوك