عبد الحسين الرفيعي والروح القوميّة المتقدة

عبد الله العليان

تعرفّت على السفير العراقي السابق، المرحوم عبد الحسين إبراهيم الرفيعي، منذ عدة سنوات؛ من خلال فعاليات النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء، الذي يحرص كثيراً على حضور الفعاليات بهما، كما تزاملت معه في حضور العديد من مؤتمرات المؤتمر القومي العربي في بيروت، مع بعض الزملاء العمانيين، وكان حريصاً على مشاركتنا في هذه المؤتمرات، وكان حريصاً على حضورنا سنوياً من خلال اتصاله الهاتفي بنا للتأكد من مشاركتنا من عدمها، وكان رفيع الأخلاق والقيم في تعامله كما هو اسم العائلة، والحرص على التواصل في المناسبات الوطنية والدينية، وقد عاش المرحوم السفير الرفيعي، سنواته الأخيرة في السلطنة بعد غزو العراق 2003، وألَّف العديد من الكتب، منها كتاب (ذكريات سفير عراقي )، و(دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية)، وكتاب آخر صدر له بعد هذه الكتب لا أذكر اسمه، وكتاب (دور النخبة القانونية)، يعد إحدى دراساته العليا أثناء فترة عمله الدبلوماسي.

كان اهتمامه الثقافي القومي بارزاً ودافعاً للخروج من الأزمات العربية الراهنة، وكان متألماً للوضع في العراق كثيراً، وما آلت إليه الأمور بعد احتلاله، ومخاطر التفكيك، ومشكلات الصراعات الإثنية والقومية، لكون العراق متعدد المذاهب والقوميات، والتي لعب عليها الاحتلال، وزاد من توترها منذ العقد الماضي، خصوصا قرار بريمر وفق تصنيف الطوائف، ومع ذلك كان المرحوم الأستاذ الرفيعي، يرى أنَّ الشعب العراقي سوف يطوي مظاهر هذا التوتر والانقسام السياسي والفكري، فالشعب العراقي عاش موحداً طوال قرون مضت، ولم تفرقه التعددية المذهبية ولا الفكرية ولا الإثنية العرقية والدينية، لكن الأوضاع التي ترسخت قديماً بسبب الحكم الشمولي والقبضة العسكرية الصارمة، أدت إلى الانقسامات السياسية والتي بدورها، قادت إلى الخلافات الأخرى الذي ما يزال العراق يكابدها، التي بلا شك غذّتها عوامل أخرى، ساهمت في هذه الخلافات.

 وقد قضى الأستاذ الرفيعي، سنوات طويلة بوزارة الخارجية سفيرا في عدة دول عربية وأجنبية، وموظفاً مرموقاً بديوان وزارة الخارجية العراقية بعدها، حتى فترة الاحتلال عام 2003، ويقول الأستاذ الرفيعي في تقييم هذه الفترة الدبلوماسية في كتابه (ذكريات سفير عراقي ) :" هذه الفترة التي امتدت من نهايات العام 1976 وحتى نهاية تموز 1993 كانت فترة نشاط وحركة عشت فيها متحركاً وفاعلاً وناقداً وطالباً وتلميذاً في هذه الحياة الجديدة التي وفقت فيها والحمد لله بالرغم من كل عثرات الطريق ومحاولات الآخرين من داخل وزارة الخارجية وأجهزة الدولة الأخرى معاونتي مرات أو وضع العراقيل في طريق مساري".

وعلى الرغم من تعاطفه مع النظام السابق في بعض سياساته، إلا أن الأستاذ الرفيعي، لا يخفي انتقاده لبعض هذه السياسات التي سارت عليها الأنظمة العسكرية، والتي قادت بعض الدول إلى صراعات وإخفاقات وتراجعات، دون أن يحددها بالاسم، ويقول في هذا الكتاب: "لقد كان صعود (العسكرتاريا) الوطنية إلى قمة السلطة حالة طبيعية غير فريدة من نوعها.. غير أن الميزة التي وسمت العسكرتاريا الحاكمة لدينا عنها في بلدان كثيرة هي فوضويتها وتناحرها وعدم نضجها.. فبدل أن تأتي حاملة مطالب الشعب ومطامحه، فإنها تأتي حاملة هموم ذاتية محضة هي هموم وضرورة إيقافها قافزة بذلك فوق أي مضمون اجتماعي أو ثوري لمثل هذا الطرح، والواقع أن ضيق أفق العسكرتاريا وتعصبها قد عزلاها عن أي مرتكز جماهيري".

فالأستاذ المرحوم عبد الحسين الرفيعي، بقي مؤمناً بالعراق الموحد على الرغم مما حصل للعراق، وما يعايشه الآن من مشكلات وتوترات ليست سهلة، لكنه يرى أن العراق سيبقى كما كان و"لن يغادر التاريخ والهدف القادم عراق عربي حر يتسع للكل رأياً وفكراً وعملاً وفسيفساء رائدة ترصّع وتغني وتوحد، ومسيرة عملية حرة بدون عسف واحتكار وهو ما ينبغي أن نحتضنه ونستفيد من تجاربنا المرة والحلوة، ومن التاريخ الذي مر. العراق للكل وعلى الكل أن يعوا ذلك مسؤولية ومحبة والتحاماً، فالعروبة المؤمنة بالله وبالقيم الأخلاقية، تؤمن بكل الحقوق المشروعة لكل من آمن بالعراق ونافح عنه وامتزج دمه وكمه بترابه، مع التأكيد الذي لابد منه على إنسانية الإنسان وكرامته ورأيه وحريته واختياره". وهذا هو ما أكد عليه المرحوم عبد الحسين الرفيعي، وشدد عليه باعتباره الوسيلة الناجعة والناجحة، التي ستجعل العراق أكثر قوة وتماسكاً في المرحلة المقبلة.. رحمه الله رحمة واسعة.