أين مناقصة جسور المشاة؟

 

د. عبد الله باحجاج

تساؤل العنوان يطرح الآن بعد مرور قرابة شهر على آخر حادثة سقوط ضحية جديدة على شارع الرباط بصلالة، وتحديدًا جهة المراكز والمحلات التجارية والسياحية- وقد تناولناها في مقال خاص في مثل هذا اليوم- وبعيد تلك الحادثة مباشرة، جاء رد بلدية ظفار عبر موقعها الإلكتروني، يضعنا أمام لغز جسور المشاة، لكن الرد لم يجب على الكثير من التساؤلات، بل العكس، زاد حيرتنا أكثر، ونسج في أذهاننا علامات استفهام كبيرة حول تحديد الأولويات، وكيفية الاستجابة لها.

ونذكر أنفسنا بنص الرد- ننقله من الموقع كما هو "حرصاً من بلدية ظفار على تحقيق السلامة المرورية، فقد تم إسناد مشروع جسر_عبور_المشاه_بشارع_الرباط بنهاية شهر يوليو 2017، وسيتم البدء في تنفيذ هذا المشروع خلال الفترة القريبة بإذن الله تعالى وذلك خدمةً لمُرتادي مجمع المحاكم والمجمعات التجارية المجاورة والتي تقع شمال وجنوب الطريق"، وهذا الخبر قديم، هدفت من خلاله البلدية إلى إحياء الذاكرة، وإخلاء طرفها من القضية.

وفي لقاء مع إحدى الإذاعات الخاصة، وضع مسؤول في بلدية ظفار الرأي العام أمام كامل التفاصيل، من بدايتها إلى نهايتها، راميًا بالكرة في ملعب وزارة المالية، رغم أنها قد أعطت الموافقة المبدئية للبلدية لإقامته، حتى وصل بها الأمر إلى تعيين المقاول المنفذ، لكنها لم تفرج عن الأموال حتى الآن، ولم يحدد هذا المسؤول الفترة الزمنية لإقامة الجسر رغم سقوط الضحية الجديدة، التي يقال إنها تحمل رقم (10) التي تسقط في الجهة نفسها، مكتفياً بتوقعات قريبة، لكن لا يبدو في الأفق أنه سيرى النور قريباً، وكنَّا نتوقع أن تتم المسارعة فورًا في إقامة الجسر بعد تلك الحادثة، خاصة وأن الخرائط والاعتمادات جاهزة، والمقاول معلوم ومستعد- كما ورد في رد البلدية سالف الذكر- لكن، هذا لم يحدث، ومتى سيحدث؟ لا أحد يعلم، ولم توضح وزارة المالية للرأي العام الخلفيات أو ترد أو تعقب على بلدية ظفار، رغم أن هذه القضية، قضية رأي عام، فهل ننتظر سقوط ضحية أخرى؟ إذا كان العائق ماليًا، فإنَّ الوضع المالي للبلاد الآن أفضل بكثير مما يتوقع، ومما يقدم لنا، فلماذا لم تتم المسارعة في إقامة الجسور حفاظا على أرواح الناس؟

هل المسألة تحتاج لمتابعة من بلدية ظفار أم أن هناك تضارباً في مفهوم الأولويات؟ جسور المشاة في صلالة، تندرج ضمن أولى الأولويات، وتحديدًا أربعة جسور، وليس جسرا واحدا، ثلاثة على شارع الرباط نفسه، والآخر على الشارع المقابل لمستشفى السلطان قابوس من منطقة عوقد، ففي هذه المنطقة، رصدنا حركة عبور للمشاة مقلقة كذلك، ممرضات على فترات عديدة يعبرن الشارع، وافدون من اليمن وآسيويون كذلك يعبرونه للوصول إلى المستشفى، وكذلك الحال بالنسبة للعودة، وهذا يعني أن هذا الجسر حتمي كذلك في هذه المنطقة، لدواعي السلامة المرورية، وللبعد الحضاري الذي يلزم إظهار الصورة الإيجابية لشوارعنا بدلاً من مشاهد العبور غير الآمنة، والتي تعرض أصحابها لحوادث مميتة وبصورة مفجعة، ولمدة ثلاثة أيام متواصلة، أراقب حركة عبور المشاة على شارع الرباط جهة المراكز والمحلات التجارية، وقد آلمني، مشاهد الخوف من العبور عند العنصر النسائي العامل في تلك المراكز والمحلات وصل الخوف إلى الرعب، بعد سقوط الضحية العاشرة على هذا الطريق مؤخراً أمام مرأى الجميع، بعض النساء يصل بهن الأمر إلى عبور الشارع المزدوج بست حارات من الجهتين، لمدة نصف ساعة، كما أن المنظر الحضاري لظواهر عبور المشاة في ظل هذه المخاطر المرتفعة، لا يعطي السائح ولا للوافد الصورة الحقيقية لحرصنا على أرواح وسلامة الناس.

كما أن مثل هذه الصور، لا تعطي الانطباع الإيجابي عن الجهود الكبيرة والعظيمة التي تبذلها الدولة في مجال السلامة المرورية التي من خلالها توظف كل التقنيات والوسائل الحديثة لحماية حقنا في الحياة من حالات التهور والشطط في استخدام المركبات، بل كيف يستوي مشاهد سقوط الضحايا بدمائها وأشلائها على بعض الشوارع، أو قبول استمرارية العبور غير الآمن في مثل هذه الشوارع، مقابل جهود شرطة عمان السلطانية مشكورة، في الحرص على الحد من السرعة وتجنيد الأطر والكوادر على مدار الساعة من أجل الحق في الحياة ؟ وإصدار قانون المرور بعقوباته المشددة، دليل على هذا الحرص، وفي الوقت نفسه لا تتكامل معه بقية الجهود، فعلاً، كيف يستوى التسليم بمثل هذه المتناقضات، فالمال لا ينبغي أن يؤخر قضية الجسور على شوارعنا أبدًا، ولها الأولوية المالية، لأن وراءها أرواح يجب الحفاظ عليها، فلماذا هذا التأخير؟ ومتى سيكون قريبا – وفق سياقات بلدية ظفار – إذا كان قد مضى على الحادث الآن قرابة شهر؟ 

على أعضاء مجلس الشورى أن يولوا هذا الملف إلى جانب ملف طريق نزوى ثمريت، وملف سعر تذكرة مسقط صلالة مسقط، أولويتهم القصوى أثناء استضافة مجلس الشورى معالي وزير النقل والاتصالات آخر الشهر الحالي، واستخدام الأدوات البرلمانية المتاحة لها مع كل من له علاقة بها، وكذلك تلك الوسائل التي تمنحها أدوات الفعالية والفاعلية، كممارسة ناضجة، لاختراق الجمود، وكما ستلاحظون فإن هذه الملفات مترابطة ومتداخلة، وتتعلق كلها بالسلامة البشرية، لذلك ينبغي أن تتصدر الأولويات، وحمل الشريك الحكومي على الاقتناع بهذه الأولويات جملة واحدة دون تقسيط أو تأجيل، فكفى سقوط ضحايا على شوارعنا، وكفى دماء تسيل عليها، كفى أحزان وآلام وإعاقات، وتيتم أطفال، وترمل نساء، كفى أخبار مزلزلة تنتظر أسر تترقب وصول أولياء أمورها من غربتهم، حاملين لها الهدايا، فإذا بهم يأتون إليها في نعوش محنطة، نتمنى أن نسمع قريبا ما يجعلنا نقدم للمجتمع شيئًا طال انتظاره، شيئا يجعل مشاهد سقوط المدنيين على شوارعنا من الماضي، وليس الماضي المستمر، فمثل هذه الملفات أمانة يحملها المجتمع ممثليه في مجلس الشورى، وعليهم واجب إحداث اختراق فيها، خاصة وأنهم في مرحلة العد التنازلي لولايتهم التمثيلية.