سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (22)

أ.د/ سعيد جاسم الزبيدي – جامعة نزوى


مازلنا رهن الإجابة على سؤال تلميذي النجيب: هل لك أن تبيّن لي تصورك عن فواتح السور في القرآن الكريم كلها بنظرة منهجية؟
فرتبتها إجمالا على ست مجموعات وفي الحلقة الثانية تناولنا سور الحمد والتسبيح وعددها (12 سورة) أما في هذه الحلقة سوف نتناول المجموعة الثالثة، وهي السور المبدوءة بـ (الحمد لله) و(التسبيح) وهي اثنتا عشرة سورة:
السور المبدوءة بـ (الحمد لله) خمس هي: الفاتحة/ الأنعام/ الكهف/ سبأ/ فاطر. وجميعهن مكيّات إلا الفاتحة فمختلف فيها(1): قال ابن عبّاس (ت69ه) وجماعة: إنها مكية، وقال مجاهد (ت104ه) إنّها مدنية.
أمّا سور التسبيح وهنّ سبع فعلى الوجه الآتي:
-    الإسراء: (مكية) بدأت: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً...).
-    الحديد: (مدنية) بدأت: (سبّحَ لله ما في السموات والأرض...).
-    الحشر: (مدنية) بدأت: (سبّح لله ما في السموات والأرض...).
-    الصف: (مدنية) بدأت: (سبّح لله ما في السموات والأرض...).
-    الجمعة: (مدنية) بدأت: (يسبّح لله ما في السموات والأرض...).
-    التغابن: (مدنية) بدأت: (يسبّح لله ما السموات وما في الأرض...).
-    الأعلى: (مكية) بدأت: (سبح اسم ربك الأعلى).
إنّ المتأمل في سور هذه المجموعة التي ضمّت السور التي فواتحها (الحمد) و(التسبيح) يجدها تهدف إلى:
أولاً: التمهيد إلى ذكر سبب (الحمد) والثناء على الله – تعالى شأنه – لإثبات ألوهيته: في الخلق، وتنزيل الكتاب، بالصفات التي تفرّد بها والتي ذكرت بعد (الحمد لله). أمّا المسبّحات التي تضمنت فواتحها تنزيهه – جلّ وعزّ – واستئثاره بعبارات (التسبيح)، وثبوت صفات الكمال: "السميع البصير" و"العزيز الحكيم" و"هو على كلّ شيء قدير" وهو "الأعلى"، فبدأت بالمصدر (سبحان) في سورة الإسراء؛ لأنّ دلالته على الحدث فيشمل الأزمنة كلها ويستغرقها(1)، ثمّ استوفت الأفعال الدلالة الزمنية: بالماضي (سبّح) في الحديد، والحشر، والصف؛ لأنه أسبق الأزمنة، ثمّ بالمضارع (يسبّح) في سورتي الجمعة والتغابن، لإرادة الاستمرار، ثمّ بالأمر (سبّحْ) في سورة الأعلى للزمن الدائم غير المنقطع(2)، ولتوجيه الخطاب للناس من خلال توجيهه للنبي عليه الصلاة والسلام، وبذلك تكون (المسبّحات) قد استوعبت الأزمنة، وجهة الخطاب.
ثانياً: تعليم المؤمنين أن يرددوا هلتين الصيغتين: (الحمد لله) و(التسبيح)، ولا يغفلوا عن ذلك، وتذكيرهم بما أنعم سبحانه وتعالى عليهم، وما قيّض لهم من نِعَمٍ لا تُعَدّ ولا تحصى ولا تكافأ!.
ثالثاً: عموم الخطاب - وإن كان موجهاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام – ليتبعوه فيما يقول بما أوحي إليه في كتابه، ومودعات آياته.
ونقل الزمخشري قولاً لعلي بن أبي طالب – كرّم الله وجهه -: " من أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه: سبحان ربك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين"(3).
ولعل في هذا تلخيصاً للإهداف التي ذكرناها آنفاً، والله أعلم.
...................
المصادر:
1)    ينظر: الزركشي: البرهان في علوم القرآن، 1/251 .
2)    ينظر: فاضل صالح السامرائي: على طريق التفسير البياني، 1/230 .
3)    ينظر: الفخر الرازي: مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي/بيروت، ط2، 1997م، 29/311 .

1ـ الزمخشري: الكشاف، 5/239 .

تعليق عبر الفيس بوك