الطلة البهيّة لرجل السلام

حمود الطوقي

عندما يحِلُّ على عُمان وعلى جلالة السلطان قابوس -حفظه الله - ضيفا عزيزا تهفو الأفئدة من أبناء عمان للطلة البهيّة لجلالة السلطان؛ ‏هذه الطلّة التي تنشر المحبة والتلاحم بين الشعب، وتؤكد معنى المحبّة التي يُكنُّها الشعب العماني لسلطانه الأبي.

بالأمس تسمّر العمانيون أمام شاشات التلفاز، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بطلّة جلالته، وهو يستقبل ضيفه الكبير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يزور السلطنة لأول مرة؛ كأول زيارة رسميّة له منذ توليه مقاليد الحكم عام ٢٠١٤، ولعلّ الحدث الأبرز في هذه الزيارة هو اطمئنان المواطن العماني على صحّة جلالة السلطان -حفظه الله- الذي رسم على مدار أكثر من أربعة عقود ونصف، الماضية خارطة الطريق لعمان الحديثة تحمل في طيّاتها رؤية جلالة السلطان حول التعامل والتعايش مع الآخرين، وأثبتت هذه الرؤية وهذه السياسة الحكيمة التي ينتهجها المقام السامي أنّ السلام قيمة تتجاوز المستوى التنظيري، وبخاصة على مستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة، والالتزام بالأعراف والشرائع الدولية التي تنظم العلاقات البينية للدول، وهذا جعل من العاصمة مسقط محط أنظار، خاصة في ظل سياسة النأي بالسلطنة وشعبها وإعلامها عن التدخل في شؤون الغير، ما لم يُطلب منها ذلك، واحترام السياسات الداخلية للدول، وعدم التورط في مشاريع سياسية ذات أبعاد وأهداف مشبوهة.

إنّ الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للسلطنة تفتح الآفاق على تنمية العلاقات بين الشعبين الشقيقين ونظرة البلدين للمستقبل، الذي يراهن على وحدة الصف، والالتفات إلى المصالح المشتركة، والانتباه إلى ضرورة وضع استراتيجيات تخدم مصالح شعبي البلدين.

ثم إنّ هذه الزيارة التي حظيت باهتمام إعلامي كبير بين البلدين تأتي في ظل توترات إقليمية ومتوسطية، تعكس روح الحوار والتشاور في مآلات بعض الأحداث، بما يصب في صالح الخروج من عنق زجاجة التشظي، نحو استقرار تحتاجه شعوب المنطقة في مختلف المجالات.

الزيارة تأتي في توقيت بالغ الأهميّة لأنّ الشرق الأوسط على فوهة بركان مما يتطلب تنسيق الجهود ووحدة الصف العربي، والعمل على تجاوز أو حل الخلافات العربية العربية أولا قبل تدهور الأوضاع على كل الاحتمالات من استمرار حرب اليمن وتوتر العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد إعلان ترامب عزمه الانسحاب من الاتفاق النووي وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وعزمه نقل السفارة الأمريكية إليها؛ مما يؤكد عزم الإدارة الأمريكية على تجاهل التوصل إلى سلام حقيقي للصراع العربي الإسرائيلي ناهيك عن الحرب الباردة بين حزب الله وإسرائيل، واحتمال تجدد المواجهة بينهما واستمرار الأزمة القطرية الخليجية.

كما تعكس الرؤية والعمق الاستراتيجي لمصالح تهم الطرفين، وسوف تفتح آفاقا واسعة في الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا شك أنّ هذه الزيارة سوف تلقي بظلالها على الواقع الاستثماري، والذي يمكن أن يشكل حلقة مرنة في التنمية الاقتصادية بين البلدين.

كما تأتي الزيارة في إطار تبادل الخبرات وتشجيع الاستثمارات المشتركة بين البلدين في ظل استمرار أزمة النفط مما يتطلب تشجيع التجارة الخارجية لحلحلة الركود.

هذه المناخات المتعددة، التي تعكسها الزيارات الرسمية التي تشهدها مسقط من وقت لآخر وفي المرحلة الحالية بالذات تشير إلى حقيقة راسخة، أثبتتها عقود من السياسة العمانية، التي أرسى دعائمها عاهل البلاد المفدى، وهي انعكاسات الإيمان بالسلام، والعمل به، والسعي نحوه، وإشاعته في مختلف المواقف، وهذا واضح في نهج السياسة العمانية الخارجية، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع، مما جعل مسقط محجّاً سياسيا واقتصاديا، ولاعبا إقليميا إيجابيا ومؤثرا في الرؤية العميقة للسلام؛ على المستويين الإقليمي والدولي.