خارطة الطريق لمناهج الطفولة المبكرة.. الخصائص والأهداف (2/7)

د. عامر بن محمد بن عامر العيسري

تؤكد المصادر التربوية أن لنمو الطفل ومظاهره في مرحلة الطفولة المبكرة بما فيها مرحلة رياض الأطفال عدة مطالب أساسية، تتناسب مع هذه المظاهر، والتي من المهم التعرف عليها؛ كي تتحقق الفائدة لمعلم الروضة، والقائم على إعداد المناهج لمرحلة رياض الأطفال أو ما قبل المدرسة، والقائمين على تربية الأطفال في هذه المرحلة، ولعل من أهم هذه المطالب : مراعاة ضمان حياة طبيعية للطفل، وما يتصل بذلك من تعلم المشي والحركة، وتعلم استخدام العضلات الصغيرة، وتعلم الأكل، وممارسة الكلام، وتعلم ضبط الإخراج وعاداته، وتعلم الفروق بين الجنسين ، وتنمية المهارات الجسمية الحركية اللازمة للألعاب، وألوان النشاط العادية، والمهارات التي تحقق التوازن الفسيولوجي، وتعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، وتعلم المهارات العقلية المعرفية الأخرى اللازمة لشئون الحياة اليومية، وتعلم الطرق الواقعية في دراسة البيئة والتحكم فيها، وتعلم قواعد الأمن والسلامة.
كما تركز الدراسات الطفلية على ضرورة تعلم الأمور اللازمة للنمو الاجتماعي الصحيح مثل تعلم ما ينبغي توقعه من الآخرين عند أداء أفعال معينة، وبخاصة الوالدين والرفاق، وتعلم التفاعل الاجتماعي مع الرفاق، وتكوين الصداقات والاتصال بالآخرين، والتوافق الاجتماعي، وتكوين الضمير، وتعليم التمييز بين الصواب والخطأ، والخير والشر، ومعايير الأخلاق والقيم، والتوحد مع أفراد الجنس، وتعلم الدور الجنسي في الحياة.
وتعلم تكوين اتجاهات سليمة نحو الجماعات والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية، وتكوين المفاهيم البسيطة، والمدركات الخاصة بالحياة اليومية، والواقع الاجتماعي، وتنمية مفهوم الذات، واكتساب اتجاه سليم نحوها، والإحساس بالثقة في الذات وفي الآخرين، وتعلم المشاركة في المسئولية، وممارسة الاستقلال الشخصي للطفل في هذه المرحلة ، كما ينبغي في هذه المرحلة تعلم ما يتصل بتحقيق الأمن الانفعالي، من تعلم الارتباط الانفعالي والعاطفي بالوالدين والإخوة الآخرين، وتعلم ضبط الانفعال وضبط النفس وعدم العدوانية، وعدم مبادأة الآخرين بالاعتداء.

ومن أهم الأهداف التي تسعى مناهج الأطفال إلى تحقيقها :  توفير بيئة سعيدة ومستقرة وراعية للطفل ، وتوفير بيئة تتميز بالإثارة والتحدي ، مع توفير فرص الاستكشاف والاكتشاف ، وتشجيع الأطفال على الإقرار والقبول بالقدرات الفردية المختلفة ، وتهيئة الأطفال الصغار للمدارس لدخول عالم الكبار والقوى العاملة ، والتكامل مع الدور الذي يقوم به المنزل والأسرة  ، وغرس السلوكيات والقيم الإيجابية وتعليم قواعد السلوك المقبولة في نفوس الأطفال ، وتكريس أنماط التعلم للمستقبل ، وتدعيم تجارب الأطفال في المنزل من خلال التعاون الوثيق مع الأهالي.

ومن مميزات منهج رياض الاطفال الناجح أن يكون مرتبطا بحياته ومطالب المجتمع وحاجاته ، يتناوب فترات نشاط وفترات راحه ، ويهتم بنمو الطفل جسميا  واجتماعيا وعقليا وحركيا وانفعاليا ونفسيا ، ويؤكد على الفروق بين الحقيقة و الخيال ، ويدرب على حل المشكلات ، ويوفر المجال لتذوق الجمال ، وينمى ميول القراءة ، ويستخدم اسلوب الملاحظة و السؤال ، ويعلم الطفل الاستفادة من فرص التفكير و المعرفة ، و يشجع التواصل  و التطور الاجتماعي  ، وينمى التوافق الحركي العضلي، و يزيد فرص اكتساب مهارات السلوك ، كما يزيد من فعالية و ايجابية الطفل ، ويمارس الطفل خلاله انشطه ويكتسب معارف ومعلومات  ، لهذا كله ينبغي أن تسعى المناهج المعدة لرياض الطفال لتنمية جوانب ثلاثة هي :ـ المجال المعرفي: ويشمل المعارف والمعلومات والمفاهيم العلمية والرياضية  ومهارات الملاحظة والأسلوب العلمي للتفكير ، والمجال المهارى الذي يشمل المهارات الحركية و استخدام الحواس , والممارسة الفعلية للتجارب و الخبرات ، والمجال الوجداني الذ ي يراعي القيم والعادات الاجتماعية والميول والانفعالات .

إن واضعي المناهج والمخططين لها يجب أن يضعوا في الحسبان  خصائص الأطفال ومظاهر نموهم ومكوناتهم ، والتي من بينها في السنة الرابعة من عمر الطفل تكثر أسئلة الطفل، وتزيد قدرته على إدراك التجانس والتشابه، كما يصل التفكير لدى الطفل إلى مرحلة التعميم، ويتمكن من الاعتماد على نفسه في الأعمال الروتينية اليومية، ولذلك ينبغي أن يكون المنهج مراعيًا الإجابة عن أسئلة الطفل في تلك المرحلة، كما يقدم له إجابات عما قد يدور بخلده بدون أن يسأل الطفل عنها، ويكون المنهج أيضًا مثيرًا ومشوقًا للطفل ، وفي السنة الخامسة من عمر الطفل يتم نضجه الحركي، فيقفز ويقوم بالكثير من المهارات الحركية الأخرى، ويتحدث حديثًا خاليًا تقريبا من لكنة الأطفال ومن أسلوب الأطفال، ويجد نوعًا من الاهتمام بملبسه ومظهره وما يقوم به من أفعال، كما تزداد ثقته في نفسه، ويصبح مواطنًا صغيرًا، لكنه في عالم خاص به.
لذلك يجب على المنهج في هذه المرحلة أن يراعي عملية النضج الحركي والنمو النفسي للطفل، ولا ينظر إليه أو لا يشعر الطفل أنه مازال صغيرًا جدًّا، ولكن يشعره المنهج بمدى النمو، وبأنه يخاطب طفلًا في نفس مستواه، فيكون المنهج في مستوى الطفل، والطفل كذلك في مستوى المنهج، ويكون هناك تناسب بينهما. غير أنه يتميز عمومًا في السنتين الخامسة والسادسة بوضوح الترابطات الحركية وتصوراته والجمل اللغوية التي يستخدمها، وعلاقاته الشخصية الاجتماعية، وتكيفه للمنزل وأدوار الروضة،  كما تقل صراعات الطفل آنئذ مع نفسه ومع من حوله، ويصبح أكثر ضبطًا لأعصابه في المواقف الحرجة والأزمات عن الطفل في سن الثالثة والرابعة.

من هنا تهدف مناهج مؤسسات الطفولة التي تطبق البرامج التربوية الحديثة إلى تدريب الطفل على مهارات التفكير وإكسابه الاتجاهات والعادات والتقاليد والقيم مع تنمية ميوله ومواهبه الفنية، وتمكينه من تذوق الجمال والتعبير عنه، وتعويضه عما فاته خبرات وما يعانيه من نقص بيئته المنزلية. أما عن الأسلوب المتبع في تعليم الأطفال عن طريق تطبيق البرامج التربوية الحديثة  فيتمثل في التعلم بالملاحظة وبالاستكشاف والتعلم بالمحاولة والخطأ والتعلم بالتعزيز ، والتعلم الحر والموجه والتعلم باللعب والتعلم الابتكاري، والتعلم الإنساني بحيث تسعى نحو تحقيق تكامل النمو المعرفي والوجداني والنفسحركي ويحدث ذلك كنواتج مباشرة وحتمية لتحقيق أهداف مناهج الطفولة وبرامجها.

Sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك