حوار جلالة السلطان قابوس مع مجلة (آخر ساعة) المصرية عام 1974م

جلالة السلطان قابوس في حديث لمجلة (آخر ساعة) المصرية:
    جلالته يتحدث عن الوضع في (ظفار) ومشاكل التنمية الشاملة في السلطنة.
    قابوس يأمل في تحقيق تكاتف عربي في المنطقة لمواجهة الخطر الشيوعي المحدِّق بها.

أدلى جلالة السلطان قابوس المعظّم بحديث صحفي لمجلة (آخر ساعة) المصرية تناول فيه القضايا الدولية والعربية والمحلية وأشار جلالته إلى (ضرورة استمرار التضامن العربي لتحقيق النصر الكامل على إسرائيل)، وقال جلالته إنه (متفائل بمفاوضات السلام في جنيف) إلا أنّه أضاف (إنّ الحرب ستكون هي الحل الأخير إذا ركب العدو رأسه وظلّ على تعنَته وإصراره على البقاء في الأراضي العربية المحتلة)، وتحدّث جلالة السلطان قابوس المفدّى إلى المجلة المصرية عن الوضع الراهن في المقاطعة الجنوبية فقال:

آثرنا حلّ المشكلة بالحوار والتفاهم:
(لقد تحمّلنا سلسلة من الاعتداءات المباشرة من حكام عدن وتمسكنا بالصبر، وبحقنا المشروع في الدفاع عن النفس لكننا في نفس الوقت آثرنا أن نحلّ المشكلة بالحوار، والتفاهم)، وقال جلالته: (ربّما إنّه كان لحركة ظفار في الماضي ما يبررها. لكن لماذا استمرار التمرّد بعد زوال كل المبررات؟!)، وأضاف: (نحن نعلم أنّ التمرّد حركة شيوعية أممية هدّامة، امتدت إلى الجزيرة العربية، ووجدت من يغذيها ويزيدها).


واجبنا كدولة:
ومضى جلالة السلطان قائلا: (إنَّ واجبنا كدولة مسلمة أن نقف بحزم وصلابة ضدها حمايةً لديننا وتراثنا.. وقد فتحنا الباب على مصراعيه لكل عائد من حركة التمرّد. لكلّ من أدرك عمق الهوية التي يُساق إليها بالتضليل والشعارات. وعاد الكثيرون واستأنفوا حياتهم الآمنة.. بل وحمل الكثيرون منهم السلاح ضد رفاق الأمس. رحبنا ونرحب بأي سعي حميد). واستطرد جلالته يقول: (وقد أعلنا أكثر من مرّة أننا نرحب بأي مسعى حميد بيننا وبين جارتنا اليمن الجنوبية، لتكف عن احتضان المتمردين وتزويدهم بالدعم بكافة أشكاله. إنهم يتخذون من أرض اليمن الجنوبية مراكز انطلاق وتسلل إلى حدودنا الجنوبية)، وأضاف: (لقد استقبلنا في بلادنا بعثة الجامعة العربية، وقد تحدثتُ إلى البعثة وإلى السيد محمود رياض ووضعتُ أمامه كل ما لدينا من حقائق، وآمل أن يسفر المسعى عن الوصول إلى حلّ أو إقناع من قِبَل الجامعة، بأنّ حقن الدماء العربية أجدى عليها من بعثرة طاقاتها على هذا النحو). وقال جلالته: (إنني كنتُ أنتظر بمجرد إذ أصبحت عمان عضوا في الجامعة العربية أن يبادر الأخوة إلى وقف هذا النزيف، وكنتُ أقدِّرُ في نفس الوقت الظروف الدقيقة التي تجتازها أمتنا العربية إزاء الاحتلال الصهيوني لجزء غالٍ من تراب وطننا).

نتطلع إلى خطوة أخرى:
ومضى قائلا: (والآن وقد استطعنا أن نكبح غرور الصهيونية ونجبرها على التخلي عن الصلف بعد حرب رمضان المباركة، نتطلع إلى خطوة أخرى نوقف بها التغلغل الشيوعي، ونبعد أخطاره عن أمتنا العربية.. ولا يجهل أحد أنَّ عدن نُكِبَتْ بهذا الخطر، ويعلن حكامها عن عزمهم على تصديره إلى عُمان وبلدان الخليج العربي، قولا وفعلا)، وقال جلالته: (ولستُ أرى موجبًا للوقوف موقف المتفرج إزاء هذا الخطر الشيوعي والذي في تصوري إنّه لم يعد خافيًا على أحد، لا في بلدان الخليج التي يتهددها الخطر مباشرةً، ولا في غيرها من الدول العربية، لكنَّ النظرة تختلف)، وأضاف: (إنني أدعو الله مخلصًا أن نشهد قريبًا تكاتفًا عربيًا، لتشهد المنطقة هنا (10 رمضان) جديدًا ليكون ذلك فجرًا اندحار التمرّد والقوى الشيوعية).

الدعايات المغرضة:
 وتحدث جلالته عن الدعايات المغرضة التي تنشرها الأجهزة المعادية حول أطماع إيران في المنطقة ووجود قوات إيرانية تشارك في العمليات في ظفار فقال: (إن أبواق الدعاية الشيوعية سواء في عدن أو في غيرها معروفة بأنها تخلق الدعاية لتشويه الحقائق؛ فهم يطعمون شعوبهم شعارات مضللة لا تمت إلى واقعهم الأليم بأي صلة. إنَّ إيران جارة ومسلمة ومن دول الخليج ويهمها كما يهمنا استقرار وأمن المنطقة لذا سارعتْ بمساعدتنا عندما طلبناها. إنّ من يقدم المساعدة يستحق الشكر، ولا يهمنا ما يُقال، وما يلفق.

مفهوم الدولة العصرية:
 وعن تصوّر عمان للدولة العصرية قال جلالته: (الدولة العصرية في نظري هي التي يتوافر فيها لكل فرد من الخدمات ما يمكنه من العيش الكريم في ظل الأمن والاستقرار، وفي نفس الوقت يعرف كل فرد واجباته ويؤديها على الوجه الأكمل، ويقوم الجميع – الدولة والشعب – بعمله البناء المستمر المتطور لتظل الدولة العصرية. ولكن التمني شيء والواقع شيء آخر، ومع ذلك فإنّ عُمان قطعت شوطًا طويلا في زمن قصير. ومعنى هذا أننا سائرون بمنتهى الجد والتصميم لنترجم مفهوم الدولة العصرية، وعامل الزمن بالنسبة لنا هو كل شيء).

المشوار طويل جدًا:
وحول سؤال عن كيفية مواجهة السلطنة – كدولة نامية – لمشاكل التنمية، قال جلالته: (هناك تحديات جابهناها منذ أول يوم كانت البداية من الصفر في جميع مجالات الحياة، وعمليات التخريب الشيوعية، وعصابات المتمردين الماركسيين الذين لم يستجيبوا لنداء الوطن كغيرهم ممن كانوا يحملون السلاح كانت قائمة. وكان علينا أنّ نسعى لتحقيق الأكثر).

حرب أكتوبر بداية فجر مشرق:
وتحدث جلالة السلطان عن حرب أكتوبر فقال: (إنها بداية فجر مشرق في تاريخ العرب. وإذا سرنا معًا على طريق التضامن والتعاون فإنّ تحقيق النصر الكامل، واستعادة كل الأراضي العربية المحتلة وضمان حقوق الفلسطينيين سوف تتحقق لا محالة إنّ آجلا أو عاجلا).

مؤتمر جنيف:
 وعن مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط قال جلالة السلطان: (أنا فعلا متفائل بمفاوضات جنيف للسلام. فالعدو لم يكسب من عناده إلا الهزيمة. بينما حقق العرب بمرونتهم وحقهم العادل الفوز والانتصار. واليوم لم يعد العالم يؤمن بسياسة الحرب لأنها حتى لو نجحت فإنها لا تحقق إلا مكاسب مؤقتة. لكن إذا ركب العدو رأسه وعاد إلى صلفه وغروره فإنّ اللجوء إلى السلام هو الحل الأخير).

سياسة الانفتاح:
 وعن سياسة الانفتاح بشكل عام، وفي مصر خاصةً قال جلالته: (إنّ سياسة الانغلاق لم تعد تلائم العصر وأصبحت المصالح متشابكة وازدادت الحاجة إلى العلاقات الطيبة والانفتاح على العالم. وقد أدرك الأخ الرئيس السادات هذه الحقيقة وعمل بها، وحقق لمصر والعرب الانتصار العظيم في 10 رمضان).

علاقة طيبة جدًا:
وعن علاقة عُمان بمصر قال جلالته: (إنّ علاقتنا بالشقيقة الكبرى مصر علاقة طيبة جدًا، لقد أعطتنا الكثير من خبراتها في كافة المجالات لا سيما التعليم والطب والزراعة. والتعاون يتمثل في الخبراء والفنيين والاستشاريين الذين تقدمهم لنا وكل هؤلاء يؤدون واجبهم على أكمل وجه).
..............................................
المصادر: ناصر أبو عون – صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبيّة، ص: 174، 175، 176، 177، 178، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع – الأردن – ط 2/ 2015م، وانظر أيضا: جريدة عُمان – الصفحة الأولى والثامنة - السنة الثانية – العدد 93 – المجلد الثاني - السبت 24\08\1974م – 5 من شعبان 1394هـ.

تعليق عبر الفيس بوك