أرض الأفكار.. من يحدد المسار؟

 

زينب الغريبية

عندما نرى فارقًا بين دول متقدمة وأخرى نامية أو متخلفة عن ركب التقدم في جميع المجالات، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنّ هناك عقولا تفكر وراء تلك الإنجازات، وأن تلك الدول لديها مبدعون منهم من يفكر ومنهم من يتبنى مهمة التنفيذ ومنهم من يقوم بالتنفيذ.. فهل يا تُرى تنفرد دول دون أخرى بوجود رؤوس منتجة للأفكار؟ مبدعة وعبقرية؟ ووجود أيادٍ ماهرة للتنفيذ؟

ربما لن نختلف على وجود الأفكار في كل حيز سياسي مستقل، ولن نختلف على وجود عباقرة ومبدعون في كل بقعة من هذا العالم، أو على أقل تقدير وجود عقول قادرة على تبني أفكار معينة وإعادة تدويرها لتتناسب مع النسق العام لمكانها الجغرافي الحضاري. إذن، إذا وجدت الأفكار في كل مكان على حد السواء، فأين تكمن المشكلة؟ لمَ تتفاوت الدول في مدى تطبيقها لها؟!

لن نذهب بعيدا، فالإجابة قاب قوسين أو أدنى، فهي تدور في فلكنا؛ أولها الإرادة الحقيقية للتطور والنمو واللحاق بالركب، ومن ثم تنسدل القائمة للمراحل التالية، فهنا مربط الفرس الحقيقي، وهذه الإرادة تأتي من أكبر مركز في الدائرة، والذي تنطلق منه الخطط الاستراتيجية التي لا تقبل النقاش أو المساومة، وحين تلامسها الرؤية الواضحة السليمة الخالية من المصالح الفئوية تخرج للنور معلنةً باللون الأخضر أن "هيا بنا نحو الأفق".

حينها تتلاقى مع الأفكار المطروحة لتختار حسب الرؤية الصحيحة ما هو إبداعي وملهِم، ما يُنتج لنا حياة أفضل لكافة القطاعات لتنتعش الحياة الاقتصادية والفكرية والتعليمية والصحية والاجتماعية وما يندرج تحتها من قطاعات فرعية، تتكامل لتصنع مجتمعا راقيا متقدما. يتشارك الوضع مع من هم في مصاف الدول المنتجة التي ترفد العالم بكل شيء تحتاجه البشرية.

وحين يكمل السير من يتولى التنفيذ بكل إخلاص ومصداقية، مساهمةً منه في الرقي وتقديم الأفضل، دون وضع الربح الفاحش المنقوص الجودة في الحسبان، سنصل بالخدمات المقدمة والقطاعات المنتجة ما نسعى إليه، ما ينقص هنا الوطنية الحقيقية والنظر للمصلحة العامة دون الخاصة، دون إهمال للأخيرة، ولكن من الممكن تحقيق الشيئين معا.

فقد وصلتني رسالة متناقلة في الواتساب عميقة رغم بساطتها، ملخصها أن: أرسل تاجر كبير مساعدة إلى دولة نامية، ليرى إمكانية إنشاء مصنع للأحذية هناك، بعد شهر عاد المساعد بتقرير، قال فيه: سيدي: من المستحيل إقامة مصنع أحذية في هذا البلد، فالسكان بالأساس حُفاة ولا ينتعلون الأحذية، وفكرة بيع سلعة لا يستخدمها الناس تبدو بالنسبة لي فكرة مجنونة!

ارتأى التاجر أن يرسل مساعدُه الآخر في ذات المهمة إلى نفس البلد، قبل أن يحزم أمره، وبعد شهر أيضاً عاد المساعد الثاني بتقرير قال فيه: إنَّ فكرة إقامة مصنع أحذية في هذا البلد تبدو لي فكرة عبقرية، يمكننا بهذا تحقيق أرباح خيالية، فلم يسبقنا إلى هنا أحد، والناس يتألمون كونهم حفاة، ومن المؤكد أن يُقبلوا على شراء إنتاج مصنعنا بكثرة!

كل واحد من المنفذين رأى الفكرة من منطلق رغبته في التطوير، والسعي نحو تحقيق النمو من عدمه، والرغبة في تقديم الأفضل للمجتمع، والاستفادة من الخدمات وزيادة الإنتاجية، ورفع مستوى المجتمع بالخدمة المقدمة، وفي الوقت ذاته تحقيق نمو اقتصادي للتاجر نفسه وتوسعة تجارته.

وبذا، نؤكد فعلا على أن الفكرة قد تطرح وتظل تجوب بين من يعطيها صفتها الحقيقية، ليقوم بتنفيذها من منطلق صحيح وفي المكان المناسب والزمن الصحيح، وبأن تستخدم المُنفِّذ المخلص المسؤول الحاذق لتنفيذها، فنحن لا نحتاج لمزيد من الإحباط، وكفانا انتظارا للمُنقِذ المجهول، وكفانا رمي المبررات على ما يوجد حولنا من ظروف وإمكانات، فلدينا القوة البشرية القادرة على تحويل اللاشيء إلى شيء، والصعب إلى سهل، والمستحيل إلى ممكن، والتخلف إلى تقدم؛ فقط تنتظر الضوء الأخضر نحو الانطلاق.