عُمان واقتصاد شرق آسيا.. السمات المشتركة

طارق الصابري – سلطنة عمان


التصالح مع الذات هو المنهج السائد في سلطنة عُـمان في بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات بكل قوة ومتانة منذ القدم، وهو المنهج نفسه الذي اتبعته دول جنوب شرق آسيا للنهوض بمقوماتها والسير على الطريق الصحيح حتى باتت تُعد من الدول العظمى في تجارتها واقتصادها واعتماد عليه كوسيلة للنهوض.
لقد كانت تلك الدول قديما لا تفصل بين الاقتصاد والسياسة، بينما المنهج العماني يبين لنا بأن هناك فصلا تاما ما بين السياسة وبين التجارة والإقتصاد والإستثمار فلا يوجد تداخل بينهما.
لقد عملت الدول الآسيوية في وضع مخطط لمدة قاربت الـ ٢٠ عاما للخروج من معمعتها والتقدم بدور أكبر أهمية، وبديلا من أن تكون أداة للشتغيل أصبحت مشغلا تلعب دورا أساسيا، وإتباعها لفلسفة اللمنهج العماني وتوجهها نحو فصل السياسة عن الاقتصاد والاستثمار، كان عاملا لنهوضها من كبوتها وأضحت دولا ذات سيادة تجارية وصناعية مما وضعها الآن في قائمة الدول الأولى اقتصاديا.
وعلى الرغم من عواصف الأزمات التي عصفت بالعالم وانهيار معظم الأسواق العالمية الآخرى فلم تتأثر تلك الآسيوية بذاك التأثير الملموس، حيث إنها كانت مرتبطة ارتباطا كليا مع أسواق الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك استمرت في تحقيق التقدم والتطوير محافظة على توازن اقتصادها واستقرارها، وذلك بسبب دراستها وتطبيقها للاستراتيجيات الاقتصادية بعقول أبنائها من أصحاب الرأي العلمي والمكلفين من قبل الحكومات لوضع تلك الإستراتيجيات.
تبين لي عند تطلعي وقراءتي ومتابعتي لخطوط التجارة والاستثمار والاستراتيجيات الاقتصادية، أن هناك إنعطافا في تحوّل مجمل الإتفاقيات القادمة إلى اتفاقيات تجارية استثمارية اقتصادية، فــ العالم الجديد لن يتحدث إلا بلُغة هذه الاتفاقيات، وهذا ما يستدعي علينا أن نواكب ذلك العالم ونسارع في الإنجاز لأن نكون ضمن تلك الاتفاقيات المبرمة عالميا.
وحتى أشرح مستوضحا لكم ما ذكرته سابقا فإنه لابد من تغيير إستراتيجية  تجارتنا واقتصادنا إلى درجة أعلى مِـن ما هو معتاد عليه الآن، فنحن الآن مازلنا نعمل بالطريقة التجارية المألوفة وليس تقليلا من شأن القائمين بتلك الأدوار إلاّ أننا نُــعـدّ بمثابة المقاول الفرعي الثاني أو الثالث أو حتى الرابع لبعض الدول المسيطرة على التجارات والاقتصادات العالمية، وبمعنى أكثر توضيحا فإن دورنا ليس أكثر من أداة تشغيل للمُشغّل ولسنا بمُـشغليين فعليين في تلك الأسواق العالمية.
عُـمان الآن دولة حديثة وتاريخ نهضتها قارب الــ ٥٠ عاما، قامت خلالها بترسيخ بنيتها الداخلية تجاريا واقتصاديا وبالرغم من الإحباطات التي تقف حجر عثرة  أمام تقدمها، إلا أن هناك مجالا مفتوحا لتغيير الاستراتيجيات وهذا التغيير لا يعتبر هاما فقط بل يحتاج إلى عقول دارسة وقارئة لخارطة المستقبل.
كل ما تحتاجة عُـمان بين قوسين استيراد (المواد الأولية) وقد تكون ليس كل المواد الأولية فنحن نملك منها الكثير فقط نحتاج إلى آلية استخراجها وتشغيلها، ونملك الطاقة التي نصدرها لتلك الدول وتقوم هي باستغلالها والعمل عليها وإعادة تصديرها لنا مرة أخرى بأشكال مغايرة.
بل نملك نحن أنواعًا كثيرة من الطاقات التي تجعلنا نتعدى ونصل إلى المقدمة؛ - وقد لا أكون مبالغا - إذا قلتُ: ننافس تلك الدول، فضلا عن امتلاكنا للطاقة المطلوبة لتشغيلها والتي نمتلكها، وهناك طاقة وطنية على أهبة الاستعداد ولابد من استغلالها والعمل على صقل خبرتها حتى نكون في قائمة المُنجزين في اقتصادات الصناعات القادمة، فالمنهج راسخ وما علينا إلا الحرص على تدريبهم والتوجّه بهذا كله نحو الهدف الأسمى وهو استخراج الطاقة والمواد الأولية وإعادة تصنيعها ومن ثم تصديرها للعالم أجمع عبر اتفاقيات تجعلنا في قائمة الدول الآسيوية والمُصنِفة اقتصاديا.

تعليق عبر الفيس بوك