هوامش سياسيّة

الشيخ سالم العبري – سلطنة عُمان


كنت أتابع نشرة الـ 7 مساءً  بتوقيت القدس على قناة الميادين الفضائية وفجأة انتقل البث إلى رام الله لبث كلمة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير وحسبت أنهم سيكتفون بمقطع منه ثم يعودون  للنشرة  لكنهم استمروا بالنقل المباشر الذي استغرق قرابة ساعتين فأخذني الملل والحزن للسرير الذي يدفع إليه طقس مسقط الشتوي اللطيف فغلبني النوم وأراحني من عصر الأعصاب حين تسمع كلاما لشخص يتولي مسؤلية تحرير وطنه في عالم أصبح الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي محرزة للمعارك  قبل المدافع والطائرات في زمن أضحى عدو فلسطين ليس المحتل الصهيونيّ بعينه وذاته، بل القوى العالمية الاستعمارية أرضا واقتصادا وسياسة  وصار الذي كان بالأمس شقيقًا وداعما يقف في خندق واحد مع العدو إلا ما رحم ربك، إما لالتقاء المصالح وإمَّا ملَّ من تراتبية القابضين على القضية أنفسهم الذين أصبحوا عِلّة العمل الفلسطيني.
لقد تغني محمود عباس في كلمته أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير بأسماء القدس (القدس عروس عروبتنا، وزهرة المدائن، وبمجموعة من الأحاديث النبوية، وردَّد على مسامعنا قوله تعالى (اصبروا وصابروا  ورابطوا..   إلخ )  لكنه لم يكمل ختاميات شعر مظفر النواب، ولم يأت على ذكر آيات سورة الإسراء وفيها الدليل القاطع بوعد الله بالنصر الذى سيحرزه المجاهدون المقاومون وليس متسولوا السلام والمتمسكون بسلطة هي أهون من ببت العنكبوت في عُرف الكيان الصهيونيّ المحتل  فإسرائل التى يتسولوها عباس أرضا هي عند حسن نصرالله أوهن من بيت العنكبوت لأنه ورجاله  استلهموا  (هيهات منا الذلة)، واشتغلوا وِفقَ مبدأ (ما أخذ بالقوة لا يسترد إﻻ بالقوة)،  ومع شروعه في مفتتح الكلام كلامه سرعان ما ترك نصّ الخطاب المكتوب سلفًا، وصبَّ جام امتعاضه وغضبه على (حماس) لأنها قاطعت الاجتماع، واستهان بـ(الجهاد الإسلامي)  لعدم حضورها ووصفها قائلا: (لا تعرف العمل السياسي)، وكأن عملهم السياسي على مدى نصف قرن حرَّر فلسطين، ولم يكن فترةً ذهبية للكيان المحتل لتقطيع أوصال الأرض التى يحلم بها أهل السلطة ومع هذا الوضع يستحيل قيام دولة فلسطينية على نسبة محدودة من الأراضي المحتلة في 1967م.
ثم عاد فتناول وريقات الخطاب المكتوب ليدخل في تتبع تاريخي لوعود إقامة دولة إسرائل  والدول المشاركة لبريطانيا في تلك المساعي المجرمة، وكأزنه يريد القول: إن لأمريكا دور فاعل وحيويّ في إنشاء الكيان الصهيونيّ المحتل ليس فقط بهذه المرحلة، أو بقرار اعتراف ترامب بالقدس عاصمة  للغاصبين المحتلبن وقنصل أمريكا جالس قبالته وأمام وجهه  - على الأقل لا تستدعي قنصلها لاجتماعكم الذي كان يجب أن يكون غير معلن لأنه سيتخذ قرارات هامة  توازي القرار الأمريكي ومؤامرة ترامب في منح القدس هبةً أمريكية  للصهيونية –
بهذه الإحاطة السرديّة التى لا مكان لها في اجتماع قادة منظمة فتح وهي إحاطة باعتقادي لا تليق إلا بمحاضرة تثقيفية للناشئة والشبيبة وعلى إثرها  تداعت إلى ذاكرتي المقولة العربية الشهيرة (نسمع قعقعة ولا نري طحينا) نعم كان الاجتماع بمثابة ثررة فوق القضية، أعادتني إلى بُعيد رحيل جمال عبدالناصر حين كان السدات يتباري بكلمات ظاهرها الحب والعهد لخط ناصر وباطنها يمشي على خطه بالاستيكة كما وصفته هيئة الإذاعة البريطانية  مع إصدار كتاب (ياولدي هذا عمك جمال)، وإعلان إدماجه في المناهج الدراسية ولم تمض ستة أشهر على هذا الحدث وقام بانقلاب 14 مايو 1971 ليزيح كل رجالات عبد الناصر من المشهد السياسي من أمثال الفريق محمد فوزي وآخرين. وفي خطاب توليه الرئاسة رسميا أسهب السادات أيضا في رصف عبارات الشكر والامتنان للاتحاد السوفيتي ولم تمض سنتان حتى قلب الطاولة عليهم وعلى مواقفهم فأنهي مهمة الخبراء السوفييت وبدأ في مغازلة الغرب والذى  سيسلمه بعد ذلك 99 من أوراق اللعبة السياسية - حسب رأيه - التي يمسك بها.
نعود إلى خطاب محمود عباس أمام المجلس المركز لمنظمة التحرير لقد كنتُ أتوقّع من عباس القول: (إن تلك فترة حاولنا فيها اختبارالعالم ورغبته بإقامة سلام عادل  فلم تظهر منه أيّة مصداقية ورغبة. وإننا بذلنا جهودا مضنية في سبيل تحقيق السلام وعسى أن يكون لنا أجر المجهتدين والآن أعلن إنهاء كل الاتفاقات والعودة إلى لشعب المناضل على منذ قرن  ليختار ممثلين له يقودون المرحلة المقبلة من النضال) ثم يحدد موعدا لانتخابات مبكرة وعاجلة لا يدخل بها رجالات (اسلو ومدريد) الأساسين كعباس وعريقات.
أما حين كنتُ أتابع (لُعبة الأمم) مع سامي كليب وهو يجري حوارا شاملا مع السيد حسن نصرالله تسيطر عليك قناعة بأنك تعيش مع شخصيتين يأسرك كل منهما.. فلما أبعدني الإعياء من مواصل نشاط يوم كامل وأبعدتني الغفوة أحسست و كأن العتيم قد فاتتني من محاور مميز يعرف ويقدر أنه أمام شخصية قد لايشبهها أحد حملت أمانة الجهاد عن أمة فقيض الله هذه الشخصية وأن يكون لها وحدها التأكيد للأمة على أن وعد الله بالنصر متحقق وواثق به وثوق العدو بكلام وأحاديث السيد نفسه الذي لم تحد شعوره بالواجب مساحة كمساحة لبنان ورجال وجنود يعدون بالآلاف لا بـ  300 مليون  أو  المليار إنه يعد وهو يعمل  ويؤكد أن حرب العدو علينا سنحولها لفرصة  لتحرير القدس،  قبل هذا الحوار كان يقول سندخل الجليل إذا فرضت عليان حرب العدو  وكان بيده عشرات الألوف واليوم هو يرى الأمة قد تغيرت بعد الحرب الآثمة على سوريا فتحولت إلى وسيلة لإعداد الشعوب لحرب تحرير فلسطين.
ثم هذا القائد الذى هو بهذا التوصيف يسد احتجياحات أسرته صغيرة العدد كبيرة المقام بألف وثلاثمائة دولار وهي ثمن حذاء رجل أعمال عاديٌ وأقل بكثير من حذاء شاه إيران سابقا أو زوجة ماركوس الفلبين، فكيف بقيمة أحذية عائلة ترمب التى سيأخذها غرور العظمة فوق ما كانت عليه وقد خرجت حقائبهم ملأى بهدايا عربية بالمليارات.
إن نصر الله لا يريد من الحياة زخرفها فهو لم يخلق لهذا وعائلة يربيها السيد ستكون أكثر حرصا على الابتعاد عن متاع الحياة الزائف لأن رصيدها إيمان يظهر على جبهة السيد (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) أليس هو من كان يصوم والمعركة تدور رحاها في حرب 2006  لو قارن المهتمون ما يتحصّل عليه لوجدوا أن راتبه يماثل ما كان يتقاضاه عمر بن الخطاب - رضي الله - عنه منذ 1400 عام، ولا يماثله إلا حياة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي - رحمه الله -  وينقَلُ عن البعض أنه أراد أن يعرف ماذا يأكل إمام المسلمين فلما امتدت أيادي ضيوف الإمام والمتعلمين للطعام أخذ الإمام طريقه داخل الحصن فاتبعه دون استئذان وبحياء  فوجده قد قُرِّب له خبزٌ يابسٌ مع تمر لا يقل يبوسة عنه ثم قام إلى الجحلة  فأخذ قدحا من مائها ليدفع به  ما تشحرج بحلقومه  ها هم الأخيار الذين يغيرون وجه الأرض.
حين تكلم السيد حسن نصر الله عن اليمن ردا على تساؤلات سامي كليب تحدث بألم عن البشرية الظالمة كلها وعن ذوي القربى الذين لم يِكْفهم  منع الدواء والغذاء عن شعب هو أصل أرومة العرب ومبعث افتخارهم، بل أشار إنه لم يبق نوع من الأسلحة لم تُصب عليهم وأقطارالعرب كبيرها وصغيرها راضية إن لم تشارك مباشرة أو تغض الطرف عن العدوان، الذي دمّر حضارة ومرافق حياة شبه معاصرة في بلدان العدوان ذاتها وقتل الطفل وأمه واختلط الدم بالحليب بفم الرضيع، وقتل المصلين في المحراب والعروس بملابس الزفاف.
إلا أن السيد حسن المتصل بحبل الله الواثق به لا تتغير قناعاته بتحقق نصر الله لليمنيين المظلومين، إنه يري النصر رأي العين ، ومع ذلك يرجو من الأخوة الاعداء أن يعودوا للحق والحقيقة فلا تأخذهم غطرسة قارون بماله واستكبار عاد بقوتهم وينصحهم  بأن النصر حليف المستضعفين هذا أمر الله لا تغيره  قوة نووية ولا يبدله كون المعتدي يتسربل غشاء الإيمان فالإسلام والإيمان ليس مكانا أو مظهرا، بل ما وقر بالقلوب (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)  
ثم يأتي ختام حلقة الحوار الذي اختاره المحاور بعد أن أفرغ السيد حسن كل رسائله للأمة وللعالم وللداخل اللبناني ليقول له إن كثيرا من الرسائل تأتيه ترجو إكرام زعيم الأمة الذي يماثله في كثير من الصفات من الإباء والعزة والكرامة والعداء للصهيونية والاستعمار والرجعية وكان عدوا لهذه القوى مطلوبا روحا وجسدا منهم كحال السيد وهو بزهده يتماتل مع السيد فقد كان يتقاضي راتبا مقداره 600 جنبه مصري خفضها بعد نكسة 1967 إلى 400 جنيه إنه جمال عبد الناصر الذى يطالب أحرار الأمة من السيد حسن أن يسعي لإعادة تمثاله الذي أقيم له في صيدا، وربما ظن بعض المطالبين أن أخا جمال عدو له ولن يبادر بالإجابة بكلمة نعم ونسوا أن الرجال العظام تعظم في أعينهم الرجال الذين خلدهم التاريخ بقيمهم وعملهم الدؤب لنهوض الأمم ومصالحها والذود عنها وماتوا بالجبهة  شهداء  كناصر، فما كان منه إلا تمَّمَ على كل ما قال به المحاور سامي كليب وما طالب به المطالبون وشجع ودعم  كل ما يعزز الذكرى وفاء لجمال عبد الناصر وما هي إلا أيام وشاهدنا تمثال ناصر يرتفع وتعلو قامته أعلى من قامة تمثال رمسيس  الثاني في باب الحديد  (سابقا)
 هكذا تنتهي 3 ساعات تقريبا من حوار السيد حسن نصر الله مع سامي كليب وكأنها لحظات يعتزبها كل حر شريف أبي ويعلو به وتعلو به آفاق وآمال ورجاء  ويرتعد معها  فراعين العصر وجبابرة الدهر، وتنكبُّ أجهزة العدو على دراستها وتحليلها كما وكيفا إنها ليست احتمال دخول الجليل فقط، بل توجّه للقدس والأقصى امتثالا لأمر الله وتحقيقا لوعد (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا). صدق الله العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك