سماء الأمنيات.. وواقع الحال

المعتصم البوسعيدي

عند الفرح ترى كل شيء جميلًا؛ فنتحلق إلى سماءِ أمنياتٍ كبيرة، وترى السعادة تتهاطل عليك، وتزداد سروراً إذا ما جاء الغيث بعد جدب وجفاف، لكنَّ أبا البقاء الرندي عند رثائهِ للأندلس قال: "لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ/ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ"؛ فخلف كل اخضرار يباسٌ ينتظر، وبعد كل فرحٍ عُقبى حُزن، وهكذا هي الحياة ولا اعتراض، إلا أن ثمة أسبابا يتعذَّر بها الإنسان وبيده حلها، ولا ريب أن الرياضة تحمل الدروس والعبر.

قبل عامين، تولى دفة القيادة الفنية لريال مدريد المدرب الإسباني رافييل بينتيز، إثر إقالة مفاجأة للعجوز الإيطالي كارولو أنشيلوتي، الذي رغم إخفاقه في موسمه الأخير مع فريق العاصمة، إلا أن الفريق الملكي كان له "طعم ولون"، لكن الرئيس كان مصدر أحكامه "حسَّابة" البطولات؛ لذلك أسقط فارس العودة المظفرة لسيد "ذات الأذنين" الأوروبية من حساباته، وكاد أن يحصد ثمنَ قراره لولا تداركه للموقف -عن قصد أو دون قصد- بتسليم الراية للأستاذ الأصلع "مسيو" زيدان الذي انطبق عليه وصف المتنبِّي لسيف الدولة: "وقفتَ وما في الموتِ شكٌّ لوقفٍ/ كأنكَ في جفنِ الرّدى وهو نائمُ/ تمُرّ بكَ الأبطالُ كلمى هزيمةً/ ووجهكَ وضاحٌ وثغركَ باسمُ"؛ فكانت ابتسامة جماهير نادي القرن العشرين لا تساويها ابتسامة حتى منتصف ديسمبر من العام المنصرم، والذي بدأ معه اكفهرار الوجوه، وهذه المرة يبدو أن الرئيس استوعب الدرس؛ فلا يزال البيت الملكي يغلي في هدوء بانتظار نهاية المسلسل الذي لا أظنه سيطول، على أن الأمر يبدو مختلفًا تمامًا مع الغريم التقليدي في "كتلونيا"؛ سطوع بعد خفوت، وصعود بعد نزول، وفترة زاهية بالنتائج والأداء والصفقات الناجحة، في مؤشر يزيد من حظوظ تحقيق الإنجازات الجماعية والفردية على حد سواء.

في الشأن المحلي لم تعش الكرة العُمانية فرحة كفرحةِ الحصول على لقبِ خليجي 23، حتى إنها فاقت فرحة باكورة بطولاتنا الخليجية في خليجي 19 بمجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر، وقد يرى البعض أن هناك مبالغة في الفرح والاحتفال، وعلى كل حال قد يبرر الفرح من زاوية أخرى لعدة اعتبارات؛ ليس أولها فرحة الوطن بأكمله وليس آخرها شعبية كرة القدم الجارفة، فرحةً طارت بنا لسماءِ الأمنيات الجميلة، وما فتأت تحلق حتى سقطت لأرض واقعنا من جديد؛ حيث نتائج المنتخب الأولمبي بالصين، فشحذت سيوف النقد ونال المدرب النصيب الأوفر منها، ولستُ برافع المسؤولية عن المدرب، إنما -حقًا- أليس هذا واقعنا؟! نحن بحاجة للنقد وأحيانًا بقسوة، وللتغيير المحسوب لا على العواطف ومحاولة إيجاب المسبب لا السبب، وعن الشفافية عند الفوز وعند الخسارة، نعم كان "العشم" كبيرًا في الأولمبي في ظل النتائج السابقة ومع نفس المدرب، ونعم نحتاج للمحاسبة، لكن علينا نكون أكثر واقعية وإنصافًا، ولا أخفي أعجابي بإجابة الدكتور جاسم الشكيلي نائب رئيس الاتحاد العماني لكرة القدم عن سر تفوق المنتخب الوطني الأول؛ حيث قال حسب ذاكرتي: "لا سر، نحن ركزنا على المنتخب واجتهدنا، والحمد لله أن وفقنا للفوز"، وقد استرسل في الحديث عن التحديات الكبيرة والجهود الجبارة المنتظرة لتطوير المنتخبات بكل فئاتها وكرة القدم بشكل خاص.

إن عالم الرياضة وكرة القدم تحديدا تتشابه مشاهدها في كل مكان، وكرة القدم -كما يقال- أحيانًا لا تنتصر للأفضل، والحياة كما أخبرتنا عنها قيمنا الإسلامية عبارة عن سعي واجتهاد، قد تصيب وقد لا تصيب ولا تعني في كل الأحوال أن ليس هناك عمل أو حتى نية طيبة للعمل، وعلينا أن نعترف -أيضًا- بواقعنا ومشاكلنا، وأن لا نغتر "بريش" كاذب لنطير نحو سماوات لسنا مستعدين للتحليق فيها، مع أهمية المحاولة ثم المحاولة ثم المحاولة، وعسى أن تكون هناك وقفة مع كل إخفاق كما هناك وقفة مع كل نجاح، دون الخوف أو الحساسية من كلمة "إخفاق".