كل شيء في عُمان تطور عدا..!

حمد العلوي

إلى عشر سنوات مضت، كان بعضنا في عُمان ينظر إلى كرة القدم العُمانية، على أنها ستظل تحرص على مكانها في آخر قائمة الفرق الخليجية، وإن الفريق العُماني سيظل المحطة التي تعبأ منها النقاط في رصيد كل خاسر من الفرق الأخرى، ولكن حتى كرة القدم تغيرت وأتت بقمة تغيُّرها بكأس 23، وكأن هذا الرقم يشدُّنا إلى سر الانطلاقة في التغيير، وطبعاً هذه هي الكأس الثانية؛ فالأولى كانت في مسقط، والاستمرارية في التقدم والرقي -بإذن لله تعالى- يحتاج إلى فكر وفن مع الجهد البدني، فالمنتخب العُماني الذي قدَّم دروساً حية في كأس الخليج الثالثة والعشرين، كان آخرها وليس أولها طريقته في اللعب والفوز؛ فأثبت تغيراً فكريًّا وليس مراناً وتدريبًا وفنًّا وقوة بدنية وجسدية، وإن الصبر وقوة التحمل على كل شيء بداية النجاح، وكان هنا سر التطور عندما يعلم المرء ويقتنع بأن بمقدوره التغيير لأجل الانتصار والفوز بالنتيجة.

إذن؛ فلنتعلم من كرة القدم العُمانية فن التغيير والانتصار والتكرار، وأمامنا كعُمانيين ساحات كثيرة تحتاج إلى إعادة نظر في طرق وأساليب النجاح، وإلا سنعتبر كل تاريخ حداثة جرت مقرونة بالأصالة على أرض السلطنة من عام سبعين إلى اليوم، مجرد شيء من أحلام اليقظة عدا الأصالة التي لا تفارقنا أبداً، لأنه ليس من المنطق أن نسير خطوة إلى الأمام، ونرجع ثلاث خطوات إلى الخلف، ونزعم قولاً أننا نسير إلى الأمام دوماً، فنحن إذا نظرنا إلى التشييد والبناء في البنية الأساسية، سنرى الطرق الحديثة الرائعة بأطوال أُلوفية، بعدما كانت في عُمان كلها أربعة كيلومترات من الطرق المرصوفة بين مسقط ومطرح، وسنرى كذلك المطارات الحديثة والموانئ الضخمة العملاقة، وسنرى العدد الكبير من الجامعات والكليات ومختلف صروح العلم، وأيضاً سنرى أكثر من عشرة آلاف مدرسة مقارنة مع ثلاث مدارس فقط قبل النهضة العُمانية المباركة عام 1970م، وغير ذلك من المؤسسات الصحية والخدمية الحديثة والصناعية والإنتاجية، والكثير من مشاريع البنية الأساسية الواعدة بالخير.

ولكن رغم كل هذا التطور الهائل في كل الاتجاهات، إلا أننا نجد فكر الجهاز الإداري للدولة متحجرا للأسف الشديد، ويتقوقع في بوتقة غليظة من البيروقراطية الإدارية الخانقة، وهناك من يهتم باستحداث العقد المحكمة، ولا شأن له بالحل والتيسير على الناس، وقد نستثني بعض المحاولات الفردية التي بدأ ينتهجها بعض من صف الموظفين الصغار، ربما نتيجة وعي شخصي وثقافي من الفرد نفسه، وعدد قليل ممن هم على رأس الهرم في بعض الوزارات، يكابد للخروج من التقليد المتبع الممل، والسير بعكس الغالبية العظمى ممن يحرصون على عدم الخروج من النمط التقليدي المألوف، ومع ذلك فهذا أمر مُبشِّر بالخير، لكن ثماره ستأتي متأخرة جداً؛ لأن الأمر يجب أن يأتي على شكل عقيدة في نفوس الجميع، وليس البعض من البعض، وهذه العقيدة يجب أن تكون متبناة من قبل صانعي القرارات ومتخذيها، وإلا سنظل هكذا نسير خطوة إلى الأمام ونرجع ثلاثاً إلى الخلف كما هي حالنا اليوم.

إذن؛ تطور عُمان وتقدمها بتقدم وتطور فكر المسؤولين، فالتقدم سيظل مرتبطا بعقل فئتين؛ هما: صانع القرار ومتخذه، كل في حدود الصلاحيات والسلطات الممنوحة، والمفوضة إليه بحكم قرار التكليف، ولا ننسى أن شأن عُمان في تطورها وتقدمها، يجب أن يكون ملء عقل وفكر كل شخص مكلف بالمسؤولية، وأن لا يكون باله مشعولاً بوضعه بعد ترك الوظيفة، وإن كان أسلوب التقاعد اليوم، وطريقة التعامل مع المتقاعد، تدفع بالموظف إلى إشغال فكره بحظه بعد التقاعد، بعدما رأى نفسه متمثلاً فيمن سبقوه إلى التقاعد، وحتماً قد آسف عليهم نظراً للتهميش المادي والمعنوي، والموظف يأسف لمصيره الذي يراه في غيره، ولكن هذا ليس عذراً حتى يعمل بنصف ضمير وبنصف وعي، فالذي يغيب مع الناس لن يغيب مع خالق الناس.

إن السلطنة التي غُمرت بسحب كثيفة من التضليل الإعلامي في الماضي من قبل البعض، أصبحت اليوم شعاعا جاذبا للاستثمار والاستقرار الاقتصادي، وذلك بفضل فكر قائدها العظيم، وحكمه الرشيد بالوقوف على المبدأ بصدق وثبات، وتوأمة نهج القائد مع شعب وفيٌّ أبيّ كريم الخصال، يحمل في قلبه الحب الكبير للوطن وجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- توأمة رائعة قلَّما تجدها في بلدان أخرى، وهذا الشعب الذي ظل يتناقل الحب والوفاء عبر القرون أبًّا عن جد، يدلل على أنه لا يتصنع خلقاً ليس له، ولا شجاعة رسمت له من الغير، وإنما كل الخصال الحميدة تناقلها في جيناته الوراثية، حتى حار الآخرون في أمره؛ لأنهم يرونه مختلفاً عنهم في أسلوب حياته، والحقيقة أنه يسلك السلوك الطبيعي للإنسان والإنسانية، ومن اختلف معه في نهج التعامل فعليه أن يراجع نفسه، إذن لتلك الأسباب أصبحت عُمان محط أنظار العالم اليوم، ومغناطيس جذب في كل الاتجاهات، فلا يجوز أن نكشَّ الرزق بأيدينا ونعطيه ظهورنا.

أليس علينا أن نطرد البيروقراطية العقيمة، ونعود إلى نظامنا العُماني المنضبط اجتماعيا وسلوكياً، كوسيلة للترحيب بالمستثمرين والسائحين والزائرين، وأن نترك التقليد الذي ليس لنا فيه حظ، خاصة في الجوانب السيئة منه، كالفكرة التي تفتقت عن ذهن مظلم لا يرى إلا المال هدفاً، كمشروع بيع العقار للوافدين، وينسى أو يتناسى الأمن القومي للوطن، وإن تملك الوافدين للعقار حتماً سيشكل خطراً على الوطن في المستقبل، وإن الدول الكبرى ليست مهتمة بحقوقنا كأهل بلد، وإنما ستهتم بحماية حقوق مواطنيها، بغض النظر عن الأرض التي يتواجدون عليها وقدسية سيادتها، فتلك فلسطين وسنغافورة وتيمور الشرقية، مثال حي على التربص الدولي بالدول الصغيرة، إذن سنظل ننادي بالاستثمار الذكي والمرن، وحينذاك لن نضطر إلى بيع أوطاننا بسذاجة واضحة، تحت حجة إنعاش الاقتصاد، هذا الاقتصاد الذي ننكل به يومياً بعُقدنا المريبة، والرسوم والضرائب الغبية الكاسرة لظهره.