حوار جلالة السلطان قابوس مع مجلة (درع الوطن) الظِّبيانيّة عام 1973م

في حديث لمجلة (درع الوطن) الظبيانية:
    قابوس: علاقتنا بدولة الإمارات وطيدة ويجمعنا وجود واحد.
    لولا عودة بعض أبناء البلاد من الخارج لما تمكنا من إنجاز الكثير.
    وحدة دول المنطقة أمر يهمنا جميعًا ولكن يجب أن ننظر إلى الأمور بواقعية.
    تحرير الأرض العربية سبيله وحدة الصف العربي والحد من الخلافات.

قال جلالة السلطان قابوس المعظّم: (إنّ علاقات عُمان مع جيرانها باستثناء أولئك الذين يساعدون المتمردين هي علاقات حسنة جدًا وإنَّ زيارة جلالته لدولة الإمارات العربية المتحدة وزيارة سمو الشيخ خليفة بن زايد ولي عهد أبو ظبي ورئيس وزرائها للسلطنة قد جاء تأكيدًا لعمق الصداقة وضرورة تبادل الآراء بين البلدين).
جاء ذلك في حديث صحفي أدلى به جلالته لمجلة "درع الوطن" العسكرية الشهرية التي تصدرها وزارة الدفاع في إمارة أبو ظبي الشقيقة، وذلك خلال الزيارة التي قام بها سمو الشيخ خليفة بن زايد للسلطنة، وقد نُشِرَتْ المقابلة في عدد المجلة الصادر في مطلع الشهر الحالي.. وفيما يلي نصّ الحديث:

قلتُ للسلطان قابوس: من أين نبدأ الحوار.. من الحاضر أم من المستقبل؟
وابتسم جلالته وهو يقول: من حيث تريد أنت
قلتُ: إذن لنبدأ من الحاضر، ولكن الحاضر هو هذه اللحظات.. أعني هذه الزيارة التي يقوم بها سمو الشيخ خليفة بن زايد للسلطنة، إلى أي مدى وصلت علاقات سلطنة عُمان مع جيرانها بصورة عامة ومع دولة الإمارات العربية بصورة خاصة؟

علاقات حسنة:
ويقول السلطان:(علاقتنا مع جيراننا باستثناء أولئك الذين يساعدون المتمردين حسنة جدًا، أمَّا بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة فهي وطيدة وقد جاءت زيارتنا السابقة لدولة الإمارات العربية وزيارة سمو الشيخ خليفة لبلادنا تأكيدًا لعمق الصداقة وضرورة تبادل الآراء حيث إننا تجمعنا منطقة واحدة ووجود واحد).

النشاط والجهد الدبلوماسي:
ويستمر الحوار...
لاشك أنَّ جلالتكم قمتم بجهد ونشاط واسع في المجال الدبلوماسي لتحقيق أهدافكم..
ويرد جلالته: (كان لابد أن يحدث ذلك.. فقد كان لابد أن نخرج إلى العالم بعد تلك العزلة الطويلة، ولقد نجحنا في ذلك إلى حدٍ كبير، ولقد أعطى ذلك تأثيره على الداخل أيضًا فقد أحسَّ أبناء هذا القطر أنَّ بلدهم أصبح له كيانه بين دول العالم.. إنَّ ذلك يعطيهم دفعةً قوية من أجل مزيد من العمل.. ويجعلهم أكثر إيمانًا بقضيتهم ويساعدهم على الاستقرار النفسي).

أثر العُمانيين العائدين:
قلتُ: ونحن نتحدث عن الاستقرار النفسي نحن نعرف أنّ عددًا كبيرًا من أبناء عُمان قد تركوا البلاد، وإنَّ جلالتكم قد وجهتم إليهم نداء بالعودة.. هل كان لذلك أثر ظاهر في مسيرتكم؟
يقول السلطان: (لقد عاد عدد لا بأس به ودعني أقولها لك بصراحة وأنا لا أُبالغ فيما أقوله: لولا عودة بعض أبناء البلاد لما تمكنا من أن نقوم بما قمنا به، وكلنا أمل أن يعود المزيد من أبناء الوطن، ليأخذوا دورهم الطبيعي في بناء بلادهم).

استغلال الثروة الطبيعية:
قلتُ: جلالة السلطان.. لننتقل إلى صورة المستقبل، تطالعنا الصحف من حين لآخر بأنَّ أرض عُمان تحوي في باطنها أكثر من ثروة، فما هو تصوّر جلالتكم لاستغلال هذه الثروات.. هل هناك خطة معينة للاستثمار سواء في القطاع الزراعي أو الصناعي؟
وتقفز ابتسامة واسعة على وجه السلطان.. ابتسامة امل عريض، ويواصل حديثه: (الإنسان آماله كثيرة، ونحن نأمل – إن شاء الله – ألا تكون خالية من الثروات ونحن جادين في البحث عن هذه الثروات.. وتتم هذه العملية حاليًا إذ نقوم بعملية مسح كامل لتحديد المصادر والثروات الأخرى كمًا وكيفًا والدلائل – والحمد لله – تبشر بخير.. وعندما تنتهي عملية المسح هذه لا شك في أنَّه ستكون هناك خطط كاملة لاستغلال هذه الثروات. ومن ناحية التصنيع فقد وضعنا خطة عاجلة لإنشاء مصنع لاستغلال الثروة السمكية وآخر لإنتاج الثروة الزراعية وتصدير الفائض. والخبراء يقومون حاليا بالدراسات الخاصة بذلك..).
(الحديث مازال مستمرًا.. وهدير الأمواج يكسر جدار صمت الليل الذي أسدل ستاره خارج نوافذ القصر.. وانتقل بالحوار إلى نقطةٍ أخرى..)

الصراع العالمي في المنطقة:
قلتُ: جلالة السلطان.. حديث الثروات بجرنا إلى موقف قوى الصراع العالمي في منطقتنا.. هل لجلالتكم تحليل خاص لموقف هذه القوى؟
ويقول السلطان قابوس: (لاشك إنَّه لم يعد يخفى على أحد أنَّ الجزيرة العربية بما فيها الخليج.. في كل بقعة منها أكثر من ثروة، ولعل في مقدمتها البترول كما تعلم.. لا جدال إذن في أن هذه الأرض المليئة بالخير تصبح مطمعًا. إنَّ هذه الثروات تفتح شهية الآخرين.. أينما كانوا شرقًا أو غربًا.. ولعلك تستطيع أن تلمس ذلك في المنافسة التي تقوم بين الشركات، ولا شك أنَّ دول هذه الشركات تقف وراءها.. بل أكثر من ذلك فإنَّ البعض يحاول أن يتبع أساليب فتيت الوحدة الوطنية من أجل مآربهم في خيراتنا).

الوحدة لا تأتي عفوية:
قلتُ: ألا ترى جلالتكم: أنَّ ذلك يدعو إلى نوعٍ من التكاتف أو الاتحاد بين دول المنطقة؟
قال جلالة السلطان: (لا شك إنَّ الوحدة أو الاتحاد أمر يهمنا جميعًا، ولكن الوحدة لا تأتي عفوية إننا يجب أن ننظر إلى الأمور نظرة واقعية.. لابد أن نحدد أولا أهداف الوحدة المطلوبة.. ثم نحدد أساليب الوصول إليها.. فهناك أولا الوحدة الاقتصادية، ثمّ الوحدة السياسية.. وإذا استطعنا أن نحقق وحدتنا في المجالات المتعددة لسلوكنا لأصبحنا أمام واقع يحتم علينا وحدة لا انفصام لها).

الشرق الأوسط وفلسطين:
قلتُ: لننتقل إلى الشرق الأوسط وقضية فلسطين.. وقبل أن أُكمل الحديث.. كان جلالته يقول بمرارةٍ وضحت معالمها على وجهه:
(ماذا نقول عن ازمة الشرق الأوسط، إننا كجزء من الأسرة العربية نؤمن كما تؤمن هذه الأسرة بتحرير الأرض العربية، ولكن لين يكون ذلك ممكنًا بشكل حاسم ما لم يتم توحيد الصف العربي، أو الوصول إلى الحد الأدنى من الخلافات.. إننا حتى الآن كأسرة عربية لم نستطع أن ننبذ خلافاتنا الصغيرة.. انظر إلى خريطة العالم العربي ماذا يحدث في بيروت.. الموقف بين سوريا ولبنان.. الموقف على الحدود العراقية الكويتية.. وغيره من الخلافات التي تفتت القوى العربية.. إننا هنا بقدر إمكانياتنا نحاول أن نسهم في القضية العربية وكان آخر ذلك دعمنا للجبهة السورية.. ولكن ذلك وحده لا يكفي.).

كلمة لأبناء الخليج:
قبل أن ينتهي حوارنا.. قلتُ للسلطان قابوس: ماذا يمكن أن تقوله جلالتكم الآن لأبناء الخليج على صفحات "درع الوطن" غير الذي كل الذي تحدثنا فيه؟
قال جلالته وهو يبتسم: أقول للجميع – الحكام وأبناء الشعب.. كونوا دائما متكاتفين متعاونين متحدين في مسيرتكم من أنَّه طريق التقدم والازدهار وأرجو لهم جميعًا كل خير.
 
......................................................
المصادر: ناصر أبو عون – صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبيّة، ص: 146، 147، 148، 149، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع – الأردن – ط 2/ 2015م، وانظر أيضا: جريدة عُمان - الصفحة الأولى والثامنة - السنة الأولى – العدد 35 – المجلد الأول - السبت 14 يوليو 1973 14 من جمادى الثانية 1393هـ

تعليق عبر الفيس بوك