ليس دفاعا عن رجل الأعمال البحريني (2/2)

عبيدلي العبيدلي

كي يتمكن رجل الأعمال البحريني من الانتقال من مرحلة الانطلاق، إلى محطة التأثير الإيجابي القائم على التفاعل الديناميكي مع مجرى الأحداث في المُجتمع البحريني، والتأثير في مُجرياتها، ومن ثم في اتجاهاتها المركزية، أصبح مطالبا بتحمل مسؤولية مركبة يتداخل فيها السياسي مع المهني.

ففي ما يتعلق بالسياسي، لا بد من التأكيد على ظاهرة في غاية الأهمية، عندما يتعلق الأمر بإمكانية اتساع مساحة الهامش التي يمكن أن يحتله رجل الأعمال البحريني في خارطة العمل السياسي، إذ لا بد من مراقبة التحول، وإن يكن النسبي والمحدود، الذي باتت تتبعه العديد من البلدان العربية، ومن بينها البحرين، نحو تبني "سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة وانقلابها على نمط الاقتصاديات المركزية المدارة من قبل المُؤسسات الرسمية وتفضيلها التدريجي للقطاع الخاص كقاطرة للنمو، بدأت الكيانات التنظيمية لأصحاب الأعمال تضطلع بأدوار مُهمة في صناعة القرار التنفيذي العام المتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية وفي هندسة البيئة القانونية الناظمة لنشاط القطاع الخاص".

ومن هنا فالدور السياسي المطلوب أن يمارسه التاجر البحريني، هو أن ينأى بنفسه عن مُزاولة العمل السياسي المباشر، ويوكل هذه المهمة للحزب الذي يقوم بإنشائه، لكن على نحو مستقل، بحيث يضع خطًا فاصلاً، واضحاً ويبني جدارا سميكا عاليا بين مكونات ذلك الحزب، أو الجمعية السياسية، وبين الأنشطة المالية والاستثمارية التي يمارسها التاجر. يتحول الحزب، أو الجمعية السياسية، حينها إلى الذراع القوية التي تتبنى رؤية التاجر البحريني السياسية، وتدافع عنها من خلال برنامج عمل متكامل.

هنا تصبح تلك الجمعية السياسية هي السد المنيع الذي يحمي التاجر البحريني، وقناة التواصل بين القطاع التجاري ومكوناته من جانب، وبينه وبين السلطة القائمة من جانب آخر. ولضمان الفعالية المطلوبة، وتأمين الاستمرارية الضرورية، ينبغي لهذه الجمعية التي تنوب عن رجل الأعمال البحريني في المحافل السياسية، أن تتحلى بالفهم السياسي العميق، والخبرة التنظيمية القوية، والمعرفة العلمية الراسخة التي تمكنها من التميز عن القوى السياسية الأخرى، والتفرد بالدفاع عن مصالح وبرامج رجل الأعمال البحريني، التي يفترض ألا تكون بأي حال من الأحوال، متضاربة مع المصالح الوطنية، أو متنافرة مع المطالب الشعبية في نطاقها العام الأوسع.

أما على المستوى المهني، وهذا هو الأهم، فمن الطبيعي أن تتشكل جمعيات سياسية، تشتمل برامج عملها على ما يمكن أن تنضوي تحته مشروعات رجل الأعمال البحريني، لكن عندما يأتي الأمر عند المصالح المهنية، ينبغي أن يقف رجل الأعمال البحريني سدا منيعا أمام أية محاولة تسعى لاختطاف هذا الدور منه، وتجريده من هذه المسؤولية التاريخية.

هذه المهمة المهنية تنقلنا مباشرة إلى "بيت التجار"، أو بالأحرى غرفة تجارة وصناعة البحرين، وعلى نحو أكثر تحديدًا ودقة، إلى انتخابات الغرفة القادمة، التي كانت استهلالية هذه المقالة.

من المتوقع والطبيعي أيضًا، وهي مسألة صحية لا ينبغي استهجانها، مهما اعترتها بعض المثالب والأخطاء، بل وحتى الزلات، أن تتشكل كتل انتخابية تعبر كل واحدة منها عن مصالح فئة معينة من التجار، وتعكس في الوقت ذاته، تطلعاتهم ومقاصدهم من خوض تلك الانتخابات. لكن الكتلة الانتخابية ينبغي عليها أن ترفع راية الدفاع عن رجل الأعمال البحريني، وتكرس دوره الإيجابي، وتترك بصمته القوية المؤثرة على هذا القطاع. مثل هذه الكتلة ينبغي أن تتوافر في عناصرها مجموعة من المواصفات، الأبرز بينها هي:

*الثقل الاقتصادي، فمن غير المنطقي أن تختل موازين العلاقة أو طرفا معادلة الحجم الاقتصادي، مع الطموح المهني. بل ينبغي أن تحكم هذين العاملين علاقة تناسب طردية تحفظ لكل ذي حق حقه. ومن ثم تنعكس إيجابا بما يحقق تضافر مقومات طرفي هذه المعادلة.

*المكانة الاجتماعية، فالحيز الاقتصادي، يفقد نسبة عالية من تأثيراته الإيجابية المطلوبة، إن لم يكن مسنودا بمكانة اجتماعية يحظى من خلالها صاحبها، ليس بعدد الأصوات المطلوبة، فحسب، بل توفير المساحة المناسبة لهامش التأثير المطلوب الذي يضمن نقل البرنامج الانتخابي من حيزه الورقي الضيق، إلى فضائه المجتمعي الواسع.

*  المؤهلات الفردية، فكلا العاملين يتقلصان بشكل طبيعي، إن لم تسندهما المؤهلات الفردية التي يفترض أن يتمتع بها من يتقدم الصفوف طامحًا في منصب قيادي يبيح له ممارسة دور مميز يوجه دفة غرفة التجارة والصناعة نحو ميناء الشاطئ الذي تبحث عنه. هنا تصبح هذه المؤهلات هي الزاوية الثالثة في المثلث الحاضن لها سوية مع الثقل الاقتصادي والمكانة الاجتماعية. وغياب أي من هذه الزوايا الثلاث يفقد المثلث شكله الطبيعي الذي يحتاجه رجل الأعمال البحريني الذي نتحدث عنه.

ومتى ما توفرت تلك العناصر التي تشكل منها الكتلة الانتخابية النموذجية، فسوف تجد نفسها بحاجة ماسة إلى برنامج انتخابي مهني، يلبي طموحاتها، ويخاطب ناخبيها، هنا ينبغي التحذير من المطب التاريخي الذي لم تنجو منه كتل انتخابية سابقة، بما فيها تلك التي فازت في انتخابات الغرفة، وهو توقف تلك البرامج عند حدود العموميات، وغرقها في متاهات الشعارات البراقة التي لا تسندها برامج خلفية تفصيلية تكون أقرب ما تكون إلى خطط عمل واقعية قابلة للتنفيذ.

نضرب مثالاً على ذلك بقضيتين مفصليتين: النهوض بصناعة تقنية المعلومات البحرينية، وانتشال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من واقعها الأليم، التي لم يخلو منها برنامج أي من الكتل الانتخابية، بما فيها تلك التي حالفها النجاح. وإذا ما استثنينا الصيغ العامة التي زينت مطويات البرامج الانتخابية، لم تعرف الغرفة دراسات وافية علمية ومعمقة تناقش بالجرأة المطلوبة، طرق تعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سوية مع النهوض بصناعة تقنية المعلومات والاتصالات كي يسهما في الارتقاء بأداء الاقتصاد البحريني الذي هو في أمس الحاجة لكليهما.

كما سبق القول، لم يكن القصد هنا الدفاع عن رجل الأعمال البحريني، بقدر ما كان القصد الكشف عن آفاق هذا الدور، وهنا يكمن التحدي الذي على رجل الأعمال البحريني أن يتصدى له، بعيدًا عن الانفعالات غير الضرورية، أو العنتريات غير المجدية!