أكاديميون أفسدوا النقد

الناقد والروائي/ عبد الجواد خفاجي – مصر

 

النقد الأدبي في مصر، كمؤشر حضاري يكاد ينقرض، وقد استقطب الخليج الأكثرية من النقاد الجادين، وشغلهم عن الواقع الأدبي في مصر.  وقد تصفحت في السبع سنوات الماضية من عمري المكتبة الـعربية فوجدت ثلاثة أسماء مصرية فقط يتردد عليها دارسوا الأدب، خارج مصر، بنسبة محدودة، مقارنة بأسماء عربية فاقت الخمسمائة ناقد يشار إليهم بالبنان. والأسماء المصرية الثلاثة هي:

(1)    علي عشري زايد، وكتابه: (استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر).
(2)    د. عز الدين إسماعيل وكتبه: (الشعر العربي المعاصر)،(الأسس الجمالية في النقد العربي)، (التفسير النفسي للأدب).
(3)    صلاح فضل وكتبه:  (مناهج النقد المعاصر)، و(بلاغة الخطاب وعلم النص)، و(إنتاج الدلالة الأدبية).
ثلاثة نقاد فقط.!! .. دولة بحجم مصر بها ثلاثة نقاد لا غير ، يمكن الاعتماد على مؤلفاتهم في محفل النقد  الأدبي.!! أما بقية الأسماء التي يمكن لها أن تصول وتجول في محيط الأدب فيمكن تصنيفها على النحو الآتي:

(1)    (مرتزقة): نقاد نشطون ولهم إسهاماتهم النقدية مع الأدباء الواعدين، أو مع مؤسسات تستكتبهم، وقد تحول نشاطهم من خلال فساد الإدارة إلى مجرد أداء شكلي، مثل نشاط الدكتور(م . ض) مع سلسلة إبداعات بالهيئة العامة للكتاب، حيث تشترط لنشر الكتاب الإبداعي أن يكون مصحوبا بدراسة لناقد معروف، وقد انتهز سكرتير التحرير هذا الشرط، واتفق مع ناقد بعينه، لكي يقوم بالمقاولة !! .. إدارة المؤسسة ـ إذن ـ تشترط إفساد المؤسسة، وهو باب  لاحتكار المكافآت المالية وحصرها عند شخص بعينه، إنه باب مشبوه للارتزاق غير المشروع، غير أنه يساهم في تنميط الأداء، وتجميده عند سمت وحيد ينسف الهدف من الإجراء نفسه.

(2)    (لصوص): والحديث قد يطول في هذا الموضوع المزدحم بالأجساد والمناكب بلا علم أو ضمير. بعضهم ينتمي للحرم الأكاديمي وبعضهم خارج الحرم الأكاديمي. يبدون لي كسابلة الطريق، أو عابري سبيل، إذا جاعوا سرقوا. وفي هذا حدِّثْ ولا حرج.. لدي دراسة لإحدى رواياتي كتبها ناقد مصري معروف ، هي نقل مباشر من كتاب لناقد سوري، صادر عن اتحاد الكتاب العرب .. للأسف الدراسة منشورة في كتاب المؤتمر الأدبي لليوم الواحد بقنا الذي أقامته الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011 وكان محوره "آفاق الإبداع في قنا ـ  تجربة عبدالجواد خفاجي نموذجا"، لم يفعل الناقد اللص غير استبدال اسمي باسم روائي آخر تهتم الدراسة المنهوبة برصد أعماله.

(3)    (مقرظون صحافيون): يسمون الأشياء بغير أسمائها، وهم  يقدمون النقد الذي ليس شرطا فيه أن يقرأ الناقد الكتاب المنقود.. تكفيه ابتسامة صاحب الكتاب أو صاحبته، وبعض الاحترام البقيقي (الشفهي) والهدايا، والتوصيات وما إلى ذلك.

(4)    وأخيرا: نقاد متخلفون منهجيا عن النقد المعاصر. والأدب المعاصر.. ولا قيمة لكتاباتهم.

ومن المؤسف أنني لم أقرأ ـ خارج مصر ـ دراسة أو رسالة استشهدت بمرجع لجابر عصفور، إلا من أشرف هو على رسائلهم العلمية  ممن حصلوا على الدكتوراه من جامعة مصرية, وكان جابر عصفور مشرفا عليهم، وأول ما فعله هو فرض آلية (القناع الشعري) عليهم.. القناع الشعري الذي يستهويه حد الصداع، الذي أصاب رؤوسنا وليس رأسه هو .. هم تلامذته إذن، خاضعون لآرائه وتوجيهاته.

ولم أرَ اسم جابر عصفور في دراسات منجزة خارج مصر، إلا ما ذكرته عن مسئولية الإشراف على رسالات علمية لدارسين عرب، أو مصريين كان مشرفا عليهم. وأستثني من ذلك مقالته المنشورة في العدد الأول من مجلة فصول، عن القناع الشعري التي كانت تبزغ مع  بزوغ هلال "القناع الشعري" فوق الخارطة العربية.

ولقد قرأت بعض الرسائل الأكاديمية التي أشرف عليها جابر عصفور، لدارسين عرب ومصريين فوجدتهـا بلا منهج، بلا قيمة، بلا علم، وقد أتت كميا تملأ العين بحجمها، ولكنها أسلوبيا وعلميا تمثل جناية على النقد العربي، وعلى الدارس الغرير، وعلى تلامذة الأدب حال قراءتها. ومن لا يصدقني فعليه بقراءة:
(1)    القناع في الشعر العربي المعاصر (تحليل الظاهرة) ـ عبد الرحمن بسيسو الفلسطيني .. دراسة حققت أهـدافها النظرية في نصفها الأول، ونصفها الثاني هراء. وبقية الكتاب لا قيمة له. وكان الباحث في النصف الأول نظريا، وهو يتتبع القناع ـ تاريخيا ـ وتنقلاته من الأسطورة إلى المسرح الإغريقي وحتى قفز إلى الشعر، ولكن من عيوب هذه الدراسة القفز بما هو تاريخي فوق ما هو أدبي،  مجافيا العنوان الذي ركز على "تحليل الظاهرة" .. والمفترض أن يكون التحليل للظارهة من خلال النصوص الإبداعية، وهي الأساس.، ولكنه ركز على النقد ، ومن ثم خرجت الدراسة من النقد إلى تاريخ النقد. وثمة دوران كثير في الموضع، وتكرار المعيب، ودفلقة كلام بغير تساؤل يطرحه الباحث لنفسه: لماذا أكرر نفسي؟. غير الميل إلى الرطانة، واختراع مصطلحات تبدو غريبة في الحقل النقدي دون أن يكون معنيا بتوضيح مقاصدها المفهوماتية .. مثل قوله: "قناع شعري تكويني".. لقد قرأت كتابه مرتين، وقرأت كل الدراسات العربية الخاصة بالقناع الشعري، ولم أجد تفسيرا لقوله: "تكويني".

(2)    ونسوق مثالا آخر واليمني: أحمد ياسين ودراسته المعنونة: "تقنية القناع الشعري" ومن أعجب العجائب أن يكون المكتوب في هذه  الرسالة يمت إلى الأدب أو النقد، ومن المستحيل أن يكون قد قرأها جابر عصفور نفسه ، بوصفه مشرفا على الرسالة. اللصوصية في هذه الرسالة واضحة، بجانب التخريف.. هو لا يعرف كيف يستعين بالمرجع، فيضطر إلى نقل فصول منه، يضعها بكل أريحية في بطن دراسته. ونسي أن ينوه عن ذلك في الهامش ولعل الاشتراطات الأكاديمية تتأبى عليه ذلك، حتى لو نوه عن ذلك في الهامش، فالنقل من المرجع  يجب ألا يزيد عن سبعة أسطر. فلصوصية كاتبها واضحة فيما يرصفه رصفا ويسفه سفا من مرجع أجنبي مترجم. وغيره من المراجع المحدودة التي نقل منها.! والملاحظ أنه كان يستخدم مصطلحات يمكن تصنيفها خارج السياق، ويمكن تحديد هويتها بعيدا عن الحقل الأدبي. فكاتب الرسالة لديه ميل غريب إلى اختراع مصطلحات عجيبة بغير توضيح مفهوماتي فبدت خارج المعرفة.. ورسالته المنجزة تشي بأن الخطة المعتمدة رسمياً للدراسة مشت في طريقها إلى الأدراج ، وما كتبه الباحث سار في طريق أخر (والفعل: سار، يعني مشي ليلا، وقد كان صاحبنا يسير في الظلام، وما جمعه لا يراه). رسالة كاملة تعتمد على النقل من مراجع غربية مترجمة، لا تخص موضوع الرسالة، وهذا هو الأغرب، غير أنه أعاد رصف مقالة أستاذه والمشرف على رسالته: جابر عصفور، المنشورة في العدد الأول من مجلة "إبداع" وضمنها رسالته بغير مسوغ.

(3)    مثال ثالث وأخير، وهو النموذج المصري ، ومشرفه جابر عصفور كذلك، وجريمة السطو على كتاب" علي عشري زايد" المعنون: "استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي"، وقد اعتمد الباحث على استخدام مفردة حديثة نوعا تسمي "التناص" ومن المعروف أن الاستدعاء يفترض التناص، كما أن الاستدعاء حاضن لفكرة أخرى هي القناع. إنها رسالة أحمد مجاهد المعنونة ( أشكال التناص الشعري) إعادة صياغة ذكية لكتاب على عشري زايد. مع تغيير الاستشهادات الشعرية، نحو أمل دنقل وصلاح عبدالصبور.

تعليق عبر الفيس بوك