الذكاء الاصطناعي.. إلى أين يتجه بالبشرية؟

 حميد السعيدي

لو رجعنا للسنوات العشر الماضية، وقيَّمنا طبيعة الحياة من خلال استخدامنا للأجهزة التكنولوجية المتاحة في تلك الفترة، سنجد أنها قديمة ولا تناسب حياتنا الآن، بل ربما لم نعد بحاجة إليها لأنها لا تلبي احتياجاتنا الحالية، بالرغم من أنها كانت جزءا أساسيا من حياتنا؛ إلا أننا تخلينا عنها بصورة سريعة؛ مما يعطي مؤشرات على أن تكنولوجيا المستقبل ستكون مختلفة تماما، وربما ما نتمسك به اليوم سوف نتركه في الغد.

لا أحد يعرف إلى أين يقودنا عالم الابتكار في التكنولوجيا، خاصة في ظل التنافسية نحو ريادة العالم في هذا المجال، والرغبة الجامحة من المبتكرين نحو صناعة جديدة تحقق لهم النجاحات وتزيد من مردودهم المالي.. إنه عالم شركات صناعة التكنولوجيا التي أصبحت جزءا أساسيا من الحياة المعاصرة، فما كنا نشاهده سابقا من خيال علمي في الأفلام الوثائقية وغيرها، أصبح واقعا يجب أن نتعايش معه؛ فابتكار الذكاء الاصطناعي يمثل ظهور جيل جديد من التقنية الحديثة، سوف يُحدث انتقالا لمرحلة مختلفة في عالم البشرية، ويعرفه موقع ويكيبيديا بأنه "سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة".

فحينما تصبح الآلة قادرة على التفكير والقيام بالعديد من المهارات العقلية كالتحليل وقراءة المعطيات وإعطاء النتائج وإصدار القرارات وتنفيذها، فنحن أمام مرحلة تقودنا لتغيير شامل في كافة جوانب حياتنا، وربما اليوم العالم في بداية هذه المرحلة، لكنه يتجه نحو استغلالها بصورة كبيرة في مختلف جوانب الحياة، خاصة مع ما تتميز به هذا التكنولوجيا من تطور متسارع يجعلها تتفوق على العقل البشري في قدراتها على التحليل واتخاذ القرارات وسرعتها في التعامل مع المعلومات والبيانات وإجراء التحليلات في وقت قصير جداً لا يقارن بقدرات العقل البشري، وهنا يقول البروفيسور ستيفن هوكينج: "إنَّ الذكاء الاصطناعي قد يكون أسوأ حدث في تاريخ حضارتنا البشرية، وربما قد يدمر الحياة البشرية على سطح الأرض"، وهذا القول يعتبر أخطر رأي قيل في الذكاء الاصطناعي، وقال أيضا في ذات الموضوع: "قد يكون التطوير الناجح لذكاء اصطناعي فعَّال هو الحدث الأكبر في تاريخ الحضارة البشرية، أو ربما الأسوأ. لا يمكن الجزم بصحة أي من المقولتين، حيث إننا لا نعرف ما إن كان سيعمل الذكاء الاصطناعي على مساعدتنا وخدمتنا، أو إن كان سينجينا جانبًا أو حتى يعمل على تدميرنا".

ولو نظرنا إلى الجانب الإيجابي من الذكاء الاصطناعي؛ حيث يوجه هذا الذكاء الآلة نحو التفكير في قيادة حياة الإنسان ومساعدته على معالجة مشكلاته، بل مساعدته في تسيير حياته اليومية بصورة مختلفة عما نتعايشه اليوم؛ فهي تعمل على خدمة قطاع التعليم، والاقتصاد، والطب، والأحياء، والأهم من ذلك إدارة الحياة اليومية للإنسان وخدمته بصورة أكثر تقنينا وتحديدا، مما يحجم دور الإنسان في إطار محدد من الأعمال التي لا تتجاوز إصدار الموافقة على الأوامر التي تصدرها الآلة الحديثة.

في ظل هذا العالم الحديث المتوقع، فإن طموح العلماء والمبتكرين ليس له حدود فهم يسعون إلى صناعة جيل جديد من التكنولوجيا له قدرات تتفوق على القدرات البشرية بل تتجاوزها؛ مما يدفع الكثير من المفكرين نحو الحديث عن خطورة هذا التوجه في عالم التكنولوجيا، والذي قد يؤدي بالحياة البشرية نحو النهاية، وسيادة الآلة على حياة الإنسان والتحكم فيها، ربما ينظر البعض إلى هذا الحديث على اعتباره سلبياً أكثر منه إيجابيا، وربما هو توقع في غير محله.

فمعظم السيناريوهات التي تتحدث عن تحول جميع الآلات في المستقبل إلى آلة ذكية ما زالت تتجه نحو مصلحة البشرية، ولكن إذا حدثت طفرة غير متوقعه فما هي ردة الفعل التي سوف تحدث، خاصة أن التكنولوجيا قد تخضع للاستغلال السلبي من قبل الإنسان، وهذا الأمر الذي وجه البعض في ظل ظهور فيروسات في الوقت الحاضر مثل "الفدية" أحدثت شرخا قويا في عالم التنقية، وأسهمت في ظهور فجوة كبيرة تقود العديد من الخارجين عن نطاق القانون في تحقيق مآرب على حساب البشرية؛ فما هو فيروس المستقبل عندما تصبح الآلة قادرة على التفكير، فهل يستطيع أن يؤثر فيها؟ هذا التساؤل الذي وجه الكثير من العلماء والمفكرين نحو النظرة السلبية تجاه الذكاء الاصطناعي. 

وبالرغم من كل هذه السلبية، إلا أن بعض المفكرين يرون أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد البشرية على إحداث نقلة نوعية في مجال إنجاز الأعمال وتوجيها بطريقة فاعلة، كما قد تحقق جهدا قليلا يبذله الفرد مقابل إنتاجية أكثر؛ مما يسهم أيضا في التقليل من استغلال الموارد الطبيعية والمحافظة عليها، فعندما تصبح جميع الأجهزة التي تعتمد عليها في حياتنا اليوم هي التي تقوم بكل الأعمال بطريقة مبرمجة ووفقا لنظام معين، دون تدخل من الإنسان، فهي بكل تأكيد سوف تسهم في تحقيق سبل الراحة له، ولكن قد تكون هناك تضحية أكبر لا نعلم ماهي اليوم!

إن العالم يقف أمام تحدٍّ كبير متعلق بهذه الطفرة في عالم التكنولوجيا؛ فهناك من يرغب في الاستفادة من هذه التقنية في سبيل معالجة العديد من المشكلات المعاصرة، وتوجيه البشرية نحو حياة أكثر تطوراً من الوقت الحاضر، والاستفادة من هذه الإمكانيات التقنية نحو تحقيق استمرارية الحياة بصورة إيجابية، وهناك من يرى عالما يسوده الخوف والصراع في العالم الافتراضي الذي لا نعرف ماذا يخفيه من قضايا قد تشكل خطورة على وجود البشرية على سطح الأرض، وربما ما نراه من أفلام خيالية اليوم قد تصبح جزءا من واقعنا غدا.

Hm.alsaidi2@gmail.com