السلطنة تودع عاما حافلا بالتحديات وتتأهب لآخر يؤذن بـ"الانطلاقة"

الاقتصاد الوطني يتطور في 2017 بين التنويع والتنفيذ والتعزيز .. والنفط لا يزال على القمة

...
...
...
...
...
...
...

 

◄ تشغيل مطار مسقط الجديد و"الباطنة السريع".. دفعة قوية للسياحة واللوجستيات

◄ 4 مناطق نفطية جديدة تدخل العمل.. و"خزان" يواصل النمو

◄ توفير وظائف للباحثين عن عمل .. وحوافز للتشغيل في القطاع الخاص

◄ "الغرفة" على موعد مع مجلس جديد ومرحلة مغايرة من المشاركة في صنع القرار

 

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

 

بصعوبة ومُثابرة .. بدأ الاقتصاد الوطني في الخروج من أصعب اختباراته، بعد أن مرَّ بعام يؤسس لما بعده ويعزز آلية الاستفادة من الأزمات. فبعد عام 2016 الذي اعتبر بحق "عنق الزجاجة"، جاء عام 2017 ليشهد انفراجة نسبية في الدخل الوطني مع تحسن أسعار النفط.. وبعد إعداد المالية العامة لمواجهة أية عجز محتمل، تستعد السلطنة لاستقبال عام 2018 بموازنة واقعية تعترف بأهمية الاعتماد الكبير على الدخل من النفط والغاز، لكنها ترتب للخروج من هذا الواقع نحو رحابة التنويع.

 

 

ميزانية التحدي

ووفق ما رشح من مشروع الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2018 يبدو أنها تعمل بمنطق الاستفادة من التجربة والحرص على عدم الوقوع مرة أخرى رهينة لتقلبات أسعار النفط، فجاء بناء الميزانية على أساس تقدير متوسط سعر برميل النفط عند 50 دولاراً أمريكياً، وهو مايزيد 5 دولارات عن السعر الذي بنيت عليه ميزانية العام الجاري 2017، وهذه الدولارات الخمس تترجم إلى ملايين الريالات عند حساب براميل النفط التي تباع والتي من المحتمل أن تبقى عند الحد الملتزمة به السلطنة مع الدول المنتجة للنفط وهو 970 ألف برميل يومياً أو أن يرتفع إذا ما وجد أنه لم يعد هناك حاجة لتقليص الإنتاج ومن ثم يزداد إلى مليون برميل يوميا.

وفي تقدير سعر برميل النفط فإنَّ العديد من العوامل تتداخل للخروج بهذا التوقع؛ وكما أكد جميع المسؤولين في القطاع محليا وعالميا فإنه من المستحيل وضع توقعات أكيدة لمسار أسعار النفط المستقبلية، لكن عندما تكون أكثر من 70% من الإيرادات التي ستحصلها الدولة على مدار العام هي من القطاع النفطي فلابد من وضع تقديرات حتى يمكن حساب الدخل وبناء عليه تدبير أفضل مسارات ممكنة لإنفاق هذا الدخل المتوقع.

وكما يحدث في غالبية الحسابات في البيوت والأشخاص يبحث الفرد أو الأسرة عن توازن بين ما يحصلون عليه من دخل من جهة وما عليهم من التزامات سواء التزامات آنية من إيجارات وفواتير مياه وكهرباء وعلاج وغيرها أو نفقات يعملون على أن تحقق مستقبلا دخلا إضافيًا، ونفس الحال في ميزانية السلطنة – والقياس مع الفارق- فإنَّ الحكومة تضع ما يشبه الحصر لمواردها المالية خلال العام المقبل ورصد مقابل للالتزامات الجارية -والتي تشمل الرواتب والإنفاق على التعليم والصحة والخدمات وغيرها- مع الأخذ في الاعتبار توليد عوائد جديدة عبر ما يطلق عليه المصاريف الاستثمارية.

وحسب التقديرات التي ستكشف أرقامها النهائية غدا -الأول من يناير 2018- فإنَّ إجمالي الدخل العام المتوقع ينتظر أن يصبح 9.5 مليار ريال، وهو تقدير لا يبالغ في التفاؤل ولا يخضع للركون للمخاوف فيزيد قيود الحركة ويتحول إلى ركود اقتصادي. وبينما كان السعر التقديري لبرميل النفط أكبر من الواقع في 2016 وأقل من الواقع في 2017 فإن الإيرادات النفطية المتوقعة تزداد اقتراباً من الواقع حتى مع مغريات الارتفاعات في الأسعار والتي تخطت في بعض الأيام 65 دولارا للبرميل، فالتفاؤل لا يعني الطيران في سماء الأحلام والبعد عن واقع يقول إن سعر السلعة الرئيسية التي تنتجها السلطنة يحدده سوق خارجي لا يملكه أحد.

الأمر الآخر الذي يظهر فيما طرح من أرقام عن الموازنة العامة هو البدء في تنفيذ خطط وأهداف لحركة تزيد من نشاط الاقتصاد؛ وإذا صح أن الحكومة تنتوي إنفاق 12.5 مليار ريال خلال 2018 فإن هذا يعني أضعاف هذا الرقم من الدخل المحلي الإجمالي، وفي اقتصاد يسير القطاع الحكومي والعام غالبية المشاريع العملاقة فيه لابد أن يستمر عمل الحكومة والمشاريع الكبرى حتى تستمر عجلة العمل في الدوران من ناحية وحتى يمكن لهذه المشاريع أن ترى النور وتنتقل من خانة الإنفاق إلى خانة الإنتاج من ناحية أخرى.

ومع الجهد الحكومي لمواصلة التنمية، فإن الواقع يعكسه المثل القائل "يد واحدة لا تصفق"، وحتى إذا ضمن الإنفاق الحكومي تسيير عجلة الاقتصاد وتنفيذ المشروعات، سيظل جانب لا يقل أهمية ينتظر المساهمة، ألا وهو ملف الباحثين عن عمل. ومع حالة مجتمع يافع كالمجتمع العماني فإنَّ الأعداد الداخلة إلى سوق العمل تتزايد يومًا بعد يوم، فالصغير يكبر والدارس يتخرج والحاجات تتزايد ولابد للقوى القادرة على العمل من أن يتاح لها العمل؛ والحل ليس مفاجئا بل جاء واضحا وحاسما في أكثر من خطاب من خطابات المقام السامي، لذلك يتوقع أن يشهد 2018 نقلة نوعية في توفير فرص عمل مشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص.

توظيف الشباب

وبنص أحدث بيان من بيانات مجلس الوزراء والخاص بتوفير 25 ألف فرصة عمل قال: "مجلس الوزراء إذ يشيد بتفهم جميع المواطنين للتحديات الراهنة، ليدعو جميع المؤسسات الخاصة إلى المبادرة وتحمل مسؤولياتها الوطنية في مجال التشغيل وتوفير بيئة العمل الجاذبة للعمانيين، كما يدعو المجلس تلك المؤسسات إلى إيلاء التعمين والإحلال الأولوية القصوى في برامجها ومشاريعها، علما بأنَّ هناك إجراءات سوف تتخذ تجاه من لا يتعاون مع جهود الحكومة في مساعيها الرامية لدعم سياسات التشغيل والتعمين".. وهذه الدعوة التي وجهها مجلس الوزراء للمؤسسات الخاصة تحمل في داخلها برنامجاً يظهر أنه سيبدأ التنفيذ خلال أسابيع؛ برنامج من "إجراءات سوف تتخذ" تحفز المتعاونين وتضغط بشكل أو بآخر على غيرهم.

ولا يعني توجه الحكومة نحو تحميل القطاع الخاص جزءا أكبر من واجب تشغيل المواطنين أنها سترفع يدها عن التشغيل، ونظرة سريعة إلى بند الإنفاق العام في ميزانيات الأعوام السابقة وغالبا سيكون نفس الحال في موازنة العام 2018 فإن النسبة الأكبر من الإنفاق الجاري والذي لا يقبل المساس أو النقصان هو بند الأجور والرواتب، وهذا البند من المصروفات في الوزارات المدنية وأيضاً في مصروفات الدفاع والأمن الجارية لا يعرف الجدال أو التفاوض، لكن قد يحمل العام 2018 بعضا من الحوافز لمن يرغب في التحول نحو العمل الخاص أو العمل لبعض الوقت ليتقاسم الوظيفة أو العمل أكثر من شخص.

2017.. تمهيد للمستقبل!

نظرة سريعة لعام تبقى في عمره سويعات قليلة توضح أنَّه كان كملعب مران كرة القدم توضع فيه كل الاستعدادات ويتجمع فيه الفريق وتوضع خطط اللعب ويصبح كل مجهود يبذل خلاله جزءا لا يتجزأ من المباراة الحقيقية، وفي 2017 استكملت الحكومة كل ما تبقى من خطط واستعدادات ونقاشات لتشخيص الواقع ووضع ما يلائم مرحلة التنفيذ، ولعل الكثير من البرامج والخطط تدخل حيز الإنتاج الفعلي ولا أظن أن العام المقبل سيشهد مزيدا من البرامج التخطيطية والتي تغيرت أسماؤها وزوايا تناولها بدءا من خطط التنويع الاقتصادي إلى خطط تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي ثم تعزيز تنفيذ خطط التنوع إلى آخره ولعل في النسخة الأخيرة من برنامج التواصل الاجتماعي ما يغني عن التخطيط والدراسة ليبدأ التطبيق وإزالة التحديات التي يقابلها التطبيق فوريا وعبر تواصل مباشر بين جميع الجهات المعنية.

وخلال العام اكتملت أفكار برنامج "تنفيذ" وتواصلت اجتماعات اللجان القطاعية التي انبثقت منه، وصدر العديد من القرارات واللوائح بل والتعديلات القانونية التي يحتاجها العمل، ولا يُمكن القول بأن "تنفيذ" امتلك عصا الساحر وجاء بما لم يأت به الأوائل؛ فالبرنامج حلق بطموحات الناس عاليا وجمع على طاولاته المختلفة كل شرائح المجتمع وتصنيفات الاقتصاد، لكن ربما كان يحتاج لضبط الوعود خاصة ما يتعلق منها بالجداول الزمنية، فالناس لا تنسى وانتظرت الإعلان عن ما نفذ من مختبرات "تنفيذ" في أواخر 2017 لكن ها هي دقائق العام تتناقص ولم ير الناس فعليا وعمليا حصاد ثمار ساعات الاجتماعات.

2018.. عام مفصلي

ومن المؤمل أن يكون 2018 عاما مفصليا؛ فهو يتوسط سنوات الخطة الخمسية التاسعة، وهو يأتي بعد أن ارتسمت صور كل من الواقع والمستهدف جلية، وهو يأتي حاصدا لغرس من الدراسات والاستعدادات، لذلك فإن الآمال تنعقد عليه في أن يكون محطة فارقة في اللحاق بما فات من أهداف رؤية 2020، ونقطة ارتكاز نحو آمال رؤية 2040.

في 2017 كان للاقتصاد نصيب كبير ضمن المراسيم السامية التي صدرت على مدار العام، وظهر الحرص السامي من لدن صاحب الجلالة على توفير ما يلزم من تشريعات في كافة المجالات فشملت المراسيم ما يخص الصناعة والتجارة والزراعة والثروة السمكية والنفط والتبادل التجاري وغيرها من أوجه الاقتصاد.

ومما شملته المراسيم، جاء الأمن الغذائي كأساس وعمود رئيس من أعمدة النهضة، وفي هذا المجال صدر المرسوم رقم 23 لسنة 2017 والذي يعدل وينظم أعمال صندوق التنمية الزراعية والسمكية، وبما يضمن توفير السبل لإنجاح دور هذا القطاع في التنويع الاقتصادي للدخل الوطني، ووضع المرسوم أهدافا محددة على الصندوق العمل لتحقيقها من بينها: "حفظ وصيانة وإدارة واستغلال الموارد الطبيعية الزراعية والحيوانية والسمكية، وتنميتها بكفاءة عالية بما يضمن استدامتها، وفي نفس الوقت زيادة دور القطاعات في التنويع الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي، وأيضا رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمنتفعين من القطاعات، وزيادة دخل الفرد" وهذا يعني أن هذا القطاع لن يكون معولا عليه فقط في الدخل المحلي الإجمالي بل وأيضًا في استيعاب جزء كبير من الباحثين عن عمل، ليس اضطرارا أو لأنهم لا يجدون عملا غيره بل أن يصبح العمل في قطاع الزراعة والثروة السمكية مغريًا اقتصاديًا واجتماعيًا.

وحمل المرسوم السامي أيضا هدفا آخر وهو إشراك القطاع الخاص والمؤسسات والشركات في تنمية الزراعة والثروة السمكية  فجعل من مكونات موارد الصندوق الاعتمادات التي تخصصها الدولة، جنبًا إلى جنب مع مساهمات الشركات والمؤسسات والأفراد العاملين في مجالات القطاعات والأنشطة المرتبطة.

ومن المتوقع أن يشهد عام 2018 فعليا، نتائج أول مشروع ألبان متكامل، وهو الذي تنفذه شركة مزون للألبان التابعة للشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة في ولاية السنينة بمحافظة البريمي بتكلفة قدرها 28 مليون ريال عماني.

ولم يكن قطاع الصناعة وتنميته بعيدا عن الفكر السامي وحضر القطاع في أكثر من مرسوم سامي أيضًا، كان من بينها المرسوم رقم 11 لعام 2017 والذي حدد اختصاصات وزارة التجارة والصناعة واعتمد هيكلها التنظيمي فكفل لها من الاختصاصات ما ييسر عملها ليصبح أكثر سرعة ومرونة وهو العامل الأبرز  ضمن متطلبات اجتذاب الاستثمار سواء محليا أو من الخارج، كما أعفى مرسوم سامي النشاط الصناعي من ضريبة الدخل الذي تحققه المؤسسة أو الشركة.

وسيشهد العام 2018 خطوة أكثر تقدماً نحو تحقيق الاستفادة الأمثل من الثروة المعدنية بإعلان وتنفيذ إستراتيجية السلطنة لقطاع التعدين والذي تعمل عليه الهيئة العامة للتعدين منذ شهور لضمان تحقيق استفادة مستدامة مما تملكه السلطنة من موارد طبيعية.

 

الذهب الأسود

وظل النفط يتصدر المشهد في النشاط الاستثماري في عام 2017، ومن المنتظر أن يبقى كذلك في 2018، فالنفط رغم ما نال أسعاره من تراجع، إلا أنه يبقى وبجميع الحسابات الاقتصادية أكثر الثروات تحقيقاً للعوائد في السلطنة فكل ريال ينفق على الاستثمار في القطاع النفطي يحقق أضعافا مضاعفة كربح صاف، كذلك فإن الدخل المتحصل للخزينة العامة للدولة من إتاوات الامتياز في المناطق النفطية يعتبر الأعلى بفارق كبير من كل من القطاعات الأخرى. لذلك لم تبخل الحكومة على الاستثمار في هذا القطاع بالذات، وكذلك لم يتوقف عرض وطرح العديد من مناطق الامتياز للاستثمار وفي عام 2017 دخلت اتفاقيات 8 مناطق نفطية مرحلة التنفيذ بصدور مراسيم سامية بالموافقة عليها، وينتظر أن توقع عقود 4 مناطق جديدة في 2018.

ومن الإنجازات التي شهدها القطاع النفطي في 2017 والتي ستستكمل في 2018 حقل خزان الذي انطلق إنتاج المرحلة الأولى منه  في نوفمبر الماضي والتي يصل حجم إنتاج الغاز فيها إلى مليار قدم مكعب يوميًا، وفي المرحلة الثانية التي ستنجز في 2018 سيصل الإنتاج إلى 1.5 مليار قدم مكعب يومياً.

أما المشاريع التي سترى النور في 2018 مثل مطار مسقط الدولي الجديد وطريق الباطنة السريع، وغيره من مشاريع الطرق والبنية الأساسية فإنها ستخدم عدة قطاعات معا، فهي تلزم السياحة كما لا يستغني عنها القطاع اللوجستي، وهي تعكس الوجه الحضاري للدولة كما تخدم مواطنيها والمقيمين فيها وتسهل عليهم أعمالهم.

العديد والعديد من المشاريع والأعمال التي يجري تنفيذها ويفصل بينها وبين الاكتمال بضعة أسابيع ستسهم في الكثير من التطوير الاقتصادي والاجتماعي لكنها وكأولوية ستفتح آفاق عمل للكثير من الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

نقلة نوعية

وستشهد الشهور الأولى من العام 2018 نقلة نوعية جديدة في القطاع الخاص بإجراء انتخابات غرفة وتجارة عمان، بعد صدور النظام الخاص بها والذي يضفي مزيدا من الأهمية لدور الغرفة كممثل للقطاع الخاص حيث أوضح المرسوم السامي 45 لسنة 2017 أن الغرفة مؤسسة خاصة ذات نفع عام، تهدف إلى تنظيم المصالح التجارية والصناعية لمنتسبيها وتنميتها والدفاع عنها وتمثيلها في مختلف المجالات"  كما أعطى المرسوم السامي للغرفة اختصصات اقتراح الإستراتيجية العامة المنظمة للقطاع التجاري والصناعي ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها في إطار السياسة العامة للدولة، وإبداء الرأي في التشريعات المنظمة للأنشطة التجارية والصناعية قبل إصدارها، وتقديم المقترحات بشأن تعديل القوانين النافذة، وأيضاً رفع المقترحات المتعلقة بالقطاع التجاري والصناعي إلى الجهات المعنية، واقتراح الحلول الممكنة لمُعالجتها، فالغرفة إذن ستكون مشاركة في صناعة القرارات التي تسري في قطاع التجارة والصناعة حتى يحدث التكامل بين دور الحكومة والقطاع الخاص في تنفيذ الخطط وتحقيق الآمال.

تعليق عبر الفيس بوك