دور الإعلام في إدارة الأزمات (2 – 4)

عيسى الصوافي – سلطنة عمان - دكتوراه في إدارة الأزمات

 

في المقالة السابقة تناولنا "دور الإعلام في الوقاية من الأزمات والظواهر الإجرامية"، واستعرضنا مفاهيم وتعريفات الإعلام" وعرجنا على "التطور الذي لحق بوسائل الإعلام"، وفي هذه المقالة سوف نتناول "توسع دور الإعلام وتدخله في إدارة الأزمات".
إنه من خلال التطور التكنولوجي الذي طرأ على دور الإعلام أصبح يشكل من القوة ما لا يقل عن قوة السلاح، لاسيما عندما يسخر وسائله كافة، لتغطية الأزمات بمختلف أنواعها، وعلى الأخص السياسية الأمنية منها، فإما أن يكون دوره ذا تأثير إيجابي على الرأي العام في المجتمعات التي تعصف بها الأزمات مما يخفف من حدتها ويقلل من نتائجها الضارة، أو يكون ذا تأثير سلبي، الأمر الذي يعقد الأزمات ويفاقمها وقد ينتج عنها في هذه الحالة أزمات جانبية أخرى يكون لها تأثيرها السلبي في مختلف أوجه الحياة. وهكذا، فإن الإعلام لا يعمل من فراغ، ولا يتحرك بمعزل عن القوى الفاعلة في الدولة والمجتمع.
ويعد الإعلام أحد القواعد الرئيسة في إدارة الأزمات، إذ يلزم وضع خطة إعلامية للأزمة يتم التدريب عليها وفق منهج علمي مدروس قبل اندلاع الأزمة وخلالها وبعدها. ونتيجة لما تخلفه الأزمات والكوارث من آثار عظيمة من الخراب والدمار تجد أحياناً المنظمة أو المؤسسة الأمنية نفسها في دائرة الضوء، فمن الضروري جداً أن تستبق الأحداث وأن تسعى إلى الاستعداد المسبق لمواجهة هذه الأزمات من الناحية الإعلامية قبل وقوعها وذلك باستخدام مختلف السيناريوهات.
لقد أكدت كثير من الدراسات والبحوث الميدانية مدى أهمية الإعلام في إدارة الأزمة، بحيث يعتبر الإعلام هو المصدر الأساسي للقادة السياسيين وكل من لهم صلة بالعملية السياسية ويقدم الإعلام لأطراف التفاوض رؤية أولية للأطراف المشاركة في عملية التفاوض.
وبالتالي، غدا لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الدور الأكبر في حياتنا اليومية، بل إن تأثيرها طغى على مسألة العادات والتقاليد المتوازنة وأفرزت هذه الوسائل عادات طقوس حياتية جديدة مكتسبة. وتزداد حاجة المجتمع وأفراده أثناء الأزمات وشغفهم لسماع أخبار الأزمة وتفاصيلها وتطوراتها وخاصة القوية. وإذا لم يلعب الجهاز الإعلامي هذا الدور بالشكل الصحيح والسليم سوف تنتشر الشائعات غير الصحيحة وإحداث بلبلة في المجتمع. لذا يجب توفير الاستعداد الإعلامي المسبق الذي يعمل على تحضير المعلومات والبيانات الخاصة بالأزمة لدى جماهير المجتمع. ونجد أن للإعلام أهمية كبرى في إدارة الأزمات الأمنية تتمثل في الآتي:
(1)    يعمل على تثبيت الصور وتكوين المعاني والأفكار المتعلقة بالأزم.
(2)    يعمل على تلبية احتياجات الأفراد وشغفهم في الحصول على أخبار الأزمة.
(3)    يعتبر الإعلام الشاشة العريضة لمعالجة كثيراً من الأزمات والظواهر الإجرامية والأحداث المتطورة أولاًَ بأول(..).

ولتحقيق الإعلام الصحيح والمناسب، فإن على المؤسسات الإعلامية التنسيق مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى، ولا تعمل في منأى عنها، والحاجة إلى هذا التنسيق والمفهوم هي أشد ما تكون في الدول الإسلامية والعربية نظراً لخصوصية وضعها سواء كان ثقافياً أم تنموياً.

أولا - ماهية الإعلام الأمني:
يقصد به فنون التعبير المختلفة التي تمارسها أجهزة الأمن لتوجيه الرأي العام بشكل إيجابي نحو التفهم والمشاركة في تحقيق جوانب الخطط الأمنية باستخدام كافة وسائل الإعلام، هناك مفهوم آخر يعول على الاستفادة من وسائل التعبير الجماهيرية بهدف تفاعل الجمهور مع الأهداف العليا للمؤسسة الأمنية من خلال الأداء الجيد لهذه المؤسسة، والإعلام الصادق عن هذا الأداء، كما عرفه البعض بأنه بث الشعور الصادق وحق التوجه إلى وسائله وطرقه حتى يحس الإنسان بحق أنه آمن على حياته ودينه وعرضه وماله وعلى سائر حقوقه الأساسية، دون تهيب أو سطوة أو جور.
ويؤيد البعض ذلك التعريف الذي يحدد مفهوم الإعلام الأمني بأنه النشر الصادق للحقائق والثوابت الأمنية، والآراء والاتجاهات المتصلة بها، والرامية إلى بث مشاعر الطمأنينة والسكينة في نفوس الجمهور من خلال تبصيرهم بالمعارف والعلوم الأمنية، وترسيخ قناعتهم بأبعاد  مسؤولياتهم الأفقية وكسب مساندتهم في مواجهة الأزمات الأمنية والمخاطر المحيطة والجرائم الإرهابية وكشف مظاهر الإنحراف، مع اضافة أن يتم ذلك، باستخدام شتى أنواع وسائل الاتصال الجماهيرية المتاحة (..).
هذا ما يؤكد أنه مع الطفرة الإعلامية الكاسحة في عصرنا الحديث أصبح لوسائل الإعلام دور مؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات وذلك على وجهين، وجه يمثل الخير وآخر يمثل الشر وهو كما يقولون سلاح ذو حدين.
ومما سبق تتضح إمكانية قيام علاقة متلازمة بين كل من العمل الأمني والعمل الإعلامي، فأجهزة الإعلام تعتبر عملياً من أقوى الأجهزة تأثيرا على مجريات الأمن وفعالية أجهزته. وحيث أننا في مجال هذا البحث سوف نتناول الوقاية من الأزمات الأمنية والمخاطر المحتملة، فإن الأمر يدعونا إلى إلقاء الضوء على الإعلام الأمني، لما له من تأثير وأهمية كبيرة في التعامل مع الأزمات الأمنية من حيث تعريفه وماهيته وذلك على النحو الآتي:

ثانيًا - الإطار النظري للإعلام الأمني:
يعتبر الإعلام الأمني من المفاهيم الحديثة التي ظهرت على الساحة الإعلامية نتيجة لتطور الحياة الاجتماعية في العقد الأخير من القرن الماضي، وكنتيجة مباشرة للتقدم المذهل لوسائل وبرامج الإعلام وأصبح الإعلام الأمني من المصطلحات الحديثة التي انتشرت في الفترة الأخيرة، وأصبح نوعاً من الإعلام النوعي المتخصص الهام، يختلف فقط في طريقة عرضه للأخبار وفقاً للاتجاهات والالتزامات الفكرية والمادية، وطبيعة المناخ السياسي، والأمني، والاقتصادي السائد في المجتمع (..). ويعتبر الإعلام الأمني (..) في الأساس هو أحد شرائح الإعلام الذي يهتم بالمجتمع بأكمله لهذا أصبح مفهوم الإعلام الأمني أكثر التصاقاً بالجهود الشرطية منه كمصطلح شامل، ينطوي تحته الكثير من الأبعاد ويقوم بدوره بكفاءة عالية واقتدار(..). ولقد تعددت مفاهيم الباحثين التي تناولت تعريف الإعلام الأمني، إلا أن جميعها حددت له عددا من الخصائص تدل على:

(أ)    خصائص الإعلام الأمني:
على ضوء هذه التعريفات يمكن حصر خصائص الإعلام الأمني باعتباره إعلام متخصص ، فيما يأتي:
(1)    الإعلام الأمني إعلام إيجابي: فهو يقوم بإبراز الدور الذي تؤديه الأجهزة الأمنية في سبيل راحة وسلامة أمن الفرد، والمجتمع، وتنمية الوعي الأمني على جميع الأصعدة، وفق استراتيجية واضحة المعالم والأهداف. إذن فالإعلام الأمني هو إعلام يركز جل اهتماماته على التعمق في الجوانب الأمنية لزيادة العملية الإتصالية بجميع مستوياتها من أجل تحقيق أهداف المجتمع، فنحن في أشد الحاجة إلى إيجاد مساحة مناسبة في الإعلام لتغطية الحاجات الأمنية التي تكفل بمنع وقوع الأزمات والمخاطر، أو على الأقل التقليل من آثارها.
(2)    الإعلام الأمني إعلام هادف: الوقاية والعلاج هما الهدف الأساسي للإعلام الأمني، فعندما يقوم المعنيون بالإعلام الأمني بالتوعية المدروسة بحيث يترسخ في ذهن الفرد بأن عليه دوراً يجب أن يقوم به، ومن ذلك أن يسد المنافذ والثغرات التي تؤدي إلى تشجيع المجرم على ارتكاب جريمته على سبيل المثال: (أن يأخذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على مقتنياته الثمينة، أو على متجره، أو منزله، وعدم ترك سيارته في حالة تشغيل والإنصراف عنها)، والنقطة الجوهرية هي التوعية الأمنية التي تركز على المجتمع بشرائحه وأجهزته ومؤسساته المختلفة، ومحاولة إيجاد رأي عام مستنير ينبذ الانحراف والمنحرفين ويقف صفاً واحداً ضد كل ما يعكر صفو الأمن والاستقرار(..)
(3)    الإعلام الأمني إعلام صادق: حيث يقوم بتوفير المعلومات والبيانات الصحيحة للرأي العام، بقدر ما تقتضيه متطلبات  المهنة مع دراسة وتحليل الاتجاهات، كما أن الخطاب الإعلامي الأمني الموجه للجمهور يكون صادقاً في إطار من الشفافية والمسؤولية ويضع الناس أولاً بأول وبصورة ما يجري على أرض الواقع دون تزيين أو تشويه(..).
(4)    الإعلام الأمني إعلام متعاون: وذلك من خلال الآتي(..):
i.    إمداد وسائل الإعلام بالأخبار التي تصدر من الأجهزة الأمنية.
ii.    تقديم المشورة اللازمة في كل ما يحقق مقاصد الأمن واحتياجاته.
iii.    إعداد البرامج الأمنية وتقديمها للإذاعة والتلفاز والمساهمة في الصحف اليومية، وتوصيل رسالة الإعلام الأمني إلى جماهير المجتمع بشكل واضح ومبسط.
إبراز الدور الإيجابي الذي تقوم به مختلف الأجهزة الأمنية في السعي وراء أمن المجتمع وسلامته (..).
(5)    الإعلام الأمني إعلام متوافق: بمعنى أنه إعلام متوافق مع سياسة الدولة ولا يتعارض معها، حيث يعتمد في طريقة عرضه للأخبار عن الاتجاهات والالتزامات الفكرية والمادية والمناخ السياسي والأمني السائد في المجتمع.
ويمكن القول أن دور الإعلام الأمني في مواجهة الأزمات يعد دوراً وقائياً وعلاجياً في نفس الوقت، حيث يمكن وصف دور الإعلام بأنه دوراً وقائياً في حالات التوعية بالتعامل مع الأزمات قبل وقوعها، ويعد هذا الدور دوراً علاجياً في حالات تعامل الإعلام مع الأزمات في حالات وقوعها، حيث يتم توعية الجمهور بكيفية تلافي الآثار السلبية للأزمات، ونبرز أهمية الإعلام الأمني في مختلف جوانب الحياة المجتمعية ومنها على سبيل المثال:

(ب)    أهمية الإعلام الأمني في تهيئة الوعي الفردي لمكافح الجريمة:
انطلقت هذه الأهمية على ضوء بروز الاتجاهات الحديثة في علم الجريمة أو الإجرام، حيث أن أسلوب العقاب ليس وحده الكفيف بمنع ارتكاب الجريمة أو الإجرام وردع المجرمين، لكن العمل الأمثل من الوقاية من الجريمة، وتنطلق السياسة الوقائية لمكافحة الجريمة من عنصرين هامين هما: منع الشخصية الإجرامية، والحيلولة دون تشكيل البيئة المساعدة على نشأة الشخصية الإجرامية التي قد تساعد على ارتكاب الجريمة.

(ت)    أهمية الإعلام الأمني في تهيئة الوعي الجماعي لمكافحة الجريمة:
لقد ظلت الأجهزة الأمنية وحدها تتحمل أعباء أمن المجتمع وسلامته منذ زمن بعيد وإلى عقود طويلة، وقد آن الأوان لإقناع الحكومات وقيادات المجتمع المدني، بأن ذلك لم يعد ممكناً الآن، وان المشاركة الجماهيرية ومساهمة أفراد المجتمع في تحمل مسؤولية أمن المجتمع وسلامته أصبحت ضرورة حتمية لتعزيز قدرات المجتمع في مواجهة الأزمات والكوارث والمخاطر والتي يتعرض لها وإيجاد حلول وقائية وطرق علاجية لها، وان كانت المجتمعات الغربية لجأت إلى استراتيجية المشاركة الجماهيرية (الشرطة المجتمعية) في مواجهة الأزمات والكوارث بقصد الوقاية من حدوثها من جانب، والعمل على معالجتها وإيجاد حلول لها من جانب آخر. فإننا في المجتمعات العربية الإسلامية أكثر حرصا على تلك الأهداف والغايات مستندين في ذلك على ركائزنا الدينية المتمثلة في مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، الذي يدعو إلى التعاون والتآزر والشورى وإلى جانب ذلك نستند أيضاً إلى ميراثنا من الأخلاق والتقاليد، والأمن ليس أجهزة ومعدات وعساكر وإمكانيات مادية وبشرية فحسب، بل هو التقدير الذي يستشعره المواطن تجاه الجهات الأمنية، لذلك فإن النجاحات الكبيرة للأمن لا تأتي من كثرة ما يملك من معدات وقوى بشرية بل تقاس بالوعي الذي يتقاسمه رجال الأمن وأفراد المجتمع معاً.
وفي ضوء هذا التصور تجري سياسات الأجهزة الأمنية على أساس أنها من المجتمع، فقد أولاها ثقته وسلطته لخدمته أو تخدم أهداف الجمهور فيكون نجاحها في أداء رسالتها رهين بتعاون المجتمع والجمهور بالتعاون مع الأجهزة الأمنية. كما أنه لابد للأجهزة الأمنية من أن تسعى جاهدة عبر وسائل الإعلام المختلفة بتنوير أفراد المجتمع إلى ما هو فيه خير البلد وأمنه، مستخدمة من أجل ذلك وسائل الإعلام المختلفة داعية الى التعاون ونبذ أعمال العدوان والاستبداد السياسي لأن خسارة الأجهزة الأمنية للرأي العام يعزز مكانة المجرمين والفاسدين وبالتالي ازدياد عدد المخلين بالأمن يرفع من أعمال الرجرام فيترهل العمل الأمني وتصبح العلاقة سيئة ما بين الأمن والرأي العام وتمتد إلى مناطق أخرى، مما يترتب عليه نشوء وبروز البؤر الإجرامية التي تهدد الأمني الوطني(..)

تعليق عبر الفيس بوك