كيف نُحققُ الموضوعيّة في تقويم أعضاء هيئة التدريس؟

أ.د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج

 

عند تطوير نظام لتقويم أداء أعضاء هيئة التدريس فإن هدف إدارة المؤسسة أو اللجنة المسئولة عن عملية التقويم هو إيجاد نظام موضوعي. ويجب أن نتعامل مع هذه القضية بحذر وأن ندرك أن الموضوعية الكاملة في التقويم هي قضية صعبة المنال. فأدوات القياس المستخدمة في عملية التقويم (مثلا نماذج تقدير الطلاب وقوائم ملاحظة الرفقاء وغيرها) هي في الأساس ذاتية. ولأن التقويم الموضوعي عملية صعبة المنال، فإن من المهم أن نحدد كيف يمكن أن نصل إلى مخرجات تقويم متَّسقة من خلال عملية هي بالضرورة ذاتية.
ولأن الذاتية في عملية تقويم أعضاء هيئة التدريس هي شيء لا يمكن تجنبه فإن الهدف يجب أن يكون العمل على ضبط أثرها. وهذه العملية هي ما يطلق عليه الذاتية المنضبطة. وتكون الذاتية في عملية التقويم منضبطة عندما يوجد اتفاق مسبق على طبيعة السياق ونظام القيم الذي ستطبق عند تفسير البيانات الموضوعية. وتعرف الذاتية المنضبطة بأنها: (التطبيق المتسق أو المتناغم لمجموعة المعايير المحددة سلفا في تفسير بيانات القياس).
والنقطة الضرورية الثانية في عملية تقويم هي أنه يجب أن يكون نظاما شاملا لجميع مهام عضو هيئة التدريس. ويمكن تعريف برنامج التقويم الشامل جيد التصميم بأنه البرنامج الذي يتضمن: [ملاحظات منتظمة (قياس) للأداء المناسب للأعضاء لتحديد درجة تناغم أدائهم مع القيم التي تحددها الوحدة الأكاديمية].
وحتى يحدث ذلك، من المهم جدا فهم التعقيد الكبير للواجبات والمسئوليات التي تقع على كاهل عضو هيئة التدريس؛ فأعضاء هيئة التدريس يندمجون في أنشطة عديدة متنوعة ضرورية للإنجاز الناجح في أداء رسالة وأهداف المؤسسة التعليمية. هذه الأنشطة لا تتطلب الخبرة في مجال المحتوى العلمي فحسب؛ بل تتطلب أيضا مهارات وخبرة في مجموعة من العمليات النفسية والتقنية والتنظيمية والجماعية التي ليس بالضرورة مرتبطة بالمحتوى الأكاديمي الذي يتخصص فيه عضو هيئة التدريس. على سبيل المثال بعض الأدوار مثل التوجيه، والعمل في لجان المناهج، أو إدارة مشروعات معقدة يتطلب خبرات في مجالات تقع خارج نطاق التخصص الدقيق للعضو. لذا، إن عملية تطوير نظام تقويمي شامل تتطلب حتما الحاجة إلى تحديد مدى أوسع من الأدوار التقليدية كالبحث والتدريس لكي تتوافق مع مدى أدوار العضو وتعقدها.
وعند توظيف عضو هيئة التدريس لأول مرة فإنه يأتي إلى وظيفته بدرجات عليا تؤهله كمهني في مجال علمي معين. والمهنة المقدمة بهذه المؤهلات والخبرات تشكل ما يسمى المهنة الأساسية لعضو هيئة التدريس. ومجموعة المهارات المتضمنة في المهنة الأساسية لعضو هيئة التدريس يمكن أن تتميز بـ:
1)    الخبرة بالمحتوى: المعارف الأساسية والمهارات التي يملكها العضو في مجال تخصصه.
2)    مهارات عملية: تجمة الخبرة في المحتوى إلى أفعال لتنفيذ عملية أو تقديم خدمة.
3)    تقنيات البحث: مهارات اكتساب المعرفة أو إضافة معارف جديدة.  
هذه المعارف والمهارات التي تميز الأساس المهني لعضو هيئة التدريس افْتُرِضَ تقليديا اعتبارها كافية لجعل العضو أستاذا فاعلا. على أية حال فإن أدبيات تقويم تدريس أعضاء هيئة التدريس تظهر أن هذا الافتراض غير صحيح.
إن الخبرة في تطوير نظم تقويم واسع المدى لأعضاء هيئة التدريس أظهرت مجموعة من المهارات التي توصف بمهارات "ما وراء المهنة" التي ترتبط بالأداء الناجح للعضو. تتمثل هذه الأدوار في:
1)    تصميم التدريس: المهارات التقنية في التصميم والتسلسل وتقديم الخبرات التعليمية.
2)    تقديم التدريس: المهارات الإنسانية التفاعلية التي تيسر التعلم، وكذلك المهارة في استخدام أشكال متنوعة من طرق التدريس.
3)    تقويم التدريس: مهارات تطوير واستخدام أدوات وإجراءات لقياس تعلم الطلاب (بناء الاختبارات، وبناء استبانات مسحية، وإجراءات وضع الدرجات).
4)    إدارة المقرر: المهارات التنظيمية المتضمنة في المحافظة على المقرر وصيانته وإدارته.
5)    البحث التعليمي: المهارات الفنية المرتبطة بالتساؤل العلمي في كل جوانب التدريس.
6)    القياسات/الاحصاءات: القياسات/الإحصاءات بقياس الخصائص الإنسانية وتصميم وتحليل البحث المعتمد على تلك القياسات.
7)    المعتقدات المعرفية: الفرع الفلسفي الذي يدرس طبيعة وحدود المعرفة وبنيتها وأصولها ومعاييرها. ويمكن أن ترى تطبيقات في بناء المقرر، وفي تصميم أحداث التدريس.
8)    نظرية التعلم: تتعامل نظرية التعلم مع نماذج عديدة لشرح كيف يحدث التعلم ويقدم إطار مرجعي لتصميم وتطوير وتقديم التدريس.
9)    النمو الإنساني: النظريات والنماذج التطور الإنساني والعقلي والخلقي والاجتماعي والثقافي.
10)    تكنولوجيا المعلومات: كل أشكال التقنية المستخدمة لإنتاج وتخزين وتغيير واستخدام المعلومات بأشكالها المختلفة والمستحدثة.
11)    الكتابة الحرفية: تقديم المعلومات العلمية للمتعلمين بطريقة تتوافق مع احتياجاتهم، ومستوى فهمهم، وخلفياتهم الثقافية.
12)    تصميم الجرافيك: تصميم الجرافيك هو عملية وفن تجميع النصوص والصور لإنتاج وسائل ذات فعالية وكفاءة لتوصيل المعلومات والمفاهيم بطريقة بصرية.
13)    التحدث للإعلام: التحدث إلى مجموعة كبيرة من الأفراد في مواقف رسمية بهدف الإفصاح عن معلومات أو إعلام الآخرين بوجهة نظر معينة.
14)    أساليب الاتصال: يجب أن يلم العضو باستراتيجيات التواصل الفاعل ويستخدمها بكفاءة.
15)    إدارة الصراع: تتطلب إدارة الصراع مهارات مثل التواصل الفعال وحل المشكلات والتفاوض.
16)    المعالجات الجماعية/ بناء الفريق: مجموعات الأفراد المترابطة معا لتحقيق هداف محدد، سواء كانوا لجنة أو أي تجمع آخر، تتحرك خلال مراحل عديدة قبل أن يتمكنوا من القيام بعمل مفيد.
17)    إدارة المصادر: إدارة مصادر المواد للتأكد من الاستخدام الكفء والفعال لتلبية أهداف معينة. وتتضمن مهارات مرتبطة بإجراءات ضبط القوائم، وجدولة الصيانة وضبط الكلفة وغيرها.
18)    إدارة الموظفين: مهارات في التواصل الفعال وتطوير الفرق وإدارة التنوع وإدارة الصراع وتفويض المسئولية والقيادة والتدريب، وتحفيز وتوجيه الأفراد أو المجموعات لإنجاز أهداف معينة.
19)    تطوير الميزانيات/التمويل: فهم العديد من المفاهيم الاقتصادية، والقدرة على فهم التقارير المالية والاستجابة السليمة للوائح والتنظيمات والسياسات التي تؤثر إنفاقات الميزانية.
20)    تطوير وتحليل السياسات: هذه المهارات ضرورية لفهم الضوابط السياسية التي يضعها صانعو القرارات وتقويم أداء المعالجات البديلة، وتقويم فعالية السياسات وصراع الأدوار.
إن مهنة التدريس الجامعي أو الأستاذية يمكن أن تفهم بطريقة أفضل من خلال مفهوم "ما وراء مهنة". وبتقديم مفهوم الأستاذية كـ "ما وراء المهنة" فإن مهارات الأداء المتطلبة في التدريس والبحث والخدمة التي سبق بيانها يمكن أن تحدد بشكل أكثر وضوحاً. كما أن التحديد الدقيق وتعريف مكونات أدوار "ما وراء المهنة" يقدم الأساس لمزيد من الموضوعية والتقويم المعتمد على الأداء ويساعد على تصميم نظام تقويم عادل لأعضاء هيئة التدريس.
وأخيرا يجب ربط تقويم عضو هيئة التدريس بتطوره المهني: إن تقويم أداء عضو هيئة التدريس والتطور المهني أو "الإثراء المهني" هما وجهان لعملة واحدة. ويجب أن تعمل برامج التقويم جنبا إلى جنب مع برامج الإثراء المهني للأعضاء. فإذا كنا سوف نخضع أداء أعضاء هيئة التدريس للتقويم (كما سبق استعراضه من خلال مفهوم "ما وراء المهنة") فإنه حينئذ يجب إيجاد فرص تجعل الأعضاء قادرين على اكتساب أو تعزيز مهاراتهم الضرورية لتلك الأداءات. وللوصول إلى أعلى درجات التحسين الذاتي، فإنه يجب الربط بين برامج تقويم أعضاء هيئة وبرامج الإثراء المهني لهم.

تعليق عبر الفيس بوك