مناجم الذهب (1)

عائشة البلوشية

ربما يتذكر أبناء جيلي قصة "النسر الذهبي"، وبطلها الصغير "بيبيرو" الباحث عن الإلدورادو أو مدينة الذهب، لقد تابعت هذا المسلسل الكرتوني بشغف طفولي منقطع النظير، وكأي طفل يتمتع بخيال خصب، كان خيالي يسرح بي بعيدا، لأحلم أنا أيضا بأن أعثر على جبال الذهب أو مدينة الذهب، وأنّ شخصا سيدلني عليها أو يعطيني خارطة توصلني إليها يوما ما، تمامًا مثلما فعل النسر الذهبي مع بيبيرو، وظل هذا الحلم الجميل نائما بهدوء في عقلي الباطن، ومما زاد من عمق الخيال الروائي في نفسي، هو متابعتي لسلسلة حلقات تروي الأساطير اليونانية وأنا في الصف الأول الإعدادي (الصف السابع في نظامنا التعليمي الآن)، عبر أثير إذاعة البي بي سي البريطانية، التي كانت تبث باللغة العربية حينها، مما أثرى حصيلتي الخيالية، حيث كنت أرهف السمع مشنفة أذني إلى المذياع قبل أن أغط في سبات عميق، فقد كان الإرسال الراديوي يزداد صفاء فترة المساء، ثم جاء مسلسل "جزيرة الكنز" الكرتوني الذي تعلقنا به وبشخوصه التي كانت تمدنا بحماس وتشويق يجعلنا نترقب موعد الحلقة التالية بنفاذ صبر، ليسقي جذورا قد مدت خيوطها وتشبثت نفسي، بأنني سأصل إلى كنز عظيم أو ربما مدينة من ذهب في يوم ما، كالأتلانتس الغارقة مثلا، فتلك -التي في المسلسل- جزيرة صغيرة، وهذه -عمان- بلاد مترامية الأطراف، هل يعقل أن لا أجد فيها ما حلمت به؟!

 

إنّ مما ساعدني أنني في عمان بلاد الأساطير والأساطين برا و بحرا، فمن منا لم تصل إليه أخبار أسطول الإمام سعيد بن سلطان في بحر عمان (حاليا) والخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو الذي دحر وانتصر، ومن منا لم يسمع بكهف "جرنان" في ولاية إزكي بمحافظة الداخلية، والروايات الكثيرة التي حيكت حول عجل مصنوع من الذهب خبىء في داخل هذا الكهف، والذي لم يستطع أحد حتى الآن التوغل في داخله والوصول إلى نهايته، أم هل منكم من لم يسمع بفلج "دن" بمحافظة الظاهرة، الذي اشتهر بجريانه من عين في الجبل ويقال أنّه يجري لمدة سبعة أيام ثم تحبسه قبيلة من الجن لمدة سبعة أيام، لذلك ضرب المثل الدارج (فلج دن سبع حلنا وسبع حل الجن)، عندما نريد الاستدلال على ندرة الشيء وصعوبة الحصول عليه، والرواية المشهورة عن هذا الفلج تدور حول اختفاء فتاة قرب عين الفلج، بسبب سبي قبيلة الجن لها، ثم إكرام قبيلة تلك الفتاة، بتمكين قبيلتها طلب الماء في أي وقت، بأن يقف أمام العين ويسلم على سكان الجبل ويعلن لهم اسمه ويطلب الماء، فيتدفق الفلج عذبا زلالا، وبالرغم من زيارتي لهذا الفلج في طفولتي، إلا أنني أعتبرها واحدة من الأساطير المشبعة بالخيال؛ وربما قرأتم في مقال سابق لي حول الأسطورة التي وردت في العديد من الكتب، وتناقلتها الأجيال عن قصة عبور سيدنا سليمان -عليه السلام- فوق أجواء عمان وهو في إحدى رحلاته عائدا إلى مدينة الخليل في فلسطين، وإعجابه الشديد بهندسة بناء حصن "سلوت" المدهش، في ولاية "بهلا" بمحافظة الداخلية، وقراره الهبوط ببساط الريح السحري، والإقامة لمدة عشرة أيام في ذلك الحصن، وإصداره الأوامر للجن للعمل مع الإنس في إنشاء وحفر مائة فلج كل يوم، وذلك حتى يكملوا عدد ألف فلج في عشرة أيام في ربوع عمان حينها، هدية منه -عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام- ﻷهل عمان على حسن ضيافتهم وكرمهم معه ومن معه، وهنا أيضًا أقول بأنها أسطورة جميلة أخرى قراتها عن بقعة عجيبة أخرى من بلادي عمان، تظل صحتها من عدمها في علم الغيب، ولكنها روايات تناقلتها الأسفار حتى حطت رواحلها بين يدي، وأنا المسكونة دوما بكل ما هو عماني، ما يجعلني أسبر أغوار المعرفة خلف كل معلومة قد توصلني إلى حلمي الطفولي.

حتى فوجئت قبل عدة أسابيع بعثوري على حلمي الذي أصبح مزخرفا بصفحة لونية ثرية، ﻷراه ماثلا أمام عيني، حقيقة وواقعا لا جدال فيها، وأصدقكم القول بأنني وقفت عاجزة عن القول أو الفعل أمام ذلك الكم الهائل من جمال خلق الله، وأؤكد لكم بأنني لم أنزل سلالم منجم للتنقيب عن الذهب أو الماس، أو أنني قد تفقدت أحد حوانيت الصاغة في سوق مطرح، أو تجولت في دهاليز دور عرض المجوهرات في المجمعات التجارية المنتشرة، بل كان شلالا من ذهب ينسكب بأمر ربه، وهنا أوكد أنّه ليس للقوى الخارقة أو الجن أي صلة فيما سأرويه في الحلقات القادمة،  فقد أخذني هذا الشخص معه في رحلة أقيسها بسنوات عمري حتى تأريخ كتابة هذه السطور، وفي كل مرحلة كان يعطيني خارطة جزئية/ مرحلية للكنز، حتى عثرت على مناجم الذهب، ورأيت بأم عيني شلالا من الذهب المنسكب، حيث وقفت مشدوهة أمام ذلك المنظر العجيب، الذي كنت أتصوره ضربا من الخيال، ولن أصل إليه في يوم ما، إلا في أفلام الخيال فقط، وحتى تصلون معي إلى شلالات التبر التي سوف آخذكم إليها، أعلن لكم بأنني مسكونة بتفاصيل الحكاية، لذا سأسردها لكم دون زيف أو خداع، في رحلة قد تطول وقد تقصر، فهذا يعتمد على مدى التشويق الذي تجدونه في أحداث حكايتنا الواقعية، رغم تخوف بطلها من أن تطال فؤوس التخريب، ومعاول نهب الثروات هذه الكنوز عندما كان يسرني بكل موقع يجد فيه النفائس، إلا أنني أصررت أن أرسم لكم خريطة الكنز، وعلى كل من أراد الوصول أن يبذل الجهد ليظفر بجزء منه.

(يتبع)..

 

___________________________

 

توقيع: "إلهي.. ما أحببتك وحدي، لكن أحببتك وحدك"

ابن عربي.