حوار جلالة السلطان قابوس مع جريدة الوطن العُمانية "أول مقابلة صحفية للسلطان قابوس المفدَّى مع صحفي عُماني" عام 1973م

مقابلة أجراها الأستاذ/ نصر بن محمد الطائي


قائد عُمان يقول:
    يسرني أن أرى كثيرا من المواطنين هبُّوا للعودة للمشاركة في تقدم هذا الوطن.
    الحاكم في وقتنا هذا لا يريد أن ينفرد بالسلطة وإنما يريد أن يرى جميع الجهات المسؤولة تتعاون جميعًا.
    المشاريع لداخلية عُمان بعضها في دور التنفيذ والأخرى قيد الدرس، فالحكومة لجميع السلطنة وليست لبلد واحد بالذات
    الشريعة الإسلامية هي دستورنا في الأساس.
    في ظفار يجري التخطيط إلى جانب العمل على قدم وساق.
    على التجار أن يعملوا ما في جهدهم لإنعاش البلاد ومساعدة الضعيف.. ولكن!
    سيكون لنا تبادل دبلوماسي قريبا وعلاقاتنا مع الدول علاقة الند بالند.
    أقضي يومي كإنسان عامل أتلو القرآن بعد صلاة الفجر وأعمل نهارا ومساءً. وأقرأ المجلات وأسمع الراديو وأنام بعد الحادية عشرة ليلا.
    لا أريد أن يكون الطالب العُماني كالببغاء بل عليه أن يفكر ليضيف إلى علمه من تفكيره الخاص.

نشرت (الوطن) في عددها الـ (11) الصادر في 8 أبريل 1971 حوارا تاريخيا مع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - أجراه، المغفور له بإذن الله تعالى، نصر بن محمد الطائي حيث تشرف - رحمه الله - باستقبال السلطان المعظم له يوم الـ30 من مارس 1971 ليكون الحوار هو الأول الذي يجريه جلالته - حفظه الله - مع صحفي عماني.
سيدي: لقد مرَّ على توليكم الحكم ما يقارب ثمانية أشهر. هل لنا أن نعرف انطباعاتكم بعد مواجهة المسؤولية من شعبكم. وهل لنا أن نعرف رأيكم في مهام الحاكم ومسؤولياته؟
الحقيقة أنّ انطباعاتي في المدة التي مضت توليت فيها المسؤولية انطباعات طيبة لأنه ولله الحمد رأينا تجاوبا كثيرا من المواطنين ولمسنا منهم شعورا بالمسؤولية نحو بناء وطنهم وكذلك أعتقد أنّ الكل أصبح يعرف أنّ هذه الحكومة جادة في العمل وفي نفس الوقت إنّ هناك لا تزال كثيرا من العقبات التي يجب عليها اجتيازها وأنّ بناء الوطن لا يمكن أنْ يكون بين عشيةٍ وضحاها. ثُمّ كذلك يسرني أن نرى كثيرًا من المواطنين في الخارج هبّوا للعودة للوطن للمشاركة في تقدّم هذا الوطن وبنائه. في الحقيقة بصورة عامة انطباعاتي طيبة وأرجو أن يستمر العمل والبناء في جو آمن وسلام ويسر الله يوفقنا. مهام الحاكم؛ الحاكم في الحقيقة هو على كل حال أول خادم من خُدّام الوطن. لا شك في هذا وعليه أن يعمل جهده في خدمة الوطن والشعب. ومسؤولياته تتبع جميع الأمور؛ كأن يحث على العمل مواصلة العمل في القيام بجميع المسؤوليات الملقاة على جميع المسؤولين في حكومته وعلى أن يوجههم التوجيه السليم بعد أن يتأكد من أنّ الطريقة التي يسلكها ذاتها وأنّ الرأي هو الرأي السليم. وهذا معناه أحيانا أن يشاور ثُمَّ يعود إلى الوراء من التجارب التي مرَّت به وبهذا يكوِّن رأيا سليما ويرى أن هذا الرأي هو الرأي الذي يعمل به. وهو فوق ذلك يرشد ويوجه ويحث على العمل البناء.
وتحدث جلالة القائد عن رؤيته السديدة لمعالم النهضة المباركة من مختلف محاورها والتي كان أولها بناء الدولة العصرية التي تقوم على المؤسسات.
وفي هذا الإطار أوضح جلالته - حفظه الله - أن الحاكم لا يريد أن ينفرد بالسلطة وإنما أن يرى جميع الجهات المسؤولة تتعاون معه. كما أبرز جلالته اهتمامه السامي بالتنمية في كافة أنحاء السلطنة حيث قال - حفظه الله - إن المشاريع لداخلية عمان بعضها في دور التنفيذ والآخر قيد الدرس فالحكومة لجميع السلطنة وليست لبلد واحد بالذات. وعلى الصعيد الاقتصادي عبر جلالة السلطان المعظم عن رؤيته للدور المنوط بالقطاع الخاص في مسيرة التنمية كما حدد جلالته واجب هذا القطاع المهم في التنمية الاقتصادية موضحا - حفظه الله ورعاه - أنه على التجار أن يعملوا ما في جهدهم لإنعاش البلاد ومساعدة الضعيف. وفيما يخص العلاقات الخارجية للسلطنة حدد جلالته - حفظه الله - النهج الدبلوماسي القائم على تدعيم أواصر الصداقة وعلاقات التعاون القائمة على الاحترام المتبادل حيث قال جلالته: سيكون لنا تبادل دبلوماسي قريبا وعلاقتنا مع الدول علاقة الند للند.
وكانت (الوطن) أول من نقلت الجانب الإنساني لحياة قائد النهضة المباركة
حيث كشف جلالته - حفظه الله - خلال الحوار عن (يومه الذي يقضيه كإنسان عامل يتلو القرآن الكريم بعد صلاة الفجر ويعمل نهارا ومساء) إضافة إلى (حرص جلالته على متابعة آخر الأخبار والمستجدات). وقد وجه جلالة السلطان المعظم عبر (الوطن) دعوته السامية إلى طلاب العلم لإطلاق العنان للفكر والإبداع وإعمال العقل حيث أوضح جلالته أنه لا يريد أن يكون طالب العلم كالببغاء يردد ما يتلقنه بل عليه أن يفكر ليضيف إلى علمه من تفكيره الخاص.
وحول (الوطن) كأول جريدة أرّخت لميلاد الصحافة العمانية
عبر جلالة السلطان المعظم عن غبطته وتقديره لصدور أول صحيفة عمانية.. ورغم إشادة جلالته ـ حفظه الله ـ بالذوق الرفيع في التبويب والإخراج إلا أن جلالته فضل الحديث عن خطوة إصدار الصحيفة في حد ذاتها. ففي هذا الإطار قال: - حفظه الله ورعاه - (بكثير من الغبطة والتقدير تلقيت خبر صدور أول صحيفة في عمان. ولا أريد أن أتحدث عن الذوق الرفيع في تبويبها وإخراجها أكثر مما أتحدث عن هذه الهمة والمجازفة في إصدار جريدة وأنا أعلم علم اليقين متاعب هذه المهنة ومشاكلها وأبعادها. فالصحافة مسؤولة عن كل حرف يكتب بها. والصحفي جندي لا ينام الليل والنهار من أجل مهنته. ومن اعتنق الصحافة طريقا اعتنق التوجيه وتدوير الرأي العام وأفراح الناس قبل نفسه).


.....................
المصادر: ناصر أبو عون – صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبيّة، ص: 123، 124، 125، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع – الأردن – ط 2/ 2015م وانظر أيضا: جريدة (الوطن) العُمانية في عدد (11) 8 إبريل 1971م- يوم الخميس 2 من صفر 1391 هـ.، موقع السلطان قابوس الإلكتروني: http://www.sultanqaboos.net/article-action-s-id-281.htm

............................................................
من هو الصحفي نصر بن محمد الطائي؟
هو الشقيق الأصغر للأديب الأستاذ عبد الله الطائي. من مواليد مسقط عام 1932 واسمه كاملا: نصر بن محمد بن صالح بن عامر بن سعيد بن عامر الطيواني البطاشي الطائي. من أسرة عُمانية عريقة الأرومة عاشت في سلطنة عُمان وتجذرت أصولها، وتفرّعت أفخاذها، وتلاحمت مع أبناء جلدتها، تولت مقاليد القضاء لقرنين متواصلين ويزيد، واستوطنت مسقط قادمةً من  قرية (حدا) بوادي الطائيين وحلّت في (طيوي)، ثم رحلت إلى (نزوى) واشتهرت بـ(الطيواني)، ثم انتقلت منها إلى (سمائل)، واستقرّت أخيرا في (مسقط).
درس نصر الطائي في "المدرسة السعيدية" بمسقط وتخرج فيها ليلتحق بعدها بالبنك البريطاني موظفا، ثم انتقل منه إلى "شركة تنمية نفط عمان"، ثم قرر السفر إلى "الشارقة" ليعمل مدرسا ولكنه لم يمكث طويلا حتى غادرها إلى البحرين ومنها إلى المملكة العربية السعودية التماسًا للرزق، وبحثا عن الذات، ثم قفل عائدا إلى "دبي" ليعمل مساعدا لمدير الجمارك، ولكنه لم يلبث أن تركها وسافر إلى "أبوظبي" عام 1962 ليعمل مديرا بإحدى الشركات هناك، ثم ينتقل بعدها ليتولى وظيفة مدير الشؤون العامة بالديوان الأميري، ثم مديرا للمشتريات والإسكان.
ومع قدوم العهد الميمون مع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم – حفظه الله ورعاه - عاد نصر الطائي إلى عُمان لساهم في حمل الأمانة، والمشاركة في بناء النهضة كتفا بكتف مع كثير من أقرانه الذين لبّوا نداء صاحب الجلالة؛ فعمل مديرا للمشتريات في وزارة المعارف وبعدها أسس جريدة "الوطن" ولأن الصحافة لا تقبل شريكا، ومتطلباتها واسعة النطاق، وهمومها أكثر قرّر صاحب جريدة الوطن الاستقالة من وظيفته الحكومية  في الخامس عشر من شهر  مايو عام 1971 ليتفرّغ لبناء مدرسة صحفية ناشئة غير أنّ المنية عاجلته في يوم التاسع عشر من شهر مايو عام 1971م في أبوظبي وودعته الأسرة إلى مثواه الأخير في " مقابر الوادي الصغير" بمسقط. ليترك خلفه ثمانية وثلاثين عاما من الحياة الحافلة بالنشاط والحيوية وإرثا من المثابرة والنشاط الثقافي والإداريّ وقدوة ومثالا يحتذى به في الإصرار والعزيمة والإرادة والمثابرة على الإنجاز مقرونةً بسمات شخصية تتمتع بالنزاهة والإنسانية والوفاء.

تعليق عبر الفيس بوك