سندريلا في الأوبرا السلطانيّة مع "ليون" و"ماجي ماران"

...
...
...


كل من شاهد (باليه سندريلا) في نسخته الكلاسيكيّة أو قرأ القصة في الأدب الغربيّ وطالع المعالجة الدرامية أو النصيّة للقصة في الأدب والسينما العربية سوف يصاب بحال من غرائبيّة الدهشة عندما يجلس في مقاعد دار الأوبرا السلطانية - مسقط ليشاهد (سندريلا) هذه المرة في نسختها المعاصرة (تصميما ورؤية فنية ورقصات تعبيرية).
 لقد اشتغلت "ماجي ماران" على القصة من زواية جديدة ورؤية فنية أكثر معاصرة وتأويلا لتدور أحداث هذه النسخة المبتكرة من باليه "سندريلا" التي تقوم بها فرقة باليه "دار أوبرا ليون" الشهيرة وتجري وقائع العرض في بيت الدمية وعلى وقع رقصات معاصرة، وبإخراج مسرحي بديع وتوظيف للأزياء بما يتلائم مع هذه الأجواء المبهرة التي يزيدها جمالا، وإبهارا موسيقى سيرجي بروكوفييف المتألقة متعددة الاستخدامات، وأوركسترا براغ الفيلهارمونية الشهيرة بقيادة المايسترو الروسي كونستانتين شودوفسكي والحاصل على العديد من الجوائز العالمية.
ومن يدقق في السيرة الذاتية لـ(ماجي ماران)، ويربط ما بين إبداعها الإخراجيّ ونجاحاتها المتوالية مع فرقة باليه دار أوبرا ليون سيجد مبدعة استثنائية تربطها علاقة خاصة بالفرقة تعود إلى عام 1979 بدأت بإخراج إحدى أولى أعمالها الراقصة المتمردة "تناقضات". وفي عام 1981أخرجت «ماي ب» والذي استمر عرضه 35 سنة وجاب القارات الخمس وتكمن عبقرية ماجي ماران في نجاحها بتجسيد أعمال الكاتب المسرحي الايرلندي صامويل بيكيت في صورة رقصات تعبيرية تصور كفاح الإنسان ضد الوجودية، في تابلوهات ومشاهد تشرح للمشاهد كيف يستطيع الجسد استيعاب مشاكل العصر ويتشابك مع غيره ويصارع الزمن ويتماهى مع الألم ويناضل ضد الفناء فكلما مات انبعث جسد اخر جديد ليواصل النضال والبحث في ماهية الحياة وتجلياتها ومفاهيمها.
في باليه "سندريلا" الذي عُرِض أول مرة عام 1985 م، و"كوبيليا" (1993) بدون أن ننسى الإخراج الساخر لباليه"الخطايا السبع المميتة لدى البورجوازية الصغيرة" لبريخت (1987). سنشاهد على مدار 3 حفلات متتالية يومي 21، و22 ديسمبر الجاري  تمام الساعة 7:00 مساء، ويوم السبت 23 في الساعة 4:00 عصرا (على يد ماغي ماران، ومصمّمة مناظر أعمالها، مونتسيرات كازانوفا، ونرى كيف أضفت كل منهما على العالم الحالم "أجواء سوداوية حزينة تُعزى إلى فقدان البراءة" مع الإبقاء على العناصر الخارقة للطبيعة التي تنطوي عليها قصة "سندريلا" الكلاسيكية، والعرّابة الجنية ذات القدرات السحرية، و الأمير الوسيم المنطلق على صهوة جواده باحثًا عن صاحبة الحذاء المفقود عند منتصف الليل في الحفل.
لقد نجحت ماجي ماران في تقديم عرض ثري بالإبداع ويشتغل على لعبة الإدهاش ومن خلاله نقلت حكاية سندريلا الشهيرة إلى عالم من الألعاب تُبث فيه الحياة في دمى بريئة في شكلها بقدر ما هي قاسية في سلوكها، وقد وُصفت هذه النسخة من قصة "سندريلا" بأنها نصر مسرحي عبقري يتّسم بالتلاعب المدهش بالأحداث، وتقدّم العرض فرقة باليه دار أوبرا ليون، وهي  فرقة مدرّبة بشكل كلاسيكي تركّز على الرقص المعاصر.
ومنذ أن شهد باليه "سندريلا" لماغي ماران النور، وهو يجوب أنحاء العالم، إذ قدّمته فرقة باليه دار أوبرا ليون من طوكيو إلى لوس أنجلوس، ومن موسكو إلى ساو باولو إلى مونتريال.
لقد صارت ماجي ماران متفرغة أكثر من ذي قبل لفرقة باليه دار أوبرا ليون، لتنتج لها باليه "وجوه"، وهو عمل مصمّم خصيصًا لراقصي الفرقة، وفي عروضها الأخيرة، سخّرت ماغي ماران جميع أدواتها لتجسيد الحياة اليومية على خشبة المسرح محولة الايماءات اليومية للأشخاص العاديين إلى قصص درامية تعكس الحالات الإنسانية المختلفة، وقد وجدت رغبة فعلية في صبغ الأعمال الكلاسيكية بلغة عالمية يفهمها الكلّ، إنّ الأقنعة التي تغطي وجوه الراقصين، والملابس المبطّنة التي تشّوه شكل أجسامهم تتحدى الكمالية الفردية للباليه الكلاسيكي، وتعلن عن عدم تميّز شخصيات العمل، فكلهم متشابهون، وهو الأمر الذي تسعى مصمّمة الرقصات إلى تحقيقه في هذا العرض.

تعليق عبر الفيس بوك