هـل انتهى الربيع العربي؟

طارق الصابري – مسقط

 

هكذا تبدو لي وللقارئ مشاهد نهاية الشكل الاستعماريّ القديم، وعودته بثوبٍ وحُلّة جديدة؛ غربية المنهج، أمريكية الرؤية والتنفيذ تحت شعار "الربيع العربي". إنه بلا مواربة أو تأويل: الموجة الجديدة من الاستعمار الحديث.

عندما استقلت الدول العربية عن الاستعمار الغربي بعد سنين طوال، وفقَ الاتفاقيات الموقّعة بدأ هاتيك الدول في الاستفادة من مكتسباتها ومقدراتها في مشاريع تنموية مستدامة تتجه بها نحو مسارات متنوعة من التقدم، والصعود كقوى إقليمية تتبايـن بـيـن الـحـيـن والآخر وتزهو بعظمة وضعها الإقتصادي والعسكري معا. فكان لا بد من إعادة فرض الوصاية الغربية مرة أخرى على البلدان العربية وفق الموجة الجديدة من الاستعمار الحديث والمنهج الغربي الاستعماري.

وذلك مخافةَ اتفاق العالم العربي واصطفافه في وحدة قومية وبـنـاء قـوى عـظـمـى داخليا بشكل خاص وتسارع اكتمال البناء الإقتصادي وفق أسس نظامية وحدوية راسخة، شهدناها في السياسات الخارجية والتوجه نحو استقلال القرار السياسيّ

وفي مطلع السبعينيات ظهرت نقلة نوعية وتحولات سياسية بدأت في نقل العالم العربيّ من صفوف الدول  المتخلفة إلى مواكبة التطورات والإنسانية والسعي نحو الاندماج في مخرجات الثورة الصناعية، والنهضة المعمارية، وانطلاقة طالت كل الأصعدة والأنشطة الحياتية ولكنها كانت تسير في ركاب المصالح الغربية وتقع في حضن أمريكا وريثة الاستعمار الغربي، وصاحبة الوصاية. وليس "الربيع العربي" الذي قادته أمريكا وخططت له إلا محاولة استعمارية جديدة.

ولكن هذه المرة بضجيج أكبر وتدخل سافر في السياسات والشؤون الداخلية للشعوب وإراقة دماء شبابها، وتحريضهم ضد الأنظمة السياسية السابقة التي تحررت من هيمنة الاستعمار، ودعم أنظمة معارضة بديلة جاهزة حسب مخططاتهم.

وقد إتضح لنا بأن الأنظمة القديمة بدءًا من العراق وليبيا وتونس ومصر والسودان واليمن وسوريا تم القضاء عليهــا رمـزيا واعـتـبـاريـا بـتـوظـيـف عملائها أو ما أسميناه سابقا بالأنظمة البديلة التي كُلفت بتحديث المنظومة الاستعمارية وتوجيه الشعوب والمجتمعات في مـسـارات جـديـدة مـتـناغمة مع مسارات المنهج الغربي.

لكن وبالكاد لم تنجح هذه الخطة حتى اللحظة إلا في سوريــا التي تكالبت عليها الإمبراطوريات القديمة من جديد.

وفي سائر الأحوال لن تقبل الإمبراطوريات القديمة المنبعثة من تحت رماد الحركة الإمبريالية بأن يكون لأي دولة عربية رؤية وطنية متكاملة قادرة على تجاوزالمحن اقـتصاديا وعـسكريا، وقد استبقت تلك الرؤى بتدمير البنى الأساسية وزرع الفتنة وتكوين أجهزة متخصصة في إشعال فتيل الطائفية والقبلية عند الـبـعـض والعـرقـيـة عند الآخر ومنح الإمتياز للبعض وتقوية الآخر للمواجهة في حروب أهلية طاحنة.

وسيناريوهات إسقاط معظم بالدول العربية كانت متشابهة إلى حد ما ومن خلف الستار وفي إطار ما يسمى الحرب بالوكالة وإضعاف الأنظمة والتشكيك في أجندتها الوطنية ونظامها الدستوري، وتعليب الاتهامات الجاهزة بالاستبداد.

وتعزيز مواقف المعارضة الممولة من الخارج وتجييش الأقليات والانجراف خلف شعارات خاوية تحت غطاء إعلامي مكثف مدفوع الثمن، فـ إلى الآن مازال سيناريو التقسيم قائما في حالة الدولة العربية السورية. وهل من السذاجة التساؤل: هل انتهى الربيع العربي؟ وهل آن الآوان للدفع بربيع خليجي؟

تعليق عبر الفيس بوك