متى سنحترم الوقت؟!

سيف المعمري

الوقت ثروة عظيمة لا تقدر بثمن، وكل إنسان مسؤول عن كل لحظة تنقضي من عمره، فالبركة والسعد لكل ما استغلها بما يعود عليه بالنفع وعلى مجتمعه وأمته، والخسران لكل من أفنى عمره فيما لا ينفعه، ولقد حث ديننا الحنيف على الاستثمار الأمثل لكل مرحلة من عمر الإنسان؛ فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ" (الترمذي)، وَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "نِعْمتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".

إن احترام الوقت واستثماره قيمة أخلاقية أصيلة في العقيدة الإسلامية، لكنها -وللأسف الشديد- بعيدة عن التطبيق في الكثير من مناحي الحياة العامة والخاصة عند المسلمين، فإضاعتنا للوقت أضاعت علينا الكثير من المنجزات الحضارية على المستويين الفردي والجماعي، ولعل مرد ذلك  تربيتنا التي أغفلت اهتمامها للوقت، فأضحينا نلهث في الوقت الضائع لنتدارك ما فاتنا.

ولأفصِّل أكثر في الحديث عن هذه القضية الجديرة بالرعاية والاهتمام من الجميع، لأقول بأن الاستخفاف بالوقت في مجتمعنا يبدأ من مسمياته وحدوه، فأن تقول لشخص ما، أنتظرك في تمام الساعة العاشرة مثلا، فقد يأتي إليك بعد ذلك الوقت بعشرين أو ثلاثين دقيقة وهكذا، وأن تقول لآخر أو يقول لك: الساعة 5 مثلا والربع، أو الثلث، أو النصف، فالبعض لديه الربع أي أربع عشرة دقيقة، وآخر وخمس عشرة دقيقة، وشخص ثالث لديه سبع عشرة دقيقة، أما الثلث فالبعض يحدده بالدقيقة العشرين، وآخر يمدها حتى الخامسة والعشرين، وهكذا وضع النصف؛ فالبعض يعتبر النصف ثلاثين دقيقة، وشخص آخر بعد الثلاثين بخمس أو 7 دقائق، وأحيانا قبلها بذلك المثل وهكذا، ولو جمعنا كل الدقائق المهدرة والتي نعتبرها بسيطة، لأيقنا أين نحن ذاهبون؟!!

ولقد ذكرني التفصيل آنف الذكر بحديث أحد الأساتذة العرب في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى؛ حيث يحكي لنا عن أستاذه الذي تعلم منه احترام الوقت في دراسته بالمملكة المتحدة، حيث يقول: كان لدينا أستاذ جامعي يتشارك معنا في بداية كل فصل دراسي تحديد الوقت الفعلي لبداية ونهاية المحاضرات، فيسألهم متى تريدون موعد محاضرة الساعة الثامنة صباحا، فإن أجمع الطلاب على الثامنة والربع مثلا، فيقول لهم: بل يكون الموعد الثامنة وإحدى عشرة دقيقة، ومحاضرة العاشرة صباحا، بدل أن تكون العاشرة وخمس دقائق تكون العاشرة و3 دقائق، ومحاضرة الثانية عشرة ظهرًا تكون الثانية عشرة و7 دقائق وهكذا، ومن يأتي إلى المحاضرة قبل أو بعد الوقت المعلن عنه سلفا بين الأستاذ وطلابه ولو بدقيقة واحدة فقط يُحرم من دخول المحاضرة!

ولا أجد أيَّ غضاضة في أن أقول إننا بحاجة ملحة لإدارة أوقاتنا بتلك المنهجية، وليس من المستحيل تطبيقها إن وجدت العزيمة والحرص على احترام ثروة الإنسان الحقيقية، وهي الوقت، وهي تربية سلوكية لو تربينا عليها من نعومة أظفارنا لنشأ جيل قادر على التكيف معها بطريقة مرنة، ولنتمثل بأهمية الالتزام الدقيق للوقت في الصلوات الخمس، وفي الإمساك والإفطار في رمضان..إلخ.

أما الأمثلة التي يمكن أن أعتد بها في ممارساتنا لهدر الوقت في مؤسستنا، فتبدأ من دخول الموظفين المتثاقل إلى مؤسساتهم لبدء الدوام الرسمي، وكأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وهرولتهم للخروج منه قبل نهاية الوقت الفعلي للدوام، وما بين الوقتين محلك سر، وفي الاجتماعات الرسمية تضيع الساعات الثلاث والأربع وأحيانا أكثر من ذلك، والنتيجة الخروج عن محاور الاجتماع وضياع الوقت وتعطيل مصالح المجتمع، أما الاحتفالات الرسمية فهي الأخرى لها فصول درامية مستمرة لإضاعة الوقت لا يتسع المقال لذكرها جميعا؛ فالاحتفال الذي حُدد له وقت البدء العاشرة صباحا سيبدأ العاشرة وخمسة وأربعين دقيقة، وقس عليه الساعات الأخرى الصباحية والمسائية للاحتفالات، ولا سقف محدد لزمن الاحتفالات والمناسبات والفعاليات الرسمية، ويتراوح معظمها بين الساعة إلى الثلاث ساعات.

لم يعد  للوقت أي حسبان في الدورة المستندية لمعظم المعاملات الحكومية، فمعاملة يتم إنجازها قبل عقدين من الزمن في شهر أو أكثر، لا يزال زمن إنجازها بنفس الفترة رغم الزيادة المضطردة في القوى البشرية والمعينات الإلكترونية التي تنعم بها مؤسساتنا، بل إن المعاملة التي يحدد لها دورة مستندية زمنية معينة قد تتلاشى إن كنت تعرف موظفا في تلك المؤسسة، وقد ينجزها لك بشكل فوري، وهي الحال ذاتها في مواعيد المستشفيات ومراجعة المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء.

لا أعلم كيف نريد أن ننجز ونحن لا نحترم أوقاتنا وأوقات الآخرين، ولا أعلم إلى متى سنظل نجامل بعضنا البعض على حساب مصالح الآخرين، بل لا أستطيع أن أحدد إلى متى سنظل لا نحترم الوقت، وأعمارنا تمضى معه.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...،

Saif5900@gmail.com